السبت 2022/07/02

آخر تحديث: 11:13 (بيروت)

رحيل جاك بيريز... المصوّر الذي عشق تونس وعَظَّم الكادحين

السبت 2022/07/02
increase حجم الخط decrease
توفي المصور التونسي المعروف عالمياً، جاك بيريز، عن عمر ناهز 89 عاماً، وفق ما أفاد مقربون منه. وكان وزير الثقافة الفرنسي السابق، فريديريك ميتران، أطلق عليه لقب "دواسنو التونسي"، وعُرف بصوره التي توضح التنوع والثراء الثقافي في تونس، وتظهر أن "البلد يزخر بتعددية مذهلة. ويتلاقى فيه اليهود والمسلمون والعمّال والمتسكّعون، على تقاليد الصيد والزواج"…
 
ولد جاك بيريز في حي الحصيفة في مدينة تونس العتيقة العام 1932، لأمّ المانية وأب تونسي. اكتشف التصوير الفوتوغرافي في سن الحادية عشرة، ومن نشأته ولع بالتصوير الفوتوغرافي وتوثيق كل ما هو تونسي من ملامح وعمارة وأزياء وحلي وعادات وتقاليد. قال: "كنت محظوظاً بأن والدتي الألمانية وجدّتي الإيطالية كانتا تقدّمان لي مجلّات مرفقة بصور"، وبعد ممارسة التصوير كهواية لمدّة 15 عاماً إلى جانب عمله في التدريس، طلب منه ناشر تونسي كتاب صور عن سيدي بوسعيد، وهي مدينة معروفة ببيوتها البيضاء والزرقاء تقع في شمال تونس، فانطلقت مسيرته الاحترافية. وبإزاء هذا يقول أن التصوير لم يكن مهنة بل جاء من تلقاء نفسه...

سألته وكالة "فرانس برس"، ذات مرة، على هامش أحد معارضه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن تعلمه التصوير، فقال: "لم يعلّمني أحد كيف ألتقط الصور، فلا حاجة لذلك. والفضل للعين. ويحلو لي أن أستعرض المشهد كاملاً بـ360 درجة وأُظهر ما رأيته. ولم أشعر بانجذاب إلى المجال، فقد حدث الأمر بالفطرة". ويقول الناقد التونسي رشيد الحسني بأن بيريز أخذته إلى عوالم الكاميرا صورة لعميد المصوّرين التونسيين عبد الحميد كاهية (1929 ـ 2008)، تُظهر مشهداً فريداً لفلاحين يزرعون الأرض وهم حفاة. "بفضل هذه الصورة، فهمتُ معنى الصورة والدلالات العميقة التي يمكن أن تحملها"، يقول، في إشارة إلى ما يمكن أن يقوله أي عمل انطلاقاً من مشاهدته/قراءته الثانية، أو النظرة التي تلي "الوهلة الأولى". في بعض أعماله، تبجيل للانسان الكادح واحتفاء بهمومه وأفراحه العادية، وهناك واقعية لا تدعو للرثاء، لكنها تسجل عالماً صعباً. تلتقط عدسته حركات وتعابير أولئك الذين تضعهم الصدفة أمام ناظريه.

كما تتميز لقطاته دائما بقدرتها على إعطاء صورة حقيقية وصائبة للبلاد. ورصد مباهج التونسيين (صور حفلات الزفاف والرقص الشعبي والألعاب البهلوانية والأعياد، والمناسبات ذات البعد الروحي مثل زيارات مزارات الأولياء). كما استفاد من المخزون الحضاري التونسي، حيث شحن بصر المشاهد باستدراجه إلى إعادة الاستكشاف والتفرج على حرف وعادات اندثرت أو تكاد، كصناعة الأواني النحاسية وتطريق الفضيات والأواني القصديرية والنسيج...

بحسب جاك بيريز، فإن العين هي التي تصنع الصورة الفوتوغرافية، لا الآلة، ويمكن للصورة أن تهرب، إن شاءت، في الأزمنة. إذ أنّ الحاضر امتداد وليس نكوصاً. لذلك رصد الموضة والتطورات التي حدثت في مجال الأزياء والعمارة والمهن والعادات والتقاليد اليومية. وجاب بيريز البلاد التونسية من شمالها إلى جنوبها، ووثق بعدسته المدن والأرياف والقرى، منها سيدي بوسعيد والملاسين وباب سويقة والقيروان وجربة ودوز وقرقنة ومطماطة وغار الملح والحمامات وقفصة والكاف وغيرها من المناطق التونسية الساحرة. كان بيريز شغوفاً بتونس وعشقه لكل ما هو تونسي، حتى السلبي منه الذي التقطه في العديد من الصور، إذ نادراً ما نعثر على مبدع تونسي يعشق تونس بالشكل والمشاعر التي أبداها بيريز في اعترافاته في فيلم صوّر عنه... وبقي حتى آخر أيامه يحتفظ بسحر الطفل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها