الأحد 2022/08/14

آخر تحديث: 09:47 (بيروت)

محاولة اغتيال سلمان رشدي... حرب إبادة

الأحد 2022/08/14
محاولة اغتيال سلمان رشدي... حرب إبادة
أحد اركان انتفاضة الخيال في الأدب المهاجر
increase حجم الخط decrease
بعد القسم الأول من التعليقات الثقافية الفايسبوكية حول محاولة اغتيال الروائي البريطاني من أصل هندي، سلمان رشدي، هنا القسم الثاني.



كتب الباحث اللبناني أحمد بيضون: سلمان رُشدي رجُلٌ مُلْحِد.

وما يقولُهُ المُلْحِدونَ في الأديانِ وأهْلِها كثيرٌ وقائلوهُ كثيرون. وهو قد لا يُمَثِّلُ مع ذلك عُشْرَ مِعْشارِ ما يقولهُ أهلُ الأديانِ في الإلحادِ وأهلِه.

وأمّا محاولةُ القتلِ هذه والفتوى التي أسَّستْ لها فمعناهما المُضْمَرُ أنّنا خرجنا من دائرةِ السجالِ العارمِ هذا إلى حَرْبِ إبادةٍ يُعْلِنُها شَطْرٌ من أهْلِ دينٍ واحدٍ على أهلِ الإلحادِ. وهذا مع العِلْمِ أنّ الملحِدينَ اليومَ شَطْرٌ ضَخْمٌ من البشريّة…

هذا يَرُدُّ إيذاءَ شخصٍ واحدٍ، بما هو اخْتِصارٌ للحربِ المَذْكورةِ، إلى حَقيقتِهِ العَمَليّة: وهي أنّهُ ليسَ بحالٍ دفاعاً فِعْلِيّاً عن الدينِ بل هو تعبيرٌ آخَرُ ، صارِخُ الإكْراهيّةِ بِحُكْمِ عُنْفِهِ، عن ادّعاءِ الولايةِ على الدينِ والمُتَدَيِّنين.

ذاكَ ادّعاءٌ ما يزالُ مَثاراً لرفضِ الجانبِ الأعظَمْ من أهل الدينِ المَعْنِي بِهِ وأسْلوبٌ في التعبيرِ عَنْهُ يِثيرُ، في هذا العَصْرِ، رفْضَ معظَمِ البَشَرِ وسُخْطَهُم مُؤمنينَ كانوا أمْ مُلْحِدين.

ودوّن الكاتب الفلسطيني حسن خضر: ‏أغلب من علّقوا على محاولة المس بحياة سلمان رشدي تكلموا عن روايته "آيات شيطانية". وأغلب هؤلاء لم يقرأ الرواية بل سمع عنها. وما ينبغي أن يُقال إن "آيات شيطانية" رواية معقّدة فعلاً، متعددة الطبقات، وتلعب فيها اللغة دور الفاعل الروائي إلى جانب آخرين.

يعتبر رشدي الذي أنعمت عليه الملكة بلقب سير من أبرز كتّاب الإنكليزية وآدابها، وعندما يُذكر الأدب الإنكليزي فإن أفضل من يكتب بالإنكليزية هذه الأيام جاءوا من المستعمرات السابقة، وهم من "غير البيض" كرشدي، ونايبول الفائز بنوبل للآداب.

وعلى مقلب آخر، في الرواية إلى جانب تخييل قصة الغرانيق بطريقة روائية، سخرية لاذعة من الغرب. على أي حال، الحساسية الدينية لم تكن الدافع الرئيس لفتوى الخميني، بل الطريقة التي ظهر بها هو في "آيات شيطانية" في صورة الملاك الدموي، عابس، ومتجهم القسمات، رمز ديانة جديدة تعبد الموت. لم تكن فكرة "إيذاء مشاعر المسلمين"، كما عرفها العالم في العقود القليلة الماضية، قد تحوّلت إلى أيديولوجيا سائدة (ذات مضامين تحريضية وتنظيمية، ومنافع سياسية) عندما أصدر الخميني فتواه في أواخر الثمانينيات.

جوبهت فتوى الخميني، في حينها، بردة فعل قويّة من جانب أبرز المثقفين في العالم العربي، وتصدّرها بيان كان بين الموقعين عليه إدوارد سعيد، وصادق جلال العظم، ومحمود درويش.


وكتب الشاعر والروائي اللبناني عباس بيضون: بين كتبي الاثيرة رواية سلمان رشدي "اطفال منتصف الليل" التي حين أعدت قراءتها من سنوات، كان لها سحر القراءة الاولى نفسه. اظنّها مع ذلك تحفة رشدي بل هي تحفة باطلاق. لم أقرأ "آيات شيطانية" ولا أعرف كيف صارت علما عليه وكأنه صار، على نحو ما وبغير حق، صنيعة من ثاروا عليه وافتوا بقتله، وليس ذبحه أمس إلا صدى بعيدا لفتاوى كهذه. قرأت روايات أخرى لرشدي لكنها في أهمها كانت تبني على "اطفال منتصف الليل" التي كتبها رشدي في شبابه والتي وحدها تقابل بندية "مئة عام من العزلة". نالت جائزة بوكر، وكانت تفتح لرشدي الطريق الذي ضيعته "آيات شيطانية" التي حملته البارحة الى المذبح. العالم الحديث هو، بطريقة ما، ابن نقد الدين، وقد تراكمت أجيال وقرون على هذا النقد، الذي لا زلنا خارجه ولم يبدأ عندنا الا بالذبح ليس علينا بعد أن نتساءل من أين تأتي فوبيا الاسلام، وكيف تجد دائما ذرائع يقدمها لها المسلمون.


وقال الروائي المصري يوسف زيدان: غالبًا، وحسبما هو معتاد في تلك الجرائم الشنعاء، فسوف يظهر لاحقًا أن المسلم المهووس الذي طعن اليوم الروائي سلمان رشدي (البريطاني/ المسلم/هندي الأصل) بسكين في رقبته، تنفيذًا لفتوى إسلامية صدرت من عشرات السنين، عقابًا له على تأليفه رواية آيات شيطانية.. غالبًا، لم يقرأ الرواية ولم يفهمها، ولم يُعلمه أحد أن قصة الآيات الشيطانية وحديث الغرانيق، موجودة منذ ألف سنة في تراثنا الإسلامي، وذكرها "الإمام الطبري" في كتابه الشهير...

فما الذي فعله هذا القاتل، والذين سوف يدافعون عنه في الفترة المقبلة؟ لا شيء، إلا تقديم دليل جديد على أننا نحن المسلمين، أناسٌ مهووسون جاءوا للمُسالمين بالذبح. وسوف يكتفي العقلاء منا بترديد الآية (الدعاء): اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاءُ منا.. إبراءً للذمة، وتبرئةً لأنفسهم من هذه الجريمة الجديدة؟

ولسوف يبقى حالُ المسلمين لمائة سنة تالية، على ما هو عليه منذ مائة سنة سابقة: رجالُ دين يلقون التقدير ممن حولهم، يحكمون على غيرهم بالردة والكُفر والقتل، ثم يأتي سفهاءٌ يُنفذون الحُكم، ولو بعد حين. يعني باختصار:

مهووسون يستترون، ومهووسون يستعلنون.


وكتب الحقوقي اليمني حسين الوادعي: لتكن السياسة بعيدة عن تكفير رشدي وعن الحملة ضد رواية "آيات شيطانية".

جاءت فتوى الخميني عام 1989 بعد هزيمة مذلة أمام العراق، وفشل داخلي على كل المستويات، وانكشاف بشاعة النموذج الخميني أمام العالم بعد المذابح المتلاحقة ضد المعارضين.

جاءت الفتوى ليعيد الخميني طرح نفسه زعيما للأمة باستدرار عواطف الناس وبتجييشهم من أجل حماية الإسلام، بعد ان فشل تجييشهم حول الولي الفقيه.

تزامنت الحملة مع التدشين الفعلي لعصر العولمة وظهور المثقفين العالميين والظواهر الفكرية العالمية. فشهد ذلك العقد أول معارك فكرية عالمية حول أربعة كتب (آيات شيطانية، الاستشراق، نهاية التاريخ، صراع الحضارات).

أصارت الحادثة تنافسا سياسيا بين قطبي السلفية السياسية آنذاك (ايران والسعودية) وسعت الدولتان لتجييش مسلمي العالم حول القضية والفائز بتحفيز منفذ الفتوى سينصب زعيما غير متوج للشارع الإسلامي!

لم يسلم الغرب نفسه من الانقسام السياسي حول الرواية فوقف اليمين الغربي ضدها، ووقف اليسار الغربي الديمقراطي معها، وكانت داخل بريطانيا محل صراع سياسي بين حزب المحافظين (تاتشر) وحزب العمال.

أتت حادثة الطعن 2022، المتهم فيها شاب مسلم مرتبط بايديولوجية الحرس الثوري، بعد اسبوع من إعلان المباحث الفيدرالية الاميركية عن كشف مؤامرة إيرانية لاغتيال شخصيات داخل إميركا انتقاما لمقتل سليماني.

ليس هناك دليل، حتى الآن، حول ارتباط حادثة الطعن مع هذه المؤامرة لكن رشدي شخصية مثالية للانتقام على المستوى الثقافي (تنفيذ فتوى الخميني) والسياسة (اغتياله داخل اميركا).

بدأ الصراع السياسي داخل اميركا منذ الدقائق الأولى لإعلان الحادثة، وهو صراع يدور في أرضية مختلفة ومعقدة.

فاليسار الديمقراطي والليبرالي الذي وقف مع رشدي عام 1989 غير مواقعه وصار أقرب الى الطروحات الاسلامية حول "احترام الأديان" وحماية الأقليات بالصوابية السياسية.

واليمين أصبح أقرب الى موقف رشدي لكن من زاويته الخاصة كمعاد للمهاجرين والتعدد الثقافي.

وقد استغل اليمين الحادثة لادانه اليسار والديمقراطيين وتقديمهم في صورة المعاديين لحرية التعبير تحت دعاوى العدالة العرقية وحماية الاقليات والمثليين .. الخ.

الرئيس الفرنسي ماكرون أسرع في الإدانة والتأييد لأنها حادثة تؤكد سياساته حول محاربة "الانفصالية الإسلامية". أما الحزب الديمقراطي الاميركي فسيعلق بين المباديء وبين مساعي كسب الأقليات المسلمة خاصة وأن بايدن كان يتغزّل قبل أسابيع بفكرة "الإمام الغائب".. الإمام الذي أصدر نائبه "الخميني" فتوى القتل العابرة للقارات!

وأكاد أجزم ان المعركة الأكبر لم تبدأ بعد، في انتظار معلومات أوضح عن دوافع المهاجم، وعن الحالة الصحية لرشدي بين الحياة والموت.

ودوّن الكاتب الفلسطيني هادي عبد الهادي: كان ادوارد سعيد من أشد المعجبين بسلمان رشدي وبأعماله الأدبية. عندما أصدر آية الله الخميني فتواه الشهيرة بتحليل دم الكاتب سلمان رشدي، فزع ادوارد سعيد وتصدى لتلك الفتوى. لم أقرأ لسلمان رشدي فلم أجد الفرصة لذلك بعد، ولكن قرأت نقد أعماله ومواقفه خصوصا من القضايا الاسلامية والعربية التي أتقاطع مع معظمها. الأهم من ذلك أن سلمان رشدي صوت قوي في الغرب ويتشارك مع ملايين المظلومين والمهجرين تلك المآسي التي عاشوها.


كان سلمان رشدي أحد اركان انتفاضة الخيال في الأدب المهاجر، كما أسماه ادوارد سعيد. لو عشت زمن صدور الفتوى لكان رأيي أن الدفاع عن سلمان رشدي وأعماله هي مسؤولية المثقف العلماني، لأن حرية الرأي لا تتجزأ. لا يمكن السعي وراء حرية التعبير في منطقة ما، وتجاهلها في منطقة أخرى. يحق لنا أن نتحدث ضد السلطة. ضد سلطة الدين وضد سلطة السياسة وضد سلطة الترهيب. يحق للكتاب والمفكرين والأدباء التفكير والتعبير عن الأفكار المحرمة والدفاع عنها وعن حرية الرأي.

طعن سلمان رشدي مُدان ومرفوض وبذيء مبني على قوة سلطة رجال الدين وتكميم الأفواه. مع سلمان رشدي. مع حرية التعبير. مع حرية الرأي. مع النقد والحجة بالحجة.


وكتب المغربي اسماعيل عزامهل قرأ المعتدي على سلمان رشدي روايته "آيات شيطانية"؟

هي الرواية ذاتها التي بسببها أهدر الخميني -زعيم ما يعرف بالثورة الإسلامية، التي بين أهدافها، نشر التشيع - دمه، ووضعت السلطات الإيرانية كما لو أنها موكلة من الله، جائزة مالية لمن يقتله؟

غالبا لم يقرأها.. غالباً من يتصرفون بهذا الشكل لا يقرؤون الروايات.

تماما كما فعل قاتل فرج فودة، الذي اعترف أمام المحكمة أنه لم يقرأ أعمال الراحل.

كُتبت تلك الرواية في عهد ما قبل النت، ومُنعت من دخول جلّ الدول العربية والإسلامية وكذلك الهند، وبسبب الضجة حولها لم تترجم إلى لغات كثيرة، ومنها العربية، حيث توفرت لاحقا ترجمة رديئة بما أن أيّ دار مشهورة عربيا لم تتبناها، والنتيجة أن الكثير ممن سمعوا بها في العالم الإسلامي لم يقرؤوها.

لكن لم يحتج الكاتب لترجمات أخرى ولا أن تدخل روايته إلى البلدان العربية والإسلامية. فقد حققت مبيعات كبيرة في نسختها الإنكليزية بسبب الضجة، بل هي اليوم تعد رقم واحد في مبيعات أمازون للروايات بالإنكليزية في أكثر من بلد، واليوم أكتشف أنها تجاوزت في أمازون-ألمانيا رواية جورج أوريل 1984 في الأكثر شعبية.

ماذا لو؟ لم يهدر الخميني دم الرجل؟ وماذا لو تجاهلها نظامه وغيره؟

هل كانت ستحقق كل هذا؟

هل هناك نظام عاقل في العالم يصدر فتوى بقتل رجل؟

لم أقرأ الرواية ولا رغبة لي في ذلك.. لكن قرأت بعض الجدل التي رافقها.. لم تكن الضجة لتحدث بكل ذلك الشكل لو صدرت تلك الرواية في زمن آخر غير زمن محاولة الخميني التأثير في العالم الإسلامي.

ولم تكن الضجة لتحدث لولا جنسية رشدي الهندية، -رغم أن أبويه مسلمين- في وقت اشتدت فيه التوترات الدينية داخل الهند، ثم بين الهند وباكستان، خصوصا أن أول المظاهرات وقعت في إسلام آباد الباكستانية.

ولو تكن الضجة لتحدث لولا تحريض أشخاص على خروج مظاهرات! مظاهرات تخرج ضد رواية أصدرها شخص!

هذا التحريض أدى إلى مقتل مترجمها إلى اليابانية، Hitoshi Igarashi، على يد مجهول في مكتبه.

وأمس تعرّض رشدي بعد كل هذه الضجة وكل هذه السنوات إلى هجوم كاد يودي بحياته.

أكثر ما يسيء لعدد من المسلمين، هو الانفعال، وعوض تجاهل ما يرونه إساءات، يساهمون في شهرته، فاشتهرت أعمال أدبية وسينمائية وإعلامية تحت غطاء إساءتها للإسلام بغض النظر هل تستحق الشهرة أو لا.

طبعا من حق أي كان التنديد بسلوك يراه يمس معتقده وحتى أن يرفع دعوى قضائية. لكن الأمر يجب أن يتوقف هنا. لكن المشكل أن فئة كبيرة، ومنهم أنظمة معينة وأفراد كثر، يريدون من العالم أن يفكر إلزاما كما يفكرون، ويريدون من كل العالم أن يحترم معتقداتها، رغم أنك تجد أن عددا كبيرا من هؤلاء لا يؤمنون بحرية المعتقد ولا يحترمون معتقدات الآخرين، بل منهم من لا يلتزم حتى بشعائر وأخلاقيات دينه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها