الإثنين 2022/07/04

آخر تحديث: 13:25 (بيروت)

أوكرانيا... حرب على ألكسندر بوشكين

الإثنين 2022/07/04
increase حجم الخط decrease
منذ بدء الحرب الروسية البوتينية على أوكرانيا، وتنامي الشعور القومي، تقوم السلطات الأوكرانية بحملة من أجل "إقصاء" كل ما هو ثقافي روسي، وآخِرها تماثيل الشاعر الروسي المعروف الكسندر بوشكين. ففي نهاية نيسان/أبريل، بذل فريق بلدية تشيرنيهيف (أوكرانيا) كل ما في وسعه لجعل بوشكين، العبقري الأدبي في القرن التاسع عشر، يدفع "ديونه". وأزيل تمثاله النصفي من الحديقة حيث كان موجوداً منذ 122 عامًا. ووضع الفناء الخلفي لمتحف التاريخ المحلي، بصحبة شخصيات من الحقبة السوفياتية. وهو الذي عرف أوكرانيا لبضع سنوات، خلال المنفى (1820-1826) الذي فرضه القيصر ألكسندر الأول. والحملة على الرموز الثقافية الروسية تشبه الحملة على تماثيل لينين الشيوعي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

ولوحظت مشاهد مماثلة لإسقاط تمثال بوشكين في مدن ميكولايف وموكاتشيفو وزابولوتيف. وأعلن عمدة ترنوبل في وداع الشاعر: "ليس لدينا خيار: يجب تفكيك كل ما هو روسي". حتى الآن، تمت إزالة عشرات التماثيل للكاتب في أنحاء البلاد، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية، التي حددت على نطاق أوسع 80 تدميرًا للآثار... ولم تقتصر الأمور على التماثيل، فقد استُبدلت أسماء المسارح والشوارع ومحطات القطارات التي تحمل اسم بوشكين.

وفي موقع "فورين بوليسي" نشر الكاتب الأوكراني فولوديمير يرمولينكو، مقالاً يعكس بوضوح حجم الشرخ الذي أصاب العلاقات الثقافية بين أوكرانيا وروسيا. يشير يرمولينكو في مطلع مقاله إلى العدد الكبير من الشوارع والساحات الأوكرانية التي تحمل أسماء أدباء وشخصيات ثقافية روسية، الأمر الذي يعتبره تراثاً من الماضي الإمبراطوري الروسي. و"لرسم حدود فضائها الاستعماري والتحكم فيه". يقول ليرمولينكو: "إذا كنت تبحث عن جذور عنف روسيا ضد جيرانها ورغبتها في محو تاريخهم، ورفضها لأفكار الديموقراطية الليبرالية، فإنك ستجد الكثير من الإجابات في صفحات مؤلفات بوشكين وليرمونتوف ودوستويفسكي".



وتتوالي فصول الحرب الثقافية بين روسيا وأوكرانيا. فقصائد ليرمونتوف، بحسب الأوكرانيين، حملت نظرة استعمارية مؤيدة للاحتلال الروسي للقوقاز. ومع أن البعض جرب أن ينسب أسماء روسية الى أوكرانيا من حيث الجنسية، لكن سرعان ما تبدلت الأمور بعد التعمق في الهوية الثقافية... فنيكولاي غوغول، بحسب القراءات، تخلى عن هويته الأوكرانية، وتمسك بالهوية الإمبراطورية الروسية، وبذل الكثير من مواهبه لإثبات أن الهوية الأوكرانية عفا عليها الزمن، وأن الأوكرانيين بحاجة للروس حتى يتعلموا منهم الحضارة.

أما التهمة الموجهة إلى بوشكين فهي تمجيد "الاعتداءات التي ارتكبها بطرس الأكبر ضد الأمم المجاورة"، في مقطع من قصيدة بولتافا (1828) التي كتبها في مدح القيصر. وهي تستعيد، كخلفية تاريخية لها، موقعة عام 1709 المنتهية بفوز بطرس الأكبر، قيصر الروس، على شارل الثاني عشر، ملك السويد، في بولتافا... وعلى عكس الرومانسيين الغربيين، ومنهم فكتور هوغو وبايرون، بوشكين متهم أيضًا بتقديم صورة مزعجة للأوكراني إيفان مازيبا، الذي تمرد على القيصر بطرس الأكبر حينما كان يشدد السيطرة الروسية على أوكرانيا. بالنسبة إلى الأوكرانيين، كان مازيبا رمزاً للمقاومة الوطنية ضد الهيمنة الروسية، وتذكيراً بأن روسيا القيصرية خرقت معاهدة القرن السابع عشر التي تحافظ على استقلال القوزاق (الأوكرانيين المستقبليين) مقابل الولاء لسكان موسكو (الروس المستقبليين). لكن بطرس نكث ببنود الصفقة بالنسبة إلى الأوكرانيين. فقد كانت أي دعوة أوكرانية للحكم الذاتي بمثابة الخيانة عند الروس، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى بوتين الآن.

ويأخذ بوشكين وجهة النظر الروسية من خلال تصوير مازيبا على أنه خائن فاسق يسكب الدم. وتقترح القصيدة أن الأوكرانيين يجب أن يُشفَق عليهم ويحتقروا كونهم "أصدقاء العصور القديمة والدموية".

أيضاً تقوم وزارة الثقافة وسياسة الإعلام بإعداد أنظمة للمكتبات العامة والمدرسية، من أجل تشغيل سحب المصنفات المعنية بالترتيب التالي: الكتب المؤيدة لروسيا، والكتب الروسية المنشورة بعد العام 1991، ثم الكتب الكلاسيكية. ويُحظر استيراد وبيع الكتب المطبوعة في روسيا. ويُحظر أيضًا بث الموسيقى الروسية في الفضاء العام. والاستياء من اللغة الروسية لم يولد مع حرب 2022، ولا حتى في 2014 مع الصراع في دونباس. ففي زمن القياصرة، كانت الأوكرانية ممنوعة ومحتقرة بالفعل، ومهما كان الأمر، فمن الواضح أن الحرب الحالية ستكون لها عواقب دائمة على استخدام اللغة الروسية والسورجيك [مزيج من الأوكرانية والروسية] في هذا البلد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها