الثلاثاء 2022/06/28

آخر تحديث: 12:34 (بيروت)

معرض هدى بعلبكي... الجائحة تركت أثرها

الثلاثاء 2022/06/28
increase حجم الخط decrease
استرجعت هدى بعلبكي قواها من أجل إقامة معرضها، الذي أطلقت عليه عنوان: Journey of a Cosmic Citizen (رحلة مواطن كَونيّ). انتظرت فترة زمنية لا بأس بها قبل أن تقوم بهذه الخطوة. امتلكت القوة الكافية من أجل تنفيذ عدد كبير من الأعمال، لكن مسألة العرض تبدو معقّدة أحياناً. استوعبت صالة "غاليري أون 56"، حيث يُقام المعرض في الفترة الحالية، 27 لوحة من المقاسات الكبيرة، وما يربو على 60 بورتريه من مقاسات أصغر. هذا، علماً أنّ أعمالاً أخرى لم تتسع لها القاعة المذكورة، التي تجنّبت "حشر" اللوحات وتضييق المساحات بينها، كي توفّر للمتلقي الشروط الضرورية من أجل المعاينة المطلوبة.

قلنا إن هدى بعلبكي اشتغلت مطوّلاً على الأعمال المعروضة، كما على سواها التي لم تتوافر لها الفرصة للعرض، وربما ستشكّل مادة لعروض لاحقة. ساهمت ظروف غير مؤاتية في تأخير إقامة المعرض، وهدى ليست وحيدة في مواجهة هذه المعضلة التي عاناها فنانون كثر، وما زالوا يتحينون الفرصة من أجل إطلاعنا على أعمال لم تخرج من الفراغ، بل التصقت بواقع إستثنائي يعرفه الجميع. إذ، إضافة إلى الأزمة الإقتصادية التي لم تستثنِ أحداً، ولم تسلم من شرّها إلاّ قلّة نادرة، جاءت الجائحة لتصيب من تصيب، وتقيّد حركة من لم يقع بين براثنها. كوفيد-19 انحسر، وقد يعود إلينا بوجه جديد، في حين أن وباء آخر يُنسب إلى القرود صار على الأبواب. مادة أخرى للجدال وأنواع السخرية والطرائف والمناظرات التلفزيونية، في بلد تنهشه أنواع النحس منذ فترة غير قصيرة.

جائحة "كورونا" تركت أثراً في أكثر من مجال إبداعي. نفّذت هدى بعلبكي مجموعة من الأعمال على علاقة بالوباء وتداعياته، ومؤثراته على الصعيدَين الذاتي والموضوعي. هذا الأمر يُعتبر طبيعياً في حالات مماثلة، وذلك حين يتعرّض الفن التشكيلي لموضوعات الساعة، ويعالجها على طريقته. لكن صالة العرض فضّلت إستثناء تلك الأعمال، كَون تلك المرحلة قد مضت، إلى حد ما، وصار من الواجب البحث عن بعض التفاؤل، علّ النحس المذكور سلفاً يتراجع، ولو قليلاً. هكذا، توزعت أعمال الفنانة التي تتضمنها القاعة بين نوعين فنيين: المنظر الطبيعي والبورتريه. حظي النوعان بإهتمام الفنانة منذ شروعها في البحث عن درب تشكيلي خاص بها، وعملت على تضمين النوعين ما كان يعتريها من شعور وأحاسيس وتناقضات، كما اختطّت لنفسها أسلوباً خاصاً في تعاملها مع موضوع التشكيل. أسلوب ما زالت تعمل على تطويره، بعدما اتضحت معالمه، وتبلورت تقنياته.

إلى ذلك، ورغم أن المشهد الطبيعي والبورتريه يبدوان، بالنسبة للبعض، ليسا أكثر من إنطباع تصويري، أو إنعكاس لعالم موضوعي، فهما يشكلان، لدى هدى بعلبكي، محطة شبه دائمة من أجل سرد رؤى وتجارب وإستعارات، كانت تكدّست خلال زمن طويل، وأضيفت إليها وقائع حياة يومية مستجدّة ، كقصة الكورونا على سبيل المثل. إنطلاقاً من هذا المفهوم، يخرج النوعان، أي المنظر الطبيعي والبورتريه، عن إطارهما المعروف ومدلولاتهما المباشرة، ليصبحا مساحة تعبيرية ذات إشارات مختلفة، وليدخلا حيّز الرمز. وتنبغي الإشارة، إلى أن مصطلح الرمزية، الذي لا بد من العودة إلى أصوله، كان أتى من اليونانية، ويعني "الارتباط معاً" من أجل اقتراح عناصر متبادلة، وسلسلة من الأحاسيس المشتركة بين صور تبدو كثيرة التباعد، سعياً إلى إستكشاف الأكوان الخفية. لقد طوّرت بعلبكي جمالية تأخذ بعضاً من الإنطباع البصري، لكنها بعيدة من النهج الأكاديمي أو العلمي. علاوة على ذلك، ليس من الصعب أن نرصد لدى الفنانة عامل الفردية الحادة، وحتى العصابية، اللذين يُعتبران من خصائص الرمزية. 

في هذا السياق، قد يفقد تمثيل الأشياء أهميته، وتصبح معالجتها وتكوينها هي نتيجة رؤية ذاتية. لذا، تتحول لوحة الفنانة إلى مكان مناسب لتطوير علاقات جديدة مع النسب والمنظور، مستندة إلى إيقاعات وافرة، تقدّم في تصميم رسومي مصقول، حيث يعزز الضوء واللون صمت الأشكال وغموضها. وبالتالي، فإن نهج المناظر الطبيعية يعني استيعاب الحواس لما يكشفه لنا الواقع، أو يبيّنه لنا من خلال صور الشيء نفسه. وفي المعنى الفينومينولوجي لموضوعنا، يفكر المرء في انعكاسات لمقولات الفلاسفة: الفرنسيين موريس ميرلو بونتي (1908- 1961) ، وميكيل دوفرين (1910- 1995)، وجزئيًا الألماني- الأميركي إرفين ستراوس (1891- 1975). فالإدراك، في أعمال هدى بعلبكي، هو طريقة لإسقاط الذات على حقيقة معينة، أو تجميعها، وتمثيلها في المكان والزمان. لذلك فإن كل تصوّر مقصود ومؤسس في التجربة الجمالية يفضي إلى اعتبار المشهد الطبيعي فنًا بفضل امتداد الفعل المتعمّد وتكثيفه.

ويمكننا القول، نهاية، أنه في ما يتعلّق بجمالية المشهد الطبيعي، أكان في العمل الأدبي أو في العمل التصويري، هناك نوع من "الوهم" في التجسيد الواقعي الحميم للموضوع. إذ ما بين تعبير الفنان وإنطباع المتلقي، هناك سجل من المتغيّرات التي تتعلق بالمورفولوجيا، والبنية الجغرافية، والمجال العاطفي. إنها عملية دمج وإنعكاس منسجمة في العلاقة بين الذات والموضوع ، وبين الحس الداخلي والعامل الخارجي. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها