الثلاثاء 2022/06/07

آخر تحديث: 19:05 (بيروت)

مجلس "بابا" النائب وصاحب "صاحبنا"

الثلاثاء 2022/06/07
مجلس "بابا" النائب وصاحب "صاحبنا"
increase حجم الخط decrease

- علي حسن خليل : ما تقاطعني يا ابني
- فراس حمدان: أنا مش إبنك، أنا زميلك
هذا حوار جرى اليوم بين نائبَين في البرلمان اللبناني.
الأول، تقنياً، فار من العدالة. أصدر القاضي طارق البيطار بحقه مذكرة توقيف غيابية، على خلفية انفجار مرفأ بيروت، وللمفارقة، فاز في الانتخابات النيابية الأخيرة ممثلاً حركة "أمل"، بعدما شغل منصب وزير المالية خلال سنوات مهّدت للانهيار الذي يشهده البلد راهناً. أما حمدان، فشكّل فوزه بالمقعد النيابي صفعة لأحزاب السلطة. هو الذي أطاح مرشحها مروان خير الدين، أحد أسوأ المصرفيين اللبنانيين في التعاطي مع المودعين، بل والمتهم بإرسال موظفي أمنه للاعتداء في الشارع على الصحافي محمد زبيب المُعتبر من أشد الناقدين لأداء المصارف في الأزمة المالية.

النائب الأول مُنتمٍ إلى السلطة قلباً وقالباً، ابنها البار الذي صار من مفذلكيها. والثاني من مجموعة النواب التغييريين الذين دخلوا حديثاً الندوة البرلمانية. الموسم الانتخابي نفسه، أفرز نائباً حاضراً في المجلس وغائباً عن المساءلة، ونائباً آخر حاضراً في المجلس والشارع معاً. انتخابات نصف وجهها مشوّه، والنصف الآخر مشرق. السيستم المعتلّ يعطي أحياناً إشارات بأن فيه نفحة عافية، لكنه يبقى سقيماً، بدليل الحوار أعلاه. 

وهذا الحوار أعمق من فجوة الأجيال والأهوال بين النائبَين، وأكثر من مشهد كهل مخضرم في السلطة، يمارس أبوية على نائب شاب آتٍ من ساحة 17 تشرين حاملاً في قلبه شظية من رصاص حرس المجلس النيابي نفسه. هذا الحوار هو عقل مؤسسات الدولة، والمكبوت أعظم. إنه السياسة كما لا يجهد أحد لتجميلها. إحساس نواب السلطة بأنهم أسياد المكان، وأنهم، أعانهم الله، سيتحملون مَن دخلوه من خارج دوائرهم. سيتركونهم يلهون ويشاغبون قليلاً، وربما يعلّمونهم أمراً أو اثنَين عن "القانون" و"الدستور" وأصول الأداء البرلماني. لكن المُستجِد، إن بالغ في لعبته، فلا بد من نَهره، ولو استلزم ذلك كل حنوّ الآباء وتسلّطهم الصادق.

كانت هذه جلسة انتخاب اللجان النيابية. استكملت مشهد جلسة انتخاب رئيس المجلس، والتي كانت أركانها لتكتمل كمهزلة لا تُخجل أحداً، لولا فَرَض التغييريون بعض الممارسات الديمواقراطية، ولو رمزياً، بالتصويت وطرق الترشيح واحتساب الأصوات. يومها أيضاً، حاول نائبا "حزب الله" حسن فضل الله وعلي عمار تعليم النواب الجدد ألفباء العمل النيابي، إذ أن الحزب مشهود له بثقافة ديموقراطية عريقة.

فإذا كان هذا تعاطي نواب المنظومة مع زملائهم المنتخبين، بصرف النظر عن مقارنة ما عادت جديدة لكنها دوماً صادِمة، بين القدامى والجدد، فكيف إذن يتعاملون مع مصالح المواطنين غير الموجودين في ساحة النجمة إلا عبر مَن انتخبوا؟

كيف تفهمون يا "بابا"، القضاء والصحافة والشفافية والديموقراطية، العدالة والنزاهة والمحاسبة؟ لعلنا الآن ندرك لماذا لم يمتثل علي حسن خليل للاستجواب. فالقاضي طارق البيطار من جيل أولاده أو أخوته الصغار، وعَيب إستدعاء مَن كان في مقام الوالِد للتحقيق معه.

تصريح آخر سرّبه الإعلام من جلسة اليوم. فنُقل أن الرئيس بري ردّ على النائبة بولا يعقوبيان، بعد تصريحها بأن رئيس المجلس رفض إجراء جلسة تشريعية لتثبيت حدود لبنان البحرية، فقال: "وين كانت هيدي من 12 سنة؟ رح نسكت كرمال زوجها صاحبنا"... فـ"هيدي"، إن صَدَق النقل، لا اسم لها، وهذا توصيف ما بعد بعد الزمالة والبُنوّة.

قبل 12 سنة، كانت يعقوبيان إعلامية تشتغل على مهنتها كما ترى مناسباً، وفي المكان الذي تراه ملائماً (وهو موقع كان حليفاً!)، بشروط العمل الإعلامي اللبناني الذي لا منطق يقبل أن يعترض عليه نوابنا المخضرمون. ثم طوّرت مسارها وصولاً إلى الانخراط في الشأن العام من بوابته المباشرة، وبالطرق الشرعية. وقبل أكثر من ضعف هذه المدة، كان مُطلِق الردّ، رئيساً لمجلس نواب، وما زال.

الأقدمية يا أحبّة،...  كالنبيذ، تجعل مواضيعها أغلى وأهمّ، ولا يؤثر فيها غبار الصمود، ولا أثمانه. سنوات طوال، على كل ناقد(ة) إجلالها كما تستحق، بعد الاستفاقة من كل هذا الهذيان عن تداول السلطة، وسائر السخافات التي لا تنال من سِحر التوافق المشتغل في الكهوف بكفاءة تدوم وتدوم. أما هذه اليعقوبيان، فليست كياناً قائماً بذاته كامرأة، وقطعاً ليس كمُنتخبة لمقعد نيابي نناقش فحوى ما تقول ونتائج ما تفعل. بل هي زوجة لشخص نعرفه، وبالتالي سنُكرمه بعدم الرد عليها. كونها زوجة الآن، دلالة على أنها "على ذمّة" بالغٍ راشدٍ، ذي وزن اعتباري وثقل وصوت قوّام على صوت زوجته، نراعيه دونها. هي الضلع القاصر والبرلمانية التي لم تتجاوز مسيرتها العامة عقداً أو اثنين كانا ربما ليؤهّلاها لمقارعة أعمدة القبّة. وفوق ذلك، زوجها "صاحبنا"، نحن الذين تدبّج كل خطابها على أساس أنها مناوئة لنا كمنظومة، وبالتالي يكفي أن ننفخ على كلامها مجرد نفخ، لتذهب ادعاءاتها أدراج الرياح.

هكذا يا أولاد البلد، أصبح في مجلس "بابا" النائب، وصاحب "صاحبنا"، شاب يعترض وامرأة تصرّح، وكتلة جديدة تنجح في جعل بعض اللجان النيابية مُنتَخبة بدلاً من التوافق عليها. إنها خيوط الشمس تتسرب إلى القبو.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها