الأحد 2022/06/05

آخر تحديث: 11:42 (بيروت)

"توب غان: مافريك".. توم كروز آخر نجوم الأكشن

الأحد 2022/06/05
increase حجم الخط decrease
 

في فيلمه الجديد "توب غان: مافريك"(*)، ​​يحتفل توم كروز بأنجح إنطلاقة لفيلم في حياته المهنية على مستوى الإيرادات. اكتمل الفيلم منذ سنوات، لينطلق الآن فقط في دور السينما حول العالم، واضعاً سقفاً جديداً لأفلام هوليوود الترفيهية المستقبلية، ومتناسباً تماماً مع المزاج الحالي لدرجة قد تجعله مخيفاً أيضاً.

لنجوم السينما سطوتهم وجاذبيتهم وجمهورهم، وتوم كروز أحد أكثرهم نجاحاً، بحفاظه على وضعه كنجم هوليوود الأكثر جاذبية والأكثر قرباً من جمهوره في العقود الماضية. اشتكى روبرت ريدفورد ذات مرة من صعوبة أن تكون روبرت ريدفورد. لكن كونك توم كروز، ربما يكون من عيار مختلف. يبدو دائماً مكهرباً، ما يمنحه حضوراً مثيراً على الشاشة، ولكن خارجها قد تبدو علاقته بالجمهور أحياناً أقرب إلى الهوس. في أفلام الأكشن، يخاطر برقبته في حركات مثيرة معقدة، وبالنسبة لستانلي كوبريك فقد ضحّى كثيراً من وقت عمله الذي يصعب تحمل تكاليفه عادة، حتى أن فيلمهما المشترك "عيون مغلقة على اتساعها" (1999) دخل موسوعة غينيس، كصاحب أطول فترة تصوير مستمر في تاريخ السينما بمجموع 46 أسبوعاً.


في المحاضرة/الندوة التكريمية التي سبقت العرض الأول لفيلم "توب غان: مافريك" في مدينة كان، لم يُسمح بأي أسئلة للجمهور، ربما بدافع من الحذر الشديد من أسئلتهم عن الحياة الشخصية لنجمهم المفضّل ومعتقده السيانتولوجي. بدلاً من ذلك، تحدّث كروز مطوّلاً عن رغبته في مقابلة جمهوره على السجاد الأحمر في جميع أنحاء العالم. تفاخر بأنه أعطى هوليوود فكرة العرض الدولي الأول للأفلام الضخمة مع فيلم "توب غان" الأول قبل 36 عاماً: "كنت أعرف صوراً لعروض هوليوود الفاتنة في المسرح الصيني أو من مدينة كان، وتولّدت لدي فكرة أنه يمكنك تصدير ذلك من خلال وضع سجاد أحمر خارج دور السينما في كل مكان. ومنذ ذلك الحين، أصريت على أن أشارك في الأفلام فقط عندما يمكنني السفر حول العالم معها والتحدث إلى الناس".


من المؤكد بعد أسبوع من صدوره أن فيلم "توب غان: مافريك" سيحقق نجاحاً عالمياً حتى من دون جولة دعائية طويلة. نادراً ما نسمع عن نتائج شباك التذاكر حتى قبل الوباء، لكن في يومين فقط من إصداره، حقق الفيلم 300 مليون دولار في شباك التذاكر في جميع أنحاء العالم مقابل تكاليف إنتاجه البالغة 170 مليون دولار. بالنسبة لتوم كروز(59 عاماً)، يعدّ هذا الفيلم أنجح إطلاق في حياته المهنية حتى الآن. في هوليوود، يحلّلون الأسباب باهتمام أكبر لأن المشتبه بهم المعتادين ليسوا حاضرين ضمن ذخيرته: لا أبطال خارقين هنا أو وحوش أو سيوف ليزر، ولا حتى تأثيرات الكمبيوتر المفرطة؛ فقط لا يزال توم كروز يطير ويؤدّي المشاهد الخطرة بنفسه. قد تكون النوستالجيا عاملاً مؤثراً، لكن هذا يفسّر على الأكثر لماذا تذهب الأفواج الأكبر سناً، المستأنسين في بيوتهم بشكل خاص بعد الوباء، إلى السينما.

في استطلاع أجرته مجلة "فارايتي"، أشاد معظم المستجيبين بجودة الفيلم، بالمقارنة مع أفلام مارفل الناجحة. بعبارة أخرى، هناك نصّ جيّد. لكن هل هذا هو الأمر فعلاً؟ "توب غان: مافريك" فيلم بسيط ومبسَّط، وهو بالتأكيد مدين بذلك إلى نصّه. لكن القصة لا تجود بأي توصيفات أو عناية زائدة بأي من الشخصيات، وفقط تلك المرتبطة بالفيلم الأول لديها أي خلفية درامية أو حياة خارج الخدمة العسكرية. بالمناسبة، لم تُستدعََ كيلي ماكغليس، التي لعبت دور البطولة في الفيلم الأول كمدرّبة وصدّيقة البطل، من قبل المنتجين، وبدلاً منها حضرت جينيفر كونلي نجمة أفلام المراهقين في التسعينيات. وقالت كيلي ماكغليس لموقع ET الأميركي: "لن يفعلوا ذلك أبداً. أنا كبيرة في السن، وبدينة، وأعي هذا. وهذا ليس كل ما يدور حوله هذا الأمر. لكنني مرتاحة جداً في جلدي. لن أركض إلى المسرح لمشاهدة الفيلم الآن، ولن أهرب لأتجنّب مشاهدته. إنه ليس شيئاً مدرجاً على قائمتي الصغيرة للأشياء المهمة".

ربما يكون الحذف الحاصل في النصّ هو ما يجعل هذا الفيلم فعالاً للغاية، ولكنه أيضاً يمثّل إشكالية دائماً. من ناحية، البلد الذي يحارب ضده البطل لا اسم له، لكن منذ منتصف الثمانينيات، لم يظهر عدو واضح للغرب كما الحال الآن، بعد غزو بوتين لأوكرانيا، وهذا في ظلّ ادعاء الغرب تفوقه الأخلاقي بمواجهة قوة شريرة ومدمّرة. وبالتالي هو فيلم مثالي لأيامنا المطبوعة بأجواء الحرب الباردة، مع فارق أن المشكلات الواقعية لا تحلّها ضربة عسكرية مركزّة مثلما في السينما. من ناحية أخرى، يمكن فهم الجُمل الحوارية والأحادية لشخصية مافريك، ​​والمنظومة كشعارات أخّاذة، على أنها حظرٌ على التفكير: "لا تفكر في الأشياء، فقط افعلها". في الفيلم الأول، صاغها الطيار الشاب آنذاك بطريقة مختلفة نسبياً: "هناك في الأعلى، ليس لديك وقت للتفكير؛ إذا فكّرت ستموت".

قصة عودة مافريك الموهوب للغاية، الذي رُقّي إلى رتبة ملازم بسبب عناده فقط، إلى مدرسته القديمة للطيران بسيطة بقدر ما يمكن أن تكون: في عصر الطائرات بدون طيار، والتي على ما يبدو يمكنها فعل كل شيء بشكل أفضل، يحلّق طيّارنا مثل شيطان يرفض كل التعليمات. وبهذه الطريقة، يثبت ما يمكن أن تقدّمه التكنولوجيا التي تبدو متقادمة، لكن الجيش لا يتحمل أبداً الكثير من هذا العناد. نعلم هذا بالفعل من فرسان جون فورد في أفلام الويسترن. تعيينه كمعلّم في مدرسته القديمة ليس سوى نقلٍ عقابيٍ، بعد نجاته بصعوبة من تسريح مخزٍ.

لا يسع المرء إلا أن يفكر في مصير هذا الفيلم، الذي ظل معلّقاً لمدة ثلاث سنوات حتى أعيد افتتاح دور العرض، وفي هذا التماس مع التكنولوجيا القديمة والطرق العتيقة لإنجاز الأشياء. كانت أمازون ونتفليكس تفركان أيديهما بالفعل وتتأهبان للظفر به على منصتهما. لكن كروز أعلنها في "كان" بكلمات واضحة "يمكنني أن أؤكد لكم أنه لم يكن هناك أي تفكير مطلقاً في إطلاقه عبر الإنترنت"، حيث قوبل بالتصفيق والتقدير من عشاق السينما. ومن ناحية أخرى، ما هي هذه التكنولوجيا التي يمكن الإعجاب بها هنا في أكثر لقطات الطيران إثارة للإعجاب منذ الفيلم الكلاسيكي الأسطوري الصامت "أجنحة" من عام 1929؟

السرّ يكمن في نوعية الآلية الحربية التي يمكن اليوم العثور لها على أغلبية مؤيدة ساحقة حتى في أكثر الدول سلمية. في العام 1986، لو كنت موجوداً حينها، لم أكن لأشاهد فيلم "توب غان" الأول، المدعوم من البنتاغون والمهووس بالتفوق الأميركي والبطل الأبيض. اليوم، لم يعد هناك أي مؤشر على الرياح المعاكسة لتلك الأيام. ومع ذلك، في الولايات المتحدة، حيث أشيد بالفيلم الجديد في 97 بالمائة من مراجعات النقّاد وبواسطة 99 بالمائة من المستخدمين، وفقاً لموقع Rotten Tomatoes، يسمع المرء أيضاً أصواتاً تحذيرية. كتب الناقد السينمائي تاي بور، متأثراً بمذبحة المدرسة الابتدائية الأخيرة في تكساس: "ما يزعجني في فيلم مثل "توب غان: مافريك" ليس ما يعرضه، ولكن ما يتركه: الكلفة البشرية للحرب والعنف... ماذا سيفعل هؤلاء الـ"مافريكس"، حتى لو كانوا واحداً فقط، عندما لا يعود العالم الحقيقي يناسب السيناريو المرسوم في رؤوسهم؟". أصوات مثل هذه قد لا تجد على الأغلب من يسمعها في خضم أزيز فيلم مبهر ومسلٍّ ويستحق المشاهدة على أكبر شاشة ممكنة.

 

(*) يُعرض حالياً في الصالات اللبنانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها