الخميس 2022/06/30

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

"وادي الفن" في العلا السعودية..الخروج من الغاليري إلى الصحراء

الخميس 2022/06/30
increase حجم الخط decrease
في أحد أشهر أعمال الفنان السعودي، أحمد ماطر، يتحوّل ظل مضخة وقود إلى رجل يمسك بمسدس ويصوّبه إلى رأسه، وذلك في انتقاد واضح للأثر الضار للنفط الذي تُعد بلاده أحد أكبر منتجيه ومصدريه في العالم. ولسنوات عديدة، لم تكن متاحة أمام معظم السعوديين رؤية هذه القطعة الفنية المسماة "تطور الإنسان"، إذ اعتبر القائمون على المعارض الفنية المحلية أنها تتناول موضوعاً "حسّاساً" للغاية في المملكة التي يعتمد اقتصادها بدرجة كبيرة على النفط.

ويؤشر عرض هذه القطعة في معرض نُظّم حديثاً في الرياض، على تغيير كبير في البلاد بحسب وكالة "فرانس برس". ومع سعي السلطة لتغيير صورتها المحافِظة، وجعلها وجهة فنية عالمية، يوفر المسؤولون فرصاً غير مسبوقة لماطر وأقرانه. وكُشف عن آخر هذه الفرص، عبر إعلان مشروع لإبراز أعمال ماطر، والفنانة السعودية منال الضويان، في سلسلة من التشكيلات الدائمة في الصحراء المفتوحة خارج العلا، وهي وجهة جذب سياحي جديدة في شمال غربي المدينة المنورة.

وقال ماطر لـ"فرانس برس" في معرضه في الرياض" "عادة ما أؤمن بإيجاد حركة ذات قاعدة شعبية تكون عضوية، لكن ماذا لو كان هناك دعم من أعلى إلى أسفل؟ هذا أفضل حتّى". وتابع: "هذا هو التغيير. هذا هو الأمر الجديد".

ويهدف مشروع "وادي الفن" في العلا لتغطية 65 كيلومتراً مربعاً في الصحاري السعودية بنماذج حديثة من "فن الأرض"، الحركة الفنية الساعية لإخراج الفن من ضيق المعارض إلى رحاب الطبيعة. ويندرج المشروع الجديد ضمن هدف أوسع لتحويل منطقة العلا، المشهورة بالمقابر الأثرية النبطية المنتشرة وسط جبال ووديان من الحجر الرملي، إلى مركز فني من الدرجة الأولى يتضمن منتجعات بيئية فاخرة ومسرحاً ضخماً مغطى بألواح عاكسة.

بالإضافة إلى ماطر والضويان، تتضمن لائحة المساهمين، أسماء معروفة في فن الأرض مثل الفنانة المجرية الأميركية أغنيس دينيس، التي زرعت في ثمانينيات القرن الماضي وحصدت ما يزيد عن ثمانية آلاف متر مربع من القمح على مقربة من مقر بورصة "وول ستريت" في نيويورك.

وقالت منظمة المعارض إيونا بلازويك، المنسقة السابقة لمعرض وايت تشابل في لندن، إن أعمال وادي الفن "على مستوى وطموح، وهناك رؤية من ورائها، أعتقد أن الناس سيرغبون في المجيء لأجيال عديدة لزيارتها". وأوضحت الفنانة الضويان لـ"فرانس برس" أنه، حتى وقت قريب، كانت أعمالها تنتشر خارج المملكة أكثر من داخلها، رغم رفضها فكرة أن للأمر علاقة بالرقابة. وقالت: "كنت أتحدث عن مواضيع صعبة للغاية عندما كانت الأمور مقيدة بشكل حقيقي هنا، وكانت أموري على ما يرام. نُشرت أعمالي في كل الصحف. لم أتعرض للرقابة مطلقاً". وتابعت: "أنظر للخلف وأفكر كيف حدث ذلك؟". وفي عملها تدعو الضويان تركيبتها المتاهة "واحة القصص"– المستوحاة من الجدران الطينية في مدينة العلا القديمة – للتجول والتيه في تمثال معماري يكرر المساحات القديمة للمستوطنات العربية. جدران تشبه متاهة الضويان ستشكل نقشاً مع التاريخ الشخصي والفولكلور الذي جمعته الفنانة مع مجتمع العلا.

كما تتميز أعمال أغنيس دينيس الفنية، كشخصية بارزة بين فناني الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي والرائدة في الفن البيئي، بجماليات ارتباطها بالعلم، الفلسفة، علم النفس، اللغويات، الشعر، التاريخ، الموسيقى والأفكار الاجتماعية والسياسية. ليستمر عملها في سلسلة مستمرة من الأهرامات الضخمة، من خلال الفحص الدقيق لخصائص الصخور إيقاظًا للأخاديد الصامتة، لخلق بيئة تحبس الأنفاس وتمثل الماضي، الحاضر والمستقبل للبشرية؛ من أجل استكشاف الحضارة، التقدم والإنجاز.

ويأتي تأثير مايكل هايزر، بإنتاج منحوتات كبيرة في الهواء الطلق وبعمله في الصخور والخرسانة والصلب الموجود خارج وداخل المتاحف والمعارض، فتثير أعمال الحفر التي تجري خارج البيئة، استجابات متفردة للأعمال الفنية من الناحية المعمارية. إذ يقوم، في وادي الفن، بإدخال نقوش خطية/منقوشة جديدة كليًا في صخور الحجر الرملي المرتبطة مباشرة بالجيولوجيا غير العادية للمنطقة والمتنوعة تفاصيل الحجر الرملي Quweira.

وأوضحت إيمان الحسين، العضو غير المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أنّ طبيعة الأعمال المرئية للفنانين تمنحهم مساحة أكبر للتعبير، مقارنة بما قد يتمتع به النشطاء السعوديون. وقالت إنّ "الفنانين قادرون على التعبير عن أنفسهم بحرية أكبر لأن أعمالهم الفنية يمكن تفسيرها بطرق مختلفة"، ويبدو هذا صحيحاً راهناً في السعودية، حيث تعتمد السلطات على الفنون للمساعدة على تغيير سمعتها المتشددة.

ولدى ماطر أيضاً تجارب إيجابية عموماً مع السلطات السعودية. وحالياً، يواصل عمله الفنيّ الذي يلامس السياسة، ويتضمن مشروعه لوادي الفن بناء أنفاق يمكن للزوار دخولها. يتكون العمل من نفَقَين يمتدان على مساحة كبيرة تحت الرمال وفي نقطة التقائهما مساحة، وهي بناء تحت سطح الأرض يفضل أن يسميه "مرايا القطع المكافئ"، قطره 37 متراً وارتفاعه 12 متراً. يستطيع الزائر التوقف فيه للنظر إلى أعلى حيث يرى انعكاسات و"هولوغرام" جبال العلا. وقال ماطر: "يتعلق النحت عادة بمعالم القوة"، وتابع "وما أتحدث عنه هنا هو: القوة هي الناس أنفسهم".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها