السبت 2022/06/04

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

"بنتلي" كميل شمعون والكيتش والطائرات الخاصة

السبت 2022/06/04
"بنتلي" كميل شمعون والكيتش والطائرات الخاصة
سيارة كميل شمعون
increase حجم الخط decrease
انشغلت المواقع الالكترونية والصحف وحسابات الفسبكة، بسيارة "بنتلي" تحمل الرقم 1000، كان يملكها الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون، ووصل بها حفيده النائب المنتخب كميل دوري شمعون إلى المجلس النيابي في وسط بيروت. والسيارة على ما هي عليه، في الشكل والمضمون، قد تكون قناعاً لأحوال لبنان وسياساته، وقناعاً للحديث عن التوريث السياسي والاقتصاد وما آلت إليه الأمور في الربوع اللبنانية، على وقع التصدّع والتآكل والانهيارات والافلاس ومقولات جهنم...

والحال أنه في المجلس النيابي الجديد، هناك رهط من "الأحفاد" (النواب)، لا يشكلون مرايا للآباء أو الأجداد، الذين كانوا زعامات حقيقية بالمعنى التقليدي لكلمة زعامات. الأحفاد أو الاخلاف قزموا أدوار الأسلاف، سواء في الحضور أو السياسة أو المواقف أو العلاقات أو الرؤى. فشتّان بين بيار الجميل مؤسّس "الكتائب"، وحفيده نديم المتعثر لغوياً ومنطقيا، أو بين كمال جنبلاط وحفيده تيمور المتردد في السياسة وهاوي الشعر والصمت، أو بين ميشال المر وحفيده ميشال الذي اختير كشخصية كوميكس في الفايسبوك. والأمر نفسه ينطبق على كميل دوري شمعون، الذي ورث عن جده الاسم والسيارة الكلاسيكية، ولطالما كان خارج السياسة وخارج الدور السياسي. وعودته إلى سيارة جده، فيها شيء من الكيتش السياسي، وجوهر الكيتش بحسب التعريفات هو "الحالة التي يُعاد فيها إنتاج شيء جميل وأصيل لكن بصورة أكثر رداءة تنزع منه كل جوهره"، أو هي "الظل المزيف لشيء جميل تحلَّل وفقد رونقه".

وكميل الحفيد، رئيس "حزب الوطنيين الأحرار"، بعدما كان جده صانع السياسة والجبهات في لبنان، أصبح نائباً على ضفاف "القوات اللبنانية"، لا يملك من إرث جده إلا الاسم وبقايا ذكريات حول الصيد، وفي المجلس اختار أن يصوت للإمام موسى الصدر بدلاً من نبيه بري، ولهذا دلالاته التاريخية والكتيشية أيضاً.

كان كميل شمعون رئيساً للجمهورية اللبنانية أو "فخامة الملك"، المحنك والثعلب الذي استطاع في مرحلة أن يقتنص دوراً محورياً للبنان، ثقافياً وسياحياً واقتصادياً. كان رئيساً ويتصرف كملك، حتى انتهى زمنه الرئاسي بحرب 1958 نتيجة صراع المحاور والأقاليم والايديولوجيات، وبقي قطباً أساسياً في الشارع المسيحي بعد انتهاء ولايته الرئاسية. وفي بداية الستينيات، اشترى الـ"بنتلي" التي كان يذهب بها في رحلات صيد، ولم تكن السيارة بمنأى عن المعمعة السياسة. ففي أحد السجالات بين كمال شمعون وكمال جنبلاط حول الثروات والأملاك والدولة، قال كمال لكميل في بيان "ولا يحلو له التنقل الا بسيارة "بنتلي" التي يبلغ ثمنها ستين الف ليرة لبنانية فقط" (وهذا لا يعني أن جنبلاط الاشتراكي، كان منزهاً عن شراء السيارات). بمعنى آخر، كانت السيارة، تحديداً الـ"بنتلي" وأخواتها، نوعاً من أبهة وفخامة وتمايز، وموضع سؤال "من أين لك هذا؟!". وحكاية سيارة شمعون الآن فيها شيء من الأسطرة، فإحدى الروايات تقول إن السيارة عادت الى منزل عائلة الرئيس شمعون قبل عامين عندما أعاد حفيده شراءها من أحد أقربائه الذي كان اشتراها من عمه داني شمعون في الثمانينيات.

لكن ثمة خبريات قليلة تدحض هذا الكلام، أو تناقضه، ففي العام 2011 ورد خبر يقول "استناداً الى مقرّبين من رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون(انذاك)، فإن وزيراً في الحكومة الحالية طلب منذ مدة قصيرة شراء لوحة سيارة رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون، التي تحمل الرقم 1000، بمبلغ وصل الى نحو 150 ألف دولار أميركي، لكن النائب الشوفي رفض العرض. وكان أحد رجال الأعمال الأردنيين قد عرض قبل مدة طويلة على النائب شمعون شراء إحدى البدلات البيضاء التي كان يرتديها الرئيس شمعون، مقابل مبلغ مالي كبير، إلا أن نجل الرئيس رفض أيضاً". وبعد عامين من هذا الخبر، أي العام 2013، قيل إن السيارة شاركت في معرض للسيارات الكلاسيكية في وسط بيروت إلى جانب سيارة "مرسيدس بنز" سوداء (1951) كان يقتنيها الرئيس الراحل بشارة الخوري ويملكها اليوم أنطوان حلو، وسيارة نسبت الى صائب سلام، وقيل حينها أن السيارة يمتلكها دوري شمعون.

 بالطبع، العودة الرمزية الى سيارة كميل شمعون الكلاسيكية، فيها ضرب من النوستالجيا والكيتش الآن. وما يمكن قوله إن الأولغارشيا التي كانت تمتلك "بنتلي" في الخمسينيات والستينيات، يوازيها الآن، أوليغارشيا تمتلك مصرفاً وطيارة خاصة ويرد اسمها ضمن لائحة "فوربس" لأصحاب المليارات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها