الجمعة 2022/06/24

آخر تحديث: 12:32 (بيروت)

هبة القوّاس لـ"المدن": خطّتي للكونسرفاتوار..من الكهرباء والرواتب إلى العالمية

الجمعة 2022/06/24
هبة القوّاس لـ"المدن": خطّتي للكونسرفاتوار..من الكهرباء والرواتب إلى العالمية
تعتبر القوّاس أن للمعهد جناحين، شرقي وغربي "نستعين بهما لنُحلّق"
increase حجم الخط decrease
شَعَرت بالخوف لحظة قرأت قرار تكليفها رئاسة المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفاتوار، فما ينتظرها لا يقع في إطار العادي. كانت خارج البلد المُنهمك بألف قصة وقصة عندما تناولت وسائل الإعلام المحليّة هذا الخبر الذي يُنذر بالخير، ويُمهّد، في الوقت عينه، للتحديات المقبلة من دون أدنى شك.

تضحك المؤلّفة الموسيقيّة والسوبرانو اللبنانيّة العالميّة، هبة القوّاس، وتقول لـ"المدن" حول فنجان قهوة في مقر المعهد في منطقة سن الفيل شرقي بيروت: "مهضومة الفكرة، أعلنوا التعيين وعملولي تاغ في تويتر". تُضيف قائلة: "أُصبت بالتوتر وشدّت عضلات معدتي". وكتبت فوراً رسالة لوزير الثقافة، القاضي محمد وسام المرتضى، مما جاء فيها "أشكرك على هذه الثقة، لكن لا بد أن أنقل إليك إحساسي. وبما أنك قاضٍ ستفهمني عندما أقول لك إنني تصرفت تماماً كالقضاة القُدامى الذين كانوا يبكون عندما يتم تعيينهم (في مناصب عليا). ولم يخفّ القلق إلا بعدما وضعتُ، في الليلة عينها، وبعدما أصبت بالأرق نظراً لكوني في مجلس الإدارة وأعرف الصعاب والمشكلات التي تواجه المؤسسات الرسميّة، إستراتيجيّة مزوّدة بالنقاط الواضحة ومدعومة بالعلاقات الجيدة. فهمتُ عندئذِ بأن التحديات لا تعني بأن الإستراتيجيّة التي سأعتمدها غير قابلة للتطبيق".

المهم بالنسبة إلى هبة قواس، التي تتحدث بهدوء ولا تغفل أي تفصيل في حياتها اليوميّة، أن تتسلّح بالإيمان، و"ألا يتزعزع اليقين، وأن نكون جميعاً يداً واحدة. وهذا أملي من الآخرين، أن يُدركوا بأن علينا أن نتقاسم هذا الحمل الكبير، هذه المسؤوليّة الشاهقة، إن كنا داخل المؤسسة أو خارجها". هذه المؤسسة، في نظرها، أشبه بالمركبة التي ستُسعفنا للقيام بقفزة نوعيّة، "لنصل إلى ما لا نهاية له في هذا الكون. ورغم كل الصعاب التي يعيشها لبنان، تبقى الموسيقى جسر العبور، الجسر اللامرئي. نعم الإستراتيجيّة قابلة للتطبيق وإن كانت المُهمّة صعبة".

الكهرباء والماء
أولويّات القواس ليست سهلة المنال، تستهلّها بالبديهيّات، كالكهرباء والماء وغيرها، للتمكّن في المرحلة الأولى من إستقبال الزوّار وتأمين فُسحة مُريحة للعاملين في المعهد. "أولويّاتنا بطبيعة الحال، الأساتذة والموسيقيّون والأوركسترات الـ2 والجهاز الإداري الذي يعيش أوضاعاً معيشيّة صعبة". ولمَن يقول لها أن هذه حال كل المؤسسات الرسميّة في لبنان، تُجيب: "الموسيقيّ نادر. والمطلوب منّا التعامل مع هذه النُدرة بمستواها الشاهق. الموسيقيّ أشبه بالماسة التي على الدهر أن يمر عليها لتُصقل".


ومن هذا المُنطلق، تقول، لا بد من حماية إضافية للموسيقيين، "وإلا فسنخسر الموسيقي اللبناني، تماماً كما خسرنا الموسيقي الأجنبي الذي ترك البلد، لا سيما أن الفُرص في الخارج كبيرة. كخطوة أولى نتكل على الدولة لتؤمّن لنا الموازنة التي نحتاج إليها، يليها التعاون مع المؤسسات الحكوميّة لنتبادل الخبرات. ولا ننسى التعاون العربي والدولي إنطلاقاً من قدرتنا على تقديم خبراتنا وخدماتنا ومناهجنا والأوركسترات". 

هَمُّ هبة القوّاس، "أن تصل الموسيقى إلى كافة المناطق اللبنانيّة، ولا أقصد فقط من ناحية التعليم الأكاديمي، بل أيضاً من خلال السمع والأوركسترات والفِرَق. وأن يعزف الطلاب في كل الأماكن، وفي الوقت عينه إنشاء برامج لتقدير الموسيقى تُسعفنا في الوصول إلى القُرى النائية والمُدن البعيدة، لنُقدم الموسيقى بطبيعة الحال، وأيضاً لنشرّح عمليّة العزف بدقّة"، وهذه تفاصيل تُقرّبنا جميعاً بضع خطوات من الأنغام التي تصقلنا، بعيداً من الموسيقى التجاريّة التي تجتاح الذوق، "في العالم كله وليس فقط في لبنان. وفي المقابل لدينا مُهمّة مع طلاب المدارس لنُساهم في جعلهم يتذوقون الموسيقى وإن لم يرغبوا في تعلّم عزفها".

وقبل أن تنطلق الإستراتيجيّة التي وضعتها القوّاس، "علينا أن نُريح العازف والأستاذ. لا يُمكننا أن نُرسل الأستاذ أو الطالب إلى مُختلف الأمكنة ليعمل ليلاً نهاراً في وقت ربما هو غير قادر أن يأكل ويشرب أو يتحرّك بسيّارته ويدفع فاتورة الإنترنت. الخطوات كثيرة والإستراتيجيّة كبيرة".

وقد انطلق التعاون مع الدول في مراحله الأولى من خلال الدبلوماسية الثقافية، "وإتصلت بالمغتربين والمهاجرين اللبنانيين. أريد أن يشعر، أينما كان في العالم، بأن هذه المؤسسة ملكه والمطلوب منا أن نعمل جميعاً من أجلها وإلا فلن نتمكّن من الإنتقال إلى مرحلة التنفيذ".

وترى القوّاس أن الموسيقى ليست من الكماليّات التي لا حاجة لنا بها اليوم: "ما يقتل الشعوب هو التعلّق بفكرة أن الثقافة من الكماليّات. الثقافة تبني. البلدان التي إنهارت في الحروب العالميّة وحينما كان الناس يقفون في الصف ليحصلوا على الخبز، لم توقف دعمها للإبداع والثقافة والموسيقى والرسم".

احتفالات
ويوم السبت 25 من الجاري، وعلى إمتداد لبنان، "سنحتفل وبمناسبة عيد الموسيقى بفروعنا الـ17 المُنتشرة في المناطق اللبنانيّة كافة، في الساحات والفسحات الخاصة في الوقت عينه. طلاب الكونسرفاتوار سيُساهمون في خلق تفاعل موسيقي يشمل المقطوعات العربية والعالميّة. سيعزفون ويتفاعلون مع المارة وكل من يقرر الحضور. مع الوقت نريد أن يشعر الطالب بأنه يدرس ليتقدّم ولأنه يستطيع الوصول إلى العالم. دورنا تحفيز الطالب ليعزف أمام الجمهور وليفهم أن مُشاركته في العزف الجماعي والإطلالة ضمن أوركسترا أو من خلال العزف المُنفرد، هو من العناصر التي تزوّده خبرة محوريّة ليتطوّر فلا يحصر نفسه داخل المنهج الدراسي".

وتعتبر القوّاس أن للمعهد جناحين، شرقي وغربي "نستعين بهما لنُحلّق. العالمي والشرق عربي. إذ نحن نُدرّس الموسيقى العالميّة بكل آلاتها وتفاصيلها وإختصاصاتها، كما نُدرّس الموسيقى الشرق عربيّة..ونأمل أن نذهب أيضاً أبعد من الشرق عربي. وفي الوقت عينه، لدينا الأوركسترا الفيلهارمونيّة اللبنانيّة، والأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق عربيّة. وفي حين كانت الأوركسترا الفيلهارمونيّة مؤلّفة من 120 عازفاً، تقلّص العدد بسبب سفر الأجانب. مع الإشارة إلى أن كُثراً منهم صمدوا حتى ما قبل الشهرين الماضيين، صمدوا رغم الوضع المؤلم الذي نعيشه. ونأمل في أن نُعيدهم جميعاً وأن نُعيد غيرهم ممن هاجروا، أكانوا خبراء في التعليم أم عازفين".

وتُريد القوّاس أن تُعزّز التواصل مع التُراث غير المادي. وبالإضافة إلى الأوركسترا التي تُعنى بالموسيقى الشرق عربيّة وتعتني بالموسيقى العربيّة، لكن بشكل مؤسلب وموزّع وبشكل مُعاصر، "لدينا توجّهات عديدة لتعتني الأوركسترات بشكل خاص بالمؤلّف اللبناني. فيحضر في كل الحفلات. أضف إليه المؤلّف العربي والمؤلّف المُعاصر بشكل عام حول العالم".

وتُضيف: "من واجبنا أن ندعو قائد الأوركسترا اللبناني، أينما وُجد في العالم، ليزورنا ويتواصل معنا. مع العلم أنني أؤمن بأن الموسيقيّ لا يُمكن أن ينحصر في مكان واحد، لكن من الضروري أن تكون له ركيزة. وقد بدأتُ بدعوة بعض مُطربي الأوبرا المُنتشرين في العالم. لا أعني هنا أن يعودوا إلى البلد بشكل نهائي، لأنني، كما أكدتُ سابقاً، أفهم جيداً ضرورة أن يجوب الموسيقيون العالم".

صحيح أن دور الكونسرفاتوار قد لا يتضمن إطلاق المواهب المُستحقة إلى العالميّة، بيد أن القوّاس تُريد أن تُساعد الطاقات الواعدة ليكون لها حضورها العالمي الذي تستحقه..."دور الأوركسترات أن تُساهم في التبادل الثقافي على المستوى العالمي. وهدفي أن تُصبح الأوركسترات في المعهد أشبه بسفيرة للبنان حول العالم من خلال تقديم الوجه الحضاري للبلد. على إعتبار أن الأوركسترات في المعهد لم تُشارك في جولات عالميّة بعد. وحان الوقت لتبديل هذا الواقع".

وستستعين القوّاس بمواقع التواصل الإجتماعي لتبرز الصورة الحضاريّة والمُشعّة التي تُريدها للكونسرفاتوار وتؤمن بأنها حقيقيّة، لكنها تحتاج إلى من يُسلّط الضوء عليها، وذلك من خلال إنشاء صفحات وحسابات زاهية ومُشوّقة في إطلالتها ومضمونها.

لكنها مُصرّة في المرحلة الأولى على إعادة البحث في رواتب العاملين في الكونسرفاتوار، "عندما وصلني ملف الرواتب، في لحظة معينة، بكيت. ولا أنام ليلاً لأنني أعتبر أنهم جميعاً في رقبتي".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها