السبت 2022/06/25

آخر تحديث: 16:40 (بيروت)

"دفاتر لميا".. المرأة التي احتفظت باسمها

السبت 2022/06/25
increase حجم الخط decrease
عندما كانت المرأة، في الستينيات من القرن الماضي، تدافع من أجل نيل بعض حقوقها، وتقود موجة النسوية الثانية، كان بعض الآباء، هنا في لبنان، يقتادون بناتهم الى المدينة، ليعملن في بيوت الأغنياء في عمر الطفولة، من دون اعطائهم الحق في تقرير مصيرهن والحق في ان يذهبن المدرسة والبقاء الى جانب عائلاتهن بدلاً من التغرّب في المجهول.

مسرحية "دفاتر لميا"، تجسد قصة واحدة من هؤلاء اللواتي، قمعن تحت مظلة النظام الأبوي. "لميا" ابنة الثالثة عشرة، حرمت من المدرسة، وقرر والدها أن يأخذ من يدها الى بيت الست "نور"، إحدى غنيّات بيروت لتعمل "خادمة" لديها. ترعرت "لميا" وهي تنظر الى الحياة بعين "أطفال الست"، تتخيل ما قد تفعله لو كانت مكانهن ربما، هي أيضاً وقعت في الحب لكنها لم تنج أو تنتصر، تُركت ولم تعرف إن كانت الحرب هي السبب أم قدرها في أن تبقى خادمة الست نور حتى مماتها.

تبدأ المسرحية بدخول "شادي" ابن اخ "لميا" الى منزل العائلة حيث كانت تعمل الاخيرة قبل وفاتها، ليستلم أغراضها التي تركتها. فيدخل الى غرفتها، لتتجسد امامه روح عمته "لميا"، تبدأ بسرد ذكرياتها عليه، وتخبره عن حياتها وكيف عاشت وهي تدفن احلامها في منزل مشغليها، إلى أن توفيت فيه. قبل مغادرة شادي، تأتيه "الست نور" بدفاتر خاصة بـ"لميا"، كانت قد احتفظت بها ابنة "الست نور"، وعندما يقرر شادي اكتشاف المكتوب فيها يفاجأ برد فعل "لميا" التي بدت وكأنها تخفي سراً كبيراً داخل هذه الدفاتر. ليتضح بعد ذلك أن كل تلك الدفاتر تحتوي على اسمها فقط، خطّته على كافة صفحاته.

المسرحية لمخرجها شادي الهبر وكاتبها ديمتري ملكي، اللذين شكلا في العروض الأخيرة ثنائياً فنياً ناجحاً، وقد أدت دور "لميا" الممثلة ريما الحلبي، وجميل الحلو في دور "شادي" والى جانبه كل من مها أبو زيدان، وأنطوانيت الحلو التي كتبت وأدت أغنية المسرحية.

لعل أصل اللغة البشرية هو أحد الألغاز العظيمة للعلم في ما يخص التطور، إذ ظهرت اللغة منذ حوالى 100 ألف سنة. كان ذلك في وقت هجرة الإنسان من شرق إفريقيا إلى القارة الأوراسية. فيما بدأت تتكون أدوار ثابتة في مجتمع أكبر من الناس، كان على الانسان التوصل إلى طريقة لتمييز الأفراد، فبدأ في استخدام الأسماء. إن اسم الانسان يُمنح ولا يُكتسب مع الأيام، يولد معه في اللحظة التي يبصر النور فيها. "لميا" اسمها الذي فرض عليها ايضاً، كما فرضت حياتها، وتقرر مصيرها من قبل والدها. "لميا" المرأة الأمية كان في إمكانها أن تطلب المزيد، أن تكتب عما مرت به، ربما هكذا لم تكن تحتاج أن تظهر لابن اخيها بروحها، لكنها اكتفت بكتابة اسمها عشرات المرات. تركت لهم اسمها إرثاً يحمل بين حروفها سنوات من معاناة يورثها النظام الأبوي من جيل إلى جيل.

(*) عُرضت المسرحية لمدة أسبوع في مسرح مونو، ومفاجأة المسرحية كانت خروج المخرج شادي الهبر الى الناس في آخرها ليخرج من أحد أدراج "لميا" صورة لامرأة ويرفعها قائلاً: "لميا" هي عمتي نهاد الهبر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها