الثلاثاء 2022/08/16

آخر تحديث: 09:23 (بيروت)

حين قال سلمان رشدي "تباً" للفتوى في برنامج كوميدي

الثلاثاء 2022/08/16
حين قال سلمان رشدي "تباً" للفتوى في برنامج كوميدي
كثر استهجنوا نجاح ديفيد في اقناع رشدي بالظهور في سلسلته ذات الكوميديا المسعورة
increase حجم الخط decrease
ليست فتاوى القتل وهدر الدم في العادة مادةً للكوميديا والسخرية، لا سيما بالنسبة لمسلسلات الsitcom التي تتناول مواضيع أقلّ ما يقال عنها أنها غير جدية أو تافهة- وذلك بحسب توصيف الصناع نفسهم- كمسلسل "ساينفلد" للمنتج والمؤلف لاري ديفيد، الذي لم ير مانعاً من إطلاق النكات عن "الهولوكوست" بالرغم من يهوديته، لم يجد أيضاً أن هناك ما يثنيه عن التهكم على جرائم الإسلام ومآلاتها، وتحديداً فتوى القتل التي مسّت سلمان رشدي وجعلته متخفياً لعقود من الزمن.


في الموسم الرابع من سلسلة ساينفلد الذي بُثّ في العام 1993، تمّ ذكر سلمان رشدي ضمن الحبكة القصصية لإحدى الحلقات. خيار لاري ديفيد وجيري ساينفلد (المؤلف المشارك) باقحام اسم رشدي في حلقةٍ، تتمحور حول الأثداء الطبيعية والمزيفة بدا اعتباطياً بعض الشيء، لكن ذلك هو أسلوب ديفيد وبالتالي ليس هنالك ما يثير العجب. إلا أن طرحه لإسمٍ بعيد عن اهتمامات وإلمام الجمهور المشاهد آنذاك، أشار الى اهتمام شخصي لدى الكوميدي بشخصية سلمان رشدي وبمصيره.

هذا الإهتمام تطور في ما بعد الى شكل من أشكال الهوس، بحسب وصف النقاد. فبالرغم من انتقاد دايفيد لتناوله موضوعاً خطيراً من هذا النوع بشكل ساخر يفتقر للجدية والحساسية، قام الكوميدي الملقّب بـ"محرض اجتماعي"، بعد أكثر من عقدين، بتخصيص فصل كامل من سلسلته العبثية "Curb Your Enthusiasm" لموضوع فتاوى القتل. استمرّت الانتقادات بحق ديفيد إلى أن ظهر رشدي نفسه في إحدى حلقات السلسلة، ليضع هذا الظهور حداً للجدل المتمحور حول جواز مقاربة مواضيع من هذا النوع بالسخرية والنكات.


تدور سلسلة Curb Your Enthusiasm المستمرّ صدورها منذ العام 2000 حول شخصية لاري دايفيد (الذي يؤدي دوره بنفسه) والمآزق/ الخيبات الاجتماعية التي يقحم نفسه بها في مجتمع لوس أنجليس البرجوازي. في افتتاحية الموسم التاسع، تصدر فتوى بحق ديفيد لتأليفه مسرحية موسيقية في برودواي مستوحاة من حياة سلمان رشدي حيث سيؤدي شخصياً دور "آية الله الخميني"، وظهوره في أحد البرامج التلفزيونية مقلداً اياه. وعلى غرار مؤلف "آيات شيطانية"، تضطره الفتوى الى الاختباء والتنكر، ولا يجد من يعينه في مصابه هذا سوى سلمان رشدي الذي يلتجئ إليه في الحلقة الثالثة طالباً نصحه.

هنا يفاجئه رشدي بالحديث عن فوائد الفتوى وامكانية استخدامها لصالحه كذريعة لتجنب الالتزامات الاجتماعية، فضلاً عن دورها في تعزيز جاذبيته في أعين النساء. يتمادى الكاتبان المشاكسان في تلك النقطة الأخيرة يتحدثان عن الفرص الجنسية الوافرة التي تقدّمها الفتوى، أو ما يطلقان عليه "جنس الفتوى".

"ثمة مكاسب يمكنك تحقيقها من وضعك هذا،" يقول رشدي لديفيد. "فأنت اليوم رجل خطير، وهناك الكثير من النساء الجميلات اللواتي يحببن ذلك. الأمر لا يتعلّق بك شخصياً بل بالفتوى الملتفة حولك. إنها كالغبار السحري المثير. جنس الفتوى سيلاحقك. إنه أفضل جنس على الإطلاق. لكن عليك أن تتوقف عن التصرف كجبان". وحين يسأله ديفيد كيف له ألا يخاف والفتوى تلاحقه منذ سنوات. فيجيبه الكاتب "إنها هناك. لكن تباً لها!"

 

وبعد انتهاء لقاء "صبيان الفتوى" (Fatwa Boys) بحسب تعبير ديفيد الساخر، يواصل الأخير تطوير حبكته على امتداد السلسلة مشبعاً اياها بعناصر عبثية. فهو ليس بشجاعة رشدي، وخوفه على نفسه يدفعه الى ابداء استعداده لاعتناق الاسلام والاعتذار من "آية الله". في المقابل، يستكمل دايفيد سخريته من كليشيهات اسلامية كحوريات الجنة وتشابه الأسماء بين الخميني والخامنئي، وصولاً الى الحلقة الأخيرة حيث يعرض مسرحيته، راسماً شخصية "الخميني" بصورة الرجل المتولدن الذي يريد قتل آخر لأنه "لا يروق لي". ويذكر أن ديفيد هو من أوائل المؤلفين الذين ذكروا "حزب الله" في أعمالهم التلفزيونية بعد أن جرت العادة في هوليوود على حصر النماذج الارهابية بتنظيمات كـ"القاعدة" أو"طالبان".

 

كثر استهجنوا نجاح ديفيد في اقناع صاحب "أطفال منتصف الليل" بالظهور في سلسلته ذات الكوميديا المسعورة. إلا أن ديفيد قدّم له فرصةً للاستهزاء من الخطر الذي لاحقه لسنوات طوال وأملى عليه حياة من الخوف والاختباء. وقد ساءل النقاد منتجي السلسلة حيال خطورة القاء الضوء على حكم الاعدام هذا واعادته الى الواجهة مما قد يؤدي الى تفعيله من جديد. لكن الجميع، بمن فيهم رشدي ربّما، كان ظنّ أن حكم الاعدام الذي مرت أكثر من ثلاثة عقود على صدوره قد انقضت مفاعيله بمرور الزمن.

الجميع كان مخطئاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها