الجمعة 2022/06/24

آخر تحديث: 12:42 (بيروت)

رحيل عبد الرحيم أبو حسين... التمرد على التاريخ التقليدي

الجمعة 2022/06/24
رحيل عبد الرحيم أبو حسين... التمرد على التاريخ التقليدي
increase حجم الخط decrease
رحل عبد الرحيم أبو حسين(1951-2022)، الإنسان الخلوق والمؤرخ "المتمرد" على التاريخ التقليدي، والأستاذ في دائرة التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت، وهوالمتأثر بالمؤرخ الراحل كمال الصليبي، والضليع في دراسة تاريخ دروز لبنان، ومفكك أسطورة الأمير فخر الدين وتشعباتها وعوالمها الايديولوجية، انطلاقاً من اعتبار لبنان "جماعات متخيّلة". ويُشهد للراحل بتعمّقه في أرشيف الإمبراطورية العثمانية، وتحديدًا في القرنين السادس والسابع عشر، لكن هذا التخصّص لم يمنعه من الولوج أحيانًا إلى القرن التاسع عشر، وإلى حقبات مختلفة من قرون أخرى، وبإزاء هذا منحته "الجمعية التاريخية التركية" العام 2013 العضوية الفخرية لإسهاماته في حقل الدراسات العثمانية.

من أعماله "الكنائس العربية في السجل الكنسي العـثماني، 1869-1922 "، "السجلات العثمانية لغير المسلمين في الولايات العربية، بين المركز والأطراف حوران في الوثائق العثمانية، 1842-1918"، "كمال الصليبي، الإنسان والمؤرخ، 1929-2011، "لبنان والإمارة الدرزية في العهد العثماني، وثائق دفتر المهمة، 1546-1711"، يحتوي هذا الكتاب على الترجمة العربية للوثائق العثمانية (أموري مهمة دفتري)، أو سجل الأعمال العامة، التي تتعلق بتاريخ لبنان -أو بالأحرى تاريخ أجزاء سوريا العثمانية التي كونت لبنان في ما بعد- في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

وهذه الفترة من تاريخ لبنان، لم تلق حتى الآن إلا القليل من الاهتمام على الصعيد العلمي، وذلك بسبب أن التوثيق المحلي نادر جداً وفي معظم الأحوال غير موجود. هذا التوثيق يقدم الموقف الرسمي والتعليمات الحكومية التي تتحدث عن أحداث ومشاكل معاصرة لتلك الفترة وفي أماكن معينة. إن هذا الموقف الرسمي والتعليمات الصادرة عن الدولة العثمانية المركزية في اسطنبول إلى حكم محليين وموظفين مدنيين أو عسكريين، كثيراً ما تكون غامضة ولا تنبئ بذاتها عن قصص كاملة. وبما أنها صدرت لأهداف إدارية خالصة، كما سيتبين لاحقاً، فإنها في أكثر الأحيان تكون مقتضبة ومتقطعة، تتكلم عن دقائق الأمور متجاهلة الإطار التاريخي الأشمل. ومع ذلك، فإن هذه الوثائق مجموعة في جملتها تشكل كماً مصدرياً مهماً من شأنه أن يجعل عملية إعادة بناء الخطوط العريضة لتاريخ لبنان في العصر العثماني الأول قابلة للتحقيق، بشكل جزئي على الأقل.

وفي آخر أعماله، تحت بعنوان "صناعة الأسطورة، حكاية التمرّد الطويل في جبل لبنان"(دار الساقي)، يقدّم أبو حسين قراءة خاصّة عن كيفيّة تشكّل لبنان، مستنداً إلى مصادر لم يسبق استعمالها من قبل، لا سيّما مواد الأرشيف العثمانيّ. ينطلق من لازمة أن التّاريخ إحدى القضايا الأساسيّة التي لا يتّفق عليها المؤرّخون اللبنانيون، أو اللبنانيون بصورة عامة. فالتاريخ صراع وأوجه وسؤال ووجهة نظر وأيديولوجيات وتيارات وسرديات. ويتمحور الكتاب حول "التمرّد" الذي صنع لبنان الكبير، على مدى أربعة قرون في مقاومة العثمانيين. هذا التمرّد الذي غيّبته المصادر التقليدية اللبنانية. ويستند أبو حسين في انطلاقته، الى المؤرخ كمال الصّليبي الذي يشرح كيف أثّرت القراءات المختلفة للماضي في أقوال القادة اللبنانيين وأفعالهم، وذلك في فصل عنونه "الحرب على تاريخ لبنان" من كتابه "بيت بمنازل كثيرة". كما يشرح أبو حسين في هذا الكتاب كيف أنّ اللبنانيين خاضوا الحرب الأهليّة الأخيرة (1975-1990)، في حقيقة الأمر، حول التاريخ بمقدار ما كانت تلك الحرب لتنظيم تقاسم السّلطة بين مختلف الجماعات الدينيّة والسّياسية والأحزاب في البلد.

ينتقد الكاتب، التاريخ التقليدي اللبناني، وبالأخص المكتوب من قِبل البطريرك الدويهي باعتباره غير حيادي ومُقرّب من المعنيّين وأنه كان يبرئهم من تهمة التمرد؛ ووصل الأمر به إلى تجاهل الكثير من الحقائق حتى لا يكشف السبب الحقيقي لهجمات العثمانيين ضد المعنيين، وليصل الى حقيقة مزيفة تعتبر السلالة المعنية "رعايا أبرياء مخلصين". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها