الخميس 2022/07/14

آخر تحديث: 11:58 (بيروت)

قتلى ولصوص وأهلا بهالطلة وطوابير وبكيني

الخميس 2022/07/14
increase حجم الخط decrease
أمضيتُ بضعة أيام في ربوع البقاع، هارباً من الساحل وصيفه المرهق، هناك في الضيعة مترامية الأطراف والمعالم والعوالم، حيث يكثر الكلام، سمعتُ عشرات الأخبار غير السارّة، بل الجحيمية، هي في الجوهر لا تنفصل عن الواقع اللبناني "القوي" على مقياس العهد القوى. في اليوم الثالث لوصولي، أخبرني بائع المناقيش عن العنف السائد، بأن راعياً لبنانياً، كان يقيم حاجزاً طياراً في الجرود الشرقية، قتل نازحاً سورياً ورماه في بئر مهجورة، لأنه لم يدفع له خوّة 200 ألف ليرة. في اليوم الخامس، تاجر حشيشة الكيف والكبتاغون يقتل شاباً أمام محله بسبب خلافات قديمة، ويطلق النار على الدرك... في اليوم السابع، خبر يقول إن عشائرياً أطلق النار على راعيين شقيقين فى جرود العاقورة، فيردي الأول ويصيب الثاني إصابه خطرة فلا يلبث أن يفارق الحياة بعد يومين أو ثلاثة، والسبب عدم دفع الخوّة أو "المعلوم"... "نائب مقاوم" يندّد بالجريمة ويشجب، وبلدية تسأل عن "العيش المشترك"، ومعلق فايسبوكي يسخر... وما بين القتيل والقتيل، عشرات الخبريات عن سرقة المحلات التجارية والدراجات النارية والبطاريات والزيوت والكابلات والحطب والتشليح، انتشار واسع لتعاطي الحشيش والحبوب في الأعراس والشارع على عينك يا تاجر، والشرطة اللبنانية لا تستطيع فعل شيء.

في اليوم التاسع، أقف قليلاً أمام حانوت، عشرات الأشخاص يسألون عن الخبز، صاحب الحانوت يقول لي: "أشعر بتأنيب ضمير لأنني أبيع الربطة بـ25 ألف ليرة، لذلك أخفف من بيع الخبز"، يردف: "لكن كيس الطحين تخطى الأربعين دولاراً في السوق السوداء، وبيع إلى سوريا بما يقارب التسعين دولاراً"، وعلى مقربة منا عناصر من مخابرات الجيش يقفون عند باب أحد الأفران المقفلة... في المساء أجرّب أن أعمل قليلاً، أفتح اللابتوب، سرعان ما يتعطّل، يتعكر مزاجي، كأن عالم الكتابة والإنترنت هو متنفسنا اليومي ومهربنا من الواقع الملموس... في اليوم التالي، أجرّب صيانة عند شاب دلّوني إليه، يقول لي "إن مشكلته الحرارة والمروحة"، أرشدني كيف أتدبّر أمري حتى أعود الى بيروت، أعمل قليلاً، اقرأ عن مجموعة مسلحة تقود سيارات رباعية الدفع تقتحم مستشفى وتخرج شاباً موقوفاً ومتهماً بالقتل، سرقة سيارة لمواطن أتى لحضور مهرجانات بعلبك..

سرعان ما يتمدّد عطب اللابتوب إلى الشاشة بعدما كان مقتصراً على الكيبورد، أشعر أنّ الكون أسود. أحمل أغراضي، أدير محرك السيارة وأنطلق إلى بيروت، في طريق العودة الطويل والممل والذي ينتظر قطار "حزب الله"، أقف قليلاً عند مطعم في شتورا. حين عدتُ لإكمال طريقي، "تنحَرَت" السيارة، لا تريد الرجوع إلى الخلف، عطب في الفيتاس. ماذا بها؟ لا أعلم! أرجعتها "دفشاً" بمساعدة عامل الموقف في المطعم، أفكر ببلاطة أشحنها، لم أصادف أحداً، أفكر بميكانسيان، نحن في أيام العيد ولا أحد يعمل، أمشي الى الأمام، ثمة صوت في المحرك لكنني أمشي، أقود السيارة بما يشبه المغامرة، كنت أعلم أن العطب فيها سيزداد، لكن غايتي في تلك اللحظة أن أصل، وأكمل عملي من خلال لابتوب أخر... "إنه يوم نحس" قلت، أجتاز ضهر البيدر بتوجس وحذر وأتوقع في أي لحظة أن يتوقف محرك السيارة، لكن الأمور مرّت بأقل خسائر ممكنة، والله أعلم...

على طريق المطار عشرات الإعلانات تحمل عبارة "حزب الله أربعون ربيعاً"، تليها حملة إعلانات وزارة السياحة اللبنانية "أهلا بهالطلة"، شيء سوريالي بحسب إحدى الزميلات. أنعطف باتجاه الجنوب، عتمة جهنمية في نفق خلدة أو المطار، كأنها بروفا لقبر المستقبل... على طريق الساحل أشاهد طوابير الأشخاص أمام الفرن، أقف مثل غيري، مسموح للشخص بربطة خبر واحدة. إلى البيت، صراصير مقتولة على درج المبنى، رجل يقول أن الكهرباء تأتي أقل من ساعة في اليوم، لا مياه في الخزانات، بائع المياه يصمّ الآذان بأصوات مضخته... أجلس على البرندة، أقرأ تعليقات الفسابكة يتهكمون على إعلامي أراد أن يكون بوقاً "سياحياً"، أفكر جدياً في الجوانب التي تجعل السياح يختارون بلداً بعينه؟ أفكر لماذا يذهب آلاف اللبنانيين إلى تركيا؟ وما الذي تغير بين الأمس واليوم في لبنان؟ ولماذا لم يعد لبنان وجهة العرب؟ بالطبع لا ضرورة للسرد عن فداحة ما وصلنا إليه، في بلاد عاجزة عن تأمين الكهرباء وحتى جوازات السفر.

أتسلى بمتابعة أخبار الفنانين، وعلى الأكثر الفنانات الحسناوات والجسديات. معظم الأخبار تركّز على ثيابهن، فعدا عن حصولهن على الإقامة الذهبية في الإمارات، فهن، في صورهن ويومياتهن، يذهبن إلى الاستجمام والاستعراض الجسدي على شواطئ دبي والفجيرة.. فتغزو أخبارهن بعض المواقع الصحافية السياسية والفنّية، إذ ترصد تحركاتهن وصورهن، فلانة ببكيني مثير على شاطئ الفجيرة. وفلانة بثياب جريئة على شاطئ دبي.. لن تصدقوا ماذا ارتدت تلك الفنانة... كأن شواطئ الخليج باتت قِبلة نجمات الجمال والتمثيل وعارضات الأزياء وأمور أخرى... ووجود النجمات اللبنانيات وبعض السوريات في الخليج، علامة على تحوّلات طرأت على الواقع السياحي اللبناني الذي بات "كيتشاً"، إذا ما أردنا اختصاره، يحن إلى زمن جورجينا رزق، ولم يعد وجهة سياحية في الوقت الراهن...
في الصباح، أقرأ التعليقات حول صورة الكَون بحسب وكالة ناسا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها