السبت 2022/07/09

آخر تحديث: 17:02 (بيروت)

عودة مهرجانات بعلبك بين الماضي والحاضر

السبت 2022/07/09
increase حجم الخط decrease
عادت المهرجانات بعد سنتين من الغياب فرضتهما جائحة كورونا العنيدة. جلسنا، عمدا، قبل بدء الحفل، في مقهى يحتل زاوية قرب القلعة، كي نرصد حركة الزوار المقبلين، وأغلبهم نساء، وهو ما لم نلحظه في إحتفالات سابقة. إجراءات أمنية مشدّدة ومبرّرة عند المدخل. لم تصنع لجنة المهرجانات مدرجاً خشبياً ترتاح عليه مقاعد المشاهدين، كما جرت العادة. قرار مفهوم بدوره. الإمكانات محدودة في زمن الأزمات. وُضعت الكراسي على الأرض المغطّاة بالمرج الأخضر. غنّت سميّة بعلبكي من دون أي ديكور يزيّن خلفية المسرح، اقتصر الأمر على فرقة موسيقية، وفرقة دبكة شكّلت حلقة مفتوحة توسّطتها بعلبكي برداء أبيض.

وبما أن أحد عناوين المهرجانات تمحور حول استعادة الزمن الجميل، فقد غنّت بعلبكي لبعض صُنّاع مجد ذلك الزمن: صباح، فيروز، وديع الصافي، وصولاً إلى أم كلثوم. شخصيّات فنيّة مرّت على بعلبك، وتركت أصواتاً يتردد صداها بين الحجارة القديمة العملاقة. أجادت سميّة في بعض الأحيان، ولم تفلح في أحيان أخرى. بعض الأخطاء التقنية في هندسة الصوت، زادت من عدم إرتياح الحاضرين. ليست سهلة تأدية أغانٍ لمطربين من ذوي طبقات صوتية مختلفة، وأسلوب غنائي خاص لكل منهم، بصوت واحد في حفل واحد. هذا يحتاج تركيزاً وانتقالاً من سلم موسيقي إلى آخر، ومن طبقة إلى أخرى. قامت بعلبكي بالجهد المطلوب، وربما أكثر من المطلوب، جهد معقود على رغبة بإمتاع الحاضرين. تجاوب معظم الحاضرين مع ما سمعوه، وخرجوا بإنطباع متفاوت بين الجيّد والأقل حماسة، إذ لم يخلُ الأمر من بعض الملاحظات التي لا تغيب في ظروف ممائلة، وذلك من قبل المتخصصين والعارفين في الموسيقى وأمورها أكثر من سواهم.

لكن ما يضفي على ما يُقام بين معابد بعلبك، نوعاً من البهجة، إضافة إلى الغناء والموسيقى، هو المكان بحد ذاته. الجمهور بين جدران دهرية وأعمدة منحوتة بمهارة ما زالت تُشغل الباحثين في علم الآثار. سماء مفتوحة على نصف بدر، ومناخ معتدل خال من رطوبة الساحل. إضاءة المعابد المتبدّلة، بين أغنية وأخرى، جاءت في محلّها كي تضفي رونقاً على المكان. وفي جميع الأحوال، تبدو المقارنة بين ما يُقام الآن من مهرجانات في بعلبك، وما سبق وشاهده اللبنانيون (الكبار في السن)، خلال عقود خلت، مقارنة سوريالية، وربما غير مطلوبة، قياساً إلى الواقع الحالي. يكفي أن الحفلات لم تعد تقام في باحة معبد جوبيتير، التي تتسع للآلاف. صرنا نكتفي بالساحة الصغيرة، الممتدة أمام معبد باخوس، ومن دون مدرّجات خشبية. المهرجانات، في ثوبها الراهن، من شأنها أن تبعث بعضاً من الفرح والأمل، وهذا يبدو كافياً في هذا الزمن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها