الإثنين 2022/08/22

آخر تحديث: 12:47 (بيروت)

مات كما يموت الجميع... نبيل فياض مغادراً واجهات الضجيج

الإثنين 2022/08/22
مات كما يموت الجميع... نبيل فياض مغادراً واجهات الضجيج
سيجد فياض لنفسه كل الأسباب ليستلهم جزءاً من خطاب شبيحة النظام
increase حجم الخط decrease
كان من الممكن لرحيل الباحث نبيل فياض، مساء البارحة، أن يحوز اهتماماً أكبر من مواطنيه السوريين. لكن هذا لم يحدث، إذ لم ينتشر خبر رحيله كما حدث مع آخرين، ولم نلحظ انقساماً شديداً بين مترحّم وغير مترحّم عليه. فجماعة النظام كانوا ينعونه، بينما شتمه كل مؤيدي الثورة! بالإضافة إلى أن كثيراً من الشباب الذين نشأ وعيهم خلال العقد الماضي، كانوا يسألون: من هذا؟!

 

لا إشكال إذاً في رحيله، لقد مات كما يموت الجميع في سوريا اليوم.

هذا الموقف، هو أكبر وأسوأ ما كان يتوقعه نبيل خلال حياته التي أثار خلالها الكثير من الضجيج، من خلال مواقفه، وآرائه، محاولاً دائماً لفت الانتباه إلى كونه "مفكراً علمانياً" يعيش في بيئة تنتج الإرهاب، في دولة يقودها بعثيون يغضون النظر عن أعدائه السلفيين الذين يصدرون الفتاوى من أجل قتله!

فعلياً، وعبر عقود ثلاثة، لم يلحظ المتابعون لنشاط الرجل وكتاباته ميلاً صوب تكريس المواجهة مع نظام الأسدَين، بل إن الأحاديث التي كان يرويها هو نفسه، كانت تظهر علاقات وزيارات ونقاشات بينه وبين رجالات في الأمن السوري، وهذا قد يراه البعض شيئاً مفروغاً منه يواجهه أي كاتب أو مثقف في ظل الدولة الأمنية السورية. لكن حال نبيل فياض تبدو مختلفة، فهو ما برح يحكي عن تهديدات يتعرض لها، من قبل إسلاميين متطرفين، لكنه يغض النظر عن السياق الذي صنع علاقة ذات ديمومة بين هؤلاء وبين الأجهزة الأمنية، ويرتكز في خطابه العام على مهاجمة هؤلاء وكأنهم نَبتٌ شيطاني جاء من سياقه الخاص، من دون أن يتحقق من تلك الأيدي التي كانت ترويه ليكون في مواجهة الليبراليين واليساريين وأيضاً تيارات إسلامية معتدلة!

نشاطاته العلنية، وعدم اعتقال الأجهزة الأمنية له، سوى مرة واحدة بسبب تأسيسه التجمع الليبرالي في سوريا مع جهاد نصرة الذي أعلن حلّه بعد اعتقال فياض لمدة أسبوعين العام 2004، إضافة إلى عدم حصول أي هجوم فعلي عليه طيلة السنوات التي سبقت الثورة، تفاصيل كانت تتحول في أوساط المثقفين إلى التشكيك في وقوعها، مع الريبة الدائمة في مقاصد الرجل، وميل إلى جعل أفعاله خادمة للنظام، ولا تهدف أبداً إلى تغييره. الأمر الذي رآه البعض مؤكداً، مع إعلان فياض في غير مكان، منذ بدايات الألفية وضمن سياق الحوارات التي نشأت في أعقاب ربيع دمشق الموؤد، عن عدم وجود بديل عن النظام في سوريا الراهنة!


تركيز فياض على حروبه مع أعدائه الافتراضيين، بالتوازي مع نشاطه في الترجمة والتأليف حيال قضايا دينية مثيرة، لم يمنعه من إيلاء سيرته الذاتية بعضاً من الاهتمام لتكون متاحة أمام جمهور القراء، إذ كتبها بنفسه في موقعه في الإنترنت، مع ملاحظة إطنابه في التعريف بأصول عائلته، وانتماء والديه إلى النخبة السورية في زمن ما! وكأن الرجل يخاطب شخصاً ما ليقول له إنه نبيل مختلف عن غيره!

ولعل نقلة سريعة إلى حيز الأخبار في الموقع، والتي يظهر أن تحديثها متوقف منذ العام 2015 أي في ذروة الصراع السوري، تظهر أن الرجل كان متابعاً ملتاعاً من شيء واحد فقط، هو التنظيمات الجهادية التي تحارب النظام، فيما ثمة صمت شبه كامل عن أفعاله، مع وجود نشاط معلن مع بعض المدافعين عن النظام على الشاشات تحت عنوان "جلسة حوار بين باحثين سوريين وأميركيين" عقدها "حزب عدل" ومركز دمشق للدراسات الاستراتيجية"!

في هذه الفترة من تاريخ سوريا، بلغ حضور نبيل فياض في ضفة النظام ذروته، فصار ناطقاً آخر يتحدث عن فظاعات "داعش" و"النصرة"، فيطلق عليه اللواء بهجت سليمان الذي حمل اسم نارام سرجون، لقب "ابن رشد الدمشقي"، مدعياً بأنه يتجنب النظر إلى وجهه بسبب الخجل منه: "اليوم ألتقي مع نبيل في طرقات الربيع العربي المليئة بالفوضى والدم والصراخ والغبار والمجانين الطلقاء.. وأجد نفسي أتجنبه.. وأتجنب النظر في عينيه.. لأنه كان على صواب في قراءته للإسلاميين وللإسلام السياسي.. وكنت مع الكثيرين على خطأ"!

من المفهوم أن يحاول نظام الأسد تصوير الثورة السورية على أنها إسلاموية جهادية إرهابية، ومن الطبيعي أن يحاول "النكش" في كل الدفاتر عمن يمكنه أن يسانده، وضمن السياق هذا، سيكون من الطبيعي أن يجد فياض نفسه في واحد من هذه الدفاتر، وأن ينبري بقوة للدفاع عن النظام، بعدما أدرك النظام، بحسب بهجت سليمان، خطأه في إهماله، وعدم سماع تحذيرات فياض السابقة! هنا، وبحسب الاستدلال السابق، يمكن لأي متابع للحالة السورية أن يسأل عن الدور الذي يؤديه المثقف مُدّعي العداء للإسلاميين، لكنه يضع البيض كله في سلة النظام، وفي أقرب الملمات يمضي سريعاً للانضواء تحت لوائه.

ليست المشكلة هنا في آراء نبيل فياض في السرديات الدينية الإسلامية، بل تتضح في اعتباره أن وجود العقلية السلفية أساس من معيقات الديموقراطية، ما منعه من رؤية المعيق الآخر، أي نظام الأسد الذي استند في وجوده وسيطرته على المجتمع على خلق البعبع السلفي الجهادي وتخويف الناس منه، وجعل هذا العدو الذي يستطيع لبس أي قباحة حاضراً في كل ما ينطق به!


وفي مرحلة من المراحل، سيجد فياض لنفسه كل الأسباب ليستلهم جزءاً من خطاب شبيحة النظام بمنطق طائفي يتساوى مع خطاب من يعاديهم، فيكتب منشوراً يقول فيه: "كي لا نكذب على أنفسنا هناك سوريتان. سوريا إدلب وأخواتها، من أقصى الجنوب إلى جرابلس، وسوريا المدنية الحضارية. أتسائل (هكذا وردت في المنشور) باستمرار: كيف يمكن أن يتعايش أبناء وادي النصارى مع أبناء أريحا؟ كيف يمكن أن يتعايش أبناء مصياف أو السلمية مع ابناء الموحسن؟ كيف يمكن أن يتعايش ابناء صافيتا مع أبناء الباب؟ أسئلة بلا أجوبة".

ادعى فياض قبل انطلاق الربيع العربي أنه، وبسبب فتاوى عناصر من تنظيم "القاعدة"، سوف يلجأ إلى ألمانيا وأن قراره نهائي لا عودة عنه، وأنه أرسل كتبه وبعض أشيائه الشخصية إلى هناك، وأنه لا يأخذ التطمينات الأمنية بحمايته على محمل الجد!

لكن نبيل فياض الذي لطالما كان سعيداً بتوصيف البعض له بأنه "سنّي بدوي" لم يغادر سوريا، وبعد عامين من هذا خرج على إحدى الشاشات ليطالب بعد ثلاثة شهور من الثورة بإلغاء المادة الثامنة من الدستور، وجرى الحديث عن قيام دورية أمنية باعتقاله. لكن الرجل ظل في سوريا ولم يمض وقت طويل حتى وجد لنفسه مكاناً في واجهات استثمرها النظام ومازال في سياق حربه ضد السوريين الثائرين. فأسس مع آخرين "الحزب العلماني الديموقراطي الليبرالي السوري-عدل"، والدار الليبرالية التي بدأت بإصدار كتبه في طبعات أنيقة مختلفة عن سابقاتها.

مات نبيل فياض إثر تدهور وضعه الصحي خلال الأيام الأخيرة بعد إصابته بمرض عضال، "الورم النقوي المتعدد"، وهذا ما تسبب في دخوله المستشفى أكثر من مرة. وقد نعاه الكاتب جورج برشيني في فايسبوك: "ببالغ الحزن ننعي لكم وفاة الدكتور نبيل فياض، الباحث السوري الذي يندر أن يتكرر والذي بقي متمسكاً بأرض بلده لآخر نفس. حزننا عميق وما زلت في حالة صدمة غير مصدّق، وأتمنى أن تخرج له جنازة شعبية تليق به وبما قدمه لنا جميعاً"!

صدرت لنبيل فياض بحسب صفحته في ويكيبيديا المؤلفات التالية:

- كافكا ـ التحوّل: دراسة حول شخصية غريغور سامسا في قصة كافكا الشهيرة "التحوّل"، وقد حوّلت هذه الدراسة إلى مسرحيّة قدمت بالتعاون مع السفارتين التشيكية والنمساوية في دمشق. ونشر العمل في دمشق.

- الشاعر المرتد: عزرا باوند: دراسة حول فلسفة هذا الشاعر الأمريكي الهام.

- التلمود البابلي، رسالة عبدة الأوثان: ترجمة دقيقة لهذه الرسالة الهامة من التلمود البابلي عن العبرية والإنكليزية.

- مقالة في القمع: دراسة حول منهجية القمع في التعليم الديني الإسلامي.

- نيتشه والدين: دراسة حول الدين في أعمال نيتشه مع الباحثين الألمانيين ميشائيل موترايش وشتيفان دانه.

- حوارات في قضايا المرأة والتراث والحرية.

- يوم انحدر الجمل من السقيفة.

-  أم المؤمنين تأكل أولادها: دراسة نقدية لسيرة عائشة صاحبة الجمل.

-  القصص الديني: ترجمة عن الألمانية للفصل الأول من كتاب شباير الهام: الحكايا الكتابية في القرآن.

-  حكايا الطوفان: الفصل الثاني من كتاب شباير.

-  القرآن ككتاب مقدّس: ترجمة عن الإنكليزية لعمل جفري الشهير.

-  حكايا الصعود: دراسة مجمّعة من نصوص عديدة من الإيطالية والإنكليزية والألمانية لأسطورة الإسراء والمعراج الشهيرة.

-  نصّان يهوديّان حول بدايات الإسلام: ترجمة مع مقدمة وخاتمة وتفسير لنصوص يهودية مكتوبة منذ بدايات الإسلام.

-  الهاجريون: ترجمة عن الإنكليزية لكتاب (باتريشيا كرونه) و (مايكل كوك).

-  محمد نبيّ الإسلام: ترجمة عن الإنكليزية لعمل (مايكل كوك).

-  مدخل إلى مشروع الدين المقارن.

-  النصارى: دراسة لاهوتية موسَّعة حول هذه الطائفة التي انقرضت.

-  إبراهيم بين الروايات الدينيّة والتاريخيّة.

-  مراثي اللات والعزّى: عمل ساخر.

-  رسالة إلى اليمن: ترجمة عن نص لابن ميمون مكتوب بالحرف العبري واللغة العربية، والرسالة لاهوتية الطابع.

-  المسيح والميثولوجيا: ترجمة لنص بولتمان.

-  فروقات المصاحف: الفروقات بين مصحف ابن مسعود والمصاحف الأخرى.

-  موسوعة الدين المقارن، أربعة أجزاء.

بالإضافة إلى أعمال أخرى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها