الخميس 2022/06/16

آخر تحديث: 14:18 (بيروت)

وصف القاهرة سينمائياً: المدينة من الازدهار إلى الانفجار (1-2)

الخميس 2022/06/16
increase حجم الخط decrease
ماذا لو اختفت مدينة ما، نيويورك أو لوس أنجليس مثلاً، ولم يتبق منها سوى ما ظهر في شرائط الأفلام. فما التاريخ الذي يمكن كتابته لو أعدنا تخييل المدينة وفق هذه الأفلام فقط؟ سؤال طرحه نزار الصياد، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا على طلابه بالفعل، ليس في أحد معاهد السينما لكن في محاضرة لتدريس العمارة والتاريخ العمراني! قدم الصياد، أستاذ العمارة والتخطيط، وفق هذه الفكرة محاضرات عديدة أيضاً، حاول خلالها سرد تاريخ الحداثة لعدد من مدن العالم في أوروبا وأميركا، مستخدماً الأفلام كمرجع رئيسي وكوسيلة ربما غير مسبوقة للتحقيق والتحليل، ثم تطور اهتمامه بالفكرة وبدأت أخرى بالتخمر في ذهنه مفادها أن الفراغات المتخيّلة سينمائياً لا تمثل الواقع فقط، بل تتحول أيضاً إلى أدوات لخلق وتدعيم المدينة الحقيقية. أسفرت الفكرة عن كتابة المنشور بالإنكليزية "المدن السينمائية: تاريخ الحداثة من المصور إلى الواقع" الذي أصبح مرجعاً للمهتمين بالعلاقة بين المدينة والسينما، وبين الواقع والخيال بشكل عام.

وبسبب الاهتمام الذي حظى به الكتاب في القاهرة، رغم أن موضوعه لم يتضمن أي مدن عربية، كوَّنَ الصياد ومجموعة من الباحثين والمعماريين ومؤرخي الفن والأدب، مجموعة عمل "القاهرة السينمائية" العام 2018، امتد عملها لمدة عامين مستلهمة فكرة الكتاب نفسها، وخلال تلك الفترة تمكنوا من توضيح الفترات الزمنية والموضوعات والأفلام التي تصور تحولات الحداثة في مصر والقاهرة بصفة خاصة، وكان نتاج ذلك كتاب "القاهرة السينمائية: عن المدينة والحداثة ما بين الصورة والواقع" الذي صدر مؤخراً عن دار "المرايا"، تأليف نزار الصياد وهبة صفي الدين.

يستند الكتاب إلى قناعات كتابه بأنه في عصر العولمة الحالي وتقنيات التواصل الاجتماعي المستمرة في التوسع السريع، لم يعد من الممكن فهم المدينة وعمرانها وتجربتها الحضرية، بعيداً من تأثير وسائل الاتصال الاجتماعي والوسائط الافتراضية، وبشكل أكثر تحديداً السينما، لذا يستخدم الكتاب الشريط السينمائي كأداة للرصد والتحليل والربط بين المشهد المكاني في المدينة المادية والمدينة المتخيلة أو المصورة.

لكن الصياد يوضح أيضاً أنّ الكتاب ليس عن تاريخ الأفلام المصرية وظهور القاهرة فيها، بل يستعمل الأفلام "كمادة خام لرواية التاريخ البديل للقاهرة المتخيلة". لكن واقع الحال أن ذلك التاريخ المتخيل لا ينفصل كثيراً عن تاريخ المدينة الحقيقي، إذ يناقش الكتاب، من خلال تحليل عميق للأفلام، التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للقاهرة، وكيف تناولتها السينما، إضافة إلى استخدام السينما نفسها بعد ذلك لإحداث تغييرات اجتماعية وتمرير آراء وتوجهات سياسية أو رسم صورة اجتماعية موجودة أو حتى غير موجودة في بعض الأحيان. لذا يمكن القول إن الكتاب في المجمل استفاد كثيراً من التوجهات المتعددة والخبرات المتراكمة لكتابه في مجال العمارة والتخطيط والفن والأدب ليقدم وصفاً تفصيلياً دقيقاً للقاهرة في مراحل مهمة من تاريخها الممتد، مستنداً على فهم العلاقة بين الواقع والصورة لرسم خريطة تحول المدينة إلى الحداثة الحضارية، متتبعاً تطورها العمراني والاجتماعي حتى لحظة الانفجار العام 2011.

مدينة سينمائية
تتفق معظم أبحاث الكتاب على أن القاهرة، كانت من أوائل المدن التي شهدت عرض الشرائط المصورة كنشاط ترفيهي، بل إنها نفسها كانت محوراً لتلك الشرائط مع ظهور التصوير السينمائي على أيدي الأخوين لوميير اللذين قدما أفلاماً وثائقية قصيرة عن القاهرة كجزء من أعمالهما الأولى العام 1897، لكن البداية الحقيقية للصناعة كانت في الثلاثينيات تقريباً وهي الفترة التي شهدت "ازدهار السينما في مصر" كما يقول أمير سعد في بحثه "القاهرة البورجوازية 1930" والذي يقسم فيه المدينة وقتها إلى مدينتين متناقضتين: المدينة العربية التقليدية القديمة بالأحياء الشرقية، والمدينة الأوروبية الحديثة بالأحياء الغربية. ففي حين كانت المدينة العربية موئل المجتمعات المحلية العربية، كان أغلب قاطني المدينة الحديثة من الأوروبيين المسؤولين الحكوميين أو مستثمرين في الأعمال الخاصة، حيث كانت المدينة الحديثة مقراً للأعمال الاستثمارية الكبيرة وموطناً للبورجوازيين وأثرياء المجتمع، لذا انتشر فيها العمران المستوحى من الطرز الأوروبية حتى "تشابهت شوارعها مع مدن كباريس وبرشلونة".

في حين بقيت القاهرة العربية القديمة على حالها، خصوصاً أن الأعمال التجارية الصغيرة فيها كانت تخدم أحياءها فقط، وبرأس مال محدود. لكن، وكما يرصد الكتاب، مع توغل سمات الحداثة تدريجياً في أروقة المدينة، فرض على قاطنيها جميعاً التأقلم مع التغييرات الجارية حتى يتمكنوا من ممارسة حياتهم في المدينة، بالتالي "ظهرت صناعة السينما كإحدى صور الاستجابة لمتطلبات الترفيه المستحدثة بعدما أصبحت الأنشطة الترفيهية أحد احتياجات المجتمع الأساسية". لكن الأمر لم يتوقف عند حدود الترفيه، بل كان شكلاً من أشكال التحرر، إذ تزامن مع صحوة الحركة الوطنية لمقاومة الاستعمار، وحظيت الأفلام بكثير من الاهتمام لما جسدته من واقعية كفاح المجتمع مع المتغيرات التي تطرأ عليه، وهو ما شجع أفراد النخبة الليبرالية مثل طلعت حرب على إنشاء أول الاستوديوهات المصرية للإنتاج السينمائي في الفترة نفسها، وبهذا اعتبر هذا النشاط الترفيهي في الظاهر "إحدى جبهات الحركة الوطنية لتقليص نفوذ الاستعمار ومقاومته" وهي الظروف التي اجتمعت معاً لتهيئة مستقبل ناجح لتلك الصناعة الناشئة.

يحلل مؤلف الفصل ثلاثة أفلام من إنتاج تلك الفترة المبكرة وهي "الوردة البيضاء" (1933)، و"ياقوت" (1934)، و"العزيمة" (1939)، مؤكداً أنها مثلت معا قاهرة الثلاثينيات بمختلف الأجزاء العمرانية للمدينة بشكل أوسع مما فعلت الأدبيات التي ركزت على التمايز القطبي بين الأحياء، مشيراً في الوقت نفسه إلى مفهوم الحداثة وما له من تأثير عميق في القصة وتطور الشخصيات في الأفلام المختارة، حيث كان الاختلاف الطبقي عنصراً بارزاً في الحياة اليومية للقاهريين، وخلقت الممارسات والمؤسسات الحديثة في القاهرة فرصاً لتحدي التكوين الاجتماعي القائم للمجتمع. مناقشة الرؤى التقليدية كانت هي الخط الأساسي في الأفلام الثلاثة، حيث تعرض الفرص والتحديات التي تفرضها الحداثة، فيتحدى فيلم "الوردة البيضاء" التصور الشائع وقتها عن استحالة حدوث حراك/ارتقاء للطبقة الوسطى في الهرم الاجتماعي، في المقابل يشيد "ياقوت" بالشرق التقليدي لروحانيته وبساطته بالمقارنة مع مادية الغرب الحديث، ويظهر التضاد بين التقليد والحداثة، أما "العزيمة" فيمثل الانغماس التام في المجتمع التقليدي، وتتفق الأفلام الثلاثة في أن الالتحاق بالأعمال الحديثة لم يكن دائماً وسيلة لتحسين المستوى الاجتماعي للفرد.

يحلل المؤلف أيضاً المدينة السينمائية مقارنة بالكتابات التي صورتها في زمن الأفلام الثلاثة، حيث يقول إنها معاً غطت مختلف الأحياء السكنية التي وصفت القاهرة، تظهر فيها المدينة التقليدية والحديثة. فالقاهرة في فيلم "الوردة البيضاء" مدينة حديثة بالكامل، حيث يمكن رؤية "الترام" مثلاً في مشاهد قصيرة حتى ولو لم يستقله البطل مطلقاً، وبشكل عام تُظهر المَشاهد الشوارع الواسعة وأرصفة المشاة، حيث يعمل جلال/البطل كموظف في فيلا الباشا في القاهرة الحديثة، ورغم أن تلك الفيلا تستضيف أغلب مشاهد الفيلم فإن المؤلف لا يغفل عن تحليل المشاهد القصيرة التي تظهر فيها العمارة الداخلية لشقة البطل في حي عابدين المتاخم للقاهرة القديمة، مشيراً إلى أنها تتطابق مع الدراسات التي أشارت إلى ميل الطبقة الوسطى في تلك الفترة إلى استعارة الأذواق الأوروبية عند تأثيث منازلها. أما الفيلا نفسها فنجد أن الطابع الأوروبي هو المسيطر على كل جوانبها، ويظهر طابعها الكلاسيكي بسخاء، وفي حين يمكن القول إن التركيز على الفيلا وإظهار مداخلها ومخارجها والإشارة إلى أن أحد جوانبها متاخم للنيل هو احتفاء بجمالياتها والتأكيد على وقوعها في أحد الأحياء الثرية في القاهرة، إلا أن المؤلف يشير هنا إلى ملمح آخر فيقول: "بالنسبة للمشاهد الذي ليس على دراية بالقاهرة، فلن يدرك وجود المدينة العربية القديمة" في إشارة إلى ما يمثله ذلك الحجب الذي قد يكون معتمداً على الذاكرة البصرية للمدينة لمن لا يعرفها.

في المقابل يقول إن القاهرة في فيلم "ياقوت" ظهرت فقط في شكل المدينة العربية في جميع المشاهد العمرانية تقريباً، حيث هيمنت المآذن والعمارة الإسلامية القديمة على جميع المشاهد، وظهرت المحال والشوارع الضيقة، وكما حدث مع "الوردة البيضاء" فإن المشاهد الذي لا يعرف المدينة جيداً "سيرى القاهرة كمدينة عربية قديمة ذات مجتمع تقليدي" وربما يكون هو أحد أغراض الفيلم الذي يضع أمام المشاهد مقارنة بين الحداثة والتقليدية.

في حين جمع "العزيمة" بين المدينتين، مع التركيز بشكل أكبر قليلاً على القاهرة الحديثة، حيث تتبدى في صورتها النمطية كمكان للأثرياء والأعمال الحديثة والترفيه، وفي الوقت نفسه يقدم الفيلم "تغطية سخية" لحي يعكس معظم التحولات في مدينة الطبقة الوسطى "فالمباني ذات طابع أوروبي، وتحتل الأنشطة التجارية وورش العمل الطوابق الأرضية، والمباني عبارة عن منازل سكنية من وحدات صغيرة ونوافذ وشرفات صغيرة وأدوار متكررة، وظهرت العشش على أسطح المنازل". يرجع المؤلف هذا التمازج إلى احتمالية التصوير الفعلي في القاهرة "مما قدم مرجعاً غنياً لتكوين مشاهد الفيلم".

إجمالاً يقول المؤلف إن هناك قوتين تشكلان المكان في منظور أفراد الطبقة الوسطى التي تركز عليها أفلام تلك المرحلة، هما: التطلع إلى الحداثة، ومراعاة التقاليد، وتختلف مشاركة المكان في هذه العلمية باختلاف قصة كل فيلم، وبشكل عام فإن الفراغات المختلفة التي تقدمها أحداث الأفلام الثلاثة تصور العديد من أماكن أفراد الطبقة الوسطى، وكذلك التحول الذي حدث لهم في بعض الحالات، ليخلص إلى أن القاهرة الحديثة "كانت بالنسبة للنخب هي موطنهم، ولكن بالنسبة للطبقة الوسطى كانت المكان المناسب لتحقيق الحراك الاجتماعي".

التحولات.. قاهرة نجيب محفوظ
يقول نزار الصياد إنه ربما لم يعبر أي كاتب مصري عن المدينة في تذبذبها بين الأصالة والتغيير، وبين التراث والحداثة، كما عبر عنها نجيب محفوظ. لذلك خصص له فصلاً كاملاً من فصول الكتاب، خصوصاً أن القاهرة كانت نقطة مركزية في أعماله "ليس فقط كإطار للسرد الروائي، ولكن كموضوع للروايات نفسها" حيث كانت القاهرة بالنسبة لنجيب محفوظ أكبر من مجرد بطل "أحياناً البطل، وأحياناً الضحية، ولكن في أغلب الأحيان ظلت الشاهد الصامت على الأحداث، والفضاء غير المتفاعل مع ثقافة وعمران في تغير وتحول دائمين".

يتتبع نزار الصياد ومحمد سلامة في الفصل المعنون بـ"قاهرة نجيب محفوظ السينمائية" تحولات القاهرة خلال القرن العشرين كما ظهرت في مجموعة من الأفلام المقتبسة عن أعمال محفوظ، تبدأ بالثلاثية: "بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية" ويوثق فيها للفترة ما بين 1919 وحتى أواخر الأربعينيات، أما المجموعة الأخرى فهي "القاهرة 30" (1966) و"زقاق المدق" (1963) و"ثرثرة فوق النيل" (1971) حيث يتتبع ملامح القاهرة في عهد الملكية الفاسد، ثم يستعرض حياً شعبياً في الأربعينيات، وأخيراً انحطاط الأوضاع وتقوقع الطبقة المثقفة في الستينيات.

في المجموعة الأولى، يلتقط محفوظ، حسب تأويل الصياد وسلامة، إحدى لحظات التغيير في المدينة القديمة في أوائل القرن العشرين، حيث شجع نمو الأحياء الجديدة خارج قلب القاهرة القديمة العائلات الثرية والنخبة، على الانتقال إلى ضواحٍ جديدة مثل مصر الجديدة، راصداً ما أدى إليه ذلك النزوح من تغير في نمط الإسكان وفي التركيبة الاجتماعية للمدينة ككل. كما ساعد اختيار المخرج حسن الإمام، التصوير في بعض أجزاء المدينة الحقيقية، على إكساب مزيد من العمق للسرد السينمائي، "مع تكاثر أفراد العائلة في الأفلام للاحقة، أظهر الإمام ببراعة التحولات الحضرية والعمرانية داخل القاهرة القديمة. وهكذا تظهر القاهرة الحديثة رويداً خلال مسار الأفلام بلقطات مثل جامعة القاهرة، الشوارع ومدرسة البنات الثانوية، والعمارات ذات الطرز الأجنبية"، ومع تطور الأحداث تطورت المدينة أيضاً، واتسعت الرؤية لتُظهر الأفلام في النهاية "كيف أزيحت الفراغات التقليدية القديمة حثيثا في القاهرة المتغيرة".

يمكن ببساطة أيضاً ملاحظة كيف طغى تحليل السرد المحفوظي على فكرة الكتاب المرتكزة على الوصف السينمائي في هذا الفصل، خصوصاً مع إيمان الصياد بمحفوظ كـ"جغرافي القاهرة الإسلامية والمصور الروائي للقاهرة الحديثة" الذي تلتقط رواياته بسلاسة النبض المتسارع لشوارع المدينة الحديثة، بالإضافة إلى تداعي القاهرة القديمة، والأهم رصد محفوظ لـ"النفس المصرية الحديثة في تأرجحها بين التقليد والحداثة، تأرجحها بين المكسب المادي والوفاء الروحي، وبين العمل والفكر، وبين بيوت الدعارة وبيوت العبادة" حيث يتوسع في شخصياته ليقدم طيفاً واسعاً من المجتمع، فنتعرف "ليس فقط على الصوفي والزاهد، لكن أيضاً على الفاسق واليائس، والباحث والخاسر، والمتكبر والمنتقص من الذات، والصالح والشرير، كلهم يأتون ويذهبون في مدينة الألف مئذنة".

لذا يرى المؤلفان أنه كان من المنطقي أن تنجح السينما المعتمدة على نصوص محفوظ في تصوير التحولات الرئيسية للعمران في القاهرة، كما تنقل تلك التحولات المرئية التي تحدث في المنازل والمباني والشوارع والأحياء القديمة والجديدة تعدد الهويات المصرية. ويمكن من خلالها قراءة التاريخ السياسي والاجتماعي وحتى مزاج القاهرة في لحظة تحول كبرى، حيث تظهر مصر في أفلام المجموعة الأولى وهى تكافح الاستعمار وتسعى للاستقلال، وفي المجموعة الثانية تظهر ملامح من نهايات عهد الملكية الفاسد ثم عهد الجمهورية.. "القاهرة هنا مدينة مؤسسات وإن كانت فاسدة يسكنها الكتّاب والمثقفون، ويحكمها الباشوات الأثرياء أو ذوو السلطة"، وهي أيضاً مدينة حديثة كما تظهر في عمارتها وملامح شوارعها، يتكون معظم أفرادها من أشخاص يريدون تسلق السلم الاجتماعي بغض النظر عن الثمن المدفوع.

هوية مصر
الفترة التي انتقلت فيها القاهرة من الملكية إلى الجمهورية، بين المدينة الحديثة والأحدث، يقدمها نزار الصياد ودعاء الأمير، عبر تحليل فيلمين هما "لو كنت غني" (1942) و"القلب له أحكام" (1956) وهما يسمحان بدراسة وفحص العديد من جوانب تحول المدينة، وطريقة تمثيلها السينمائي، فمن خلال تحليل لعناصر الفيلمين يظهر كيف أدت ثورة 1952 إلى التعجيل بالمواجهة بين الطبقات المصرية، حيث يظهر الفيلم الأول التناقض الكامن في مصر قبل الثورة والتطلع إلى الحداثة لكن تحت تأثير النفوذ الاستعماري، ويظهر الثاني كيف كانت المواجهة بين الطبقات في الخمسينيات والتي أدت في النهاية إلى إزاحة أنماط العلاقات الاجتماعية التي كانت تتوافق سابقاً مع التسلسل الهرمي التقليدي، حيث يكشف اللقاء بين عائلات الزمالك في "لو كنت غني" والعمال الفقراء في بولاق عن طبيعة الحداثة القاهرية الناشئة في منتصف القرن العشرين. ويشير المؤلفان هنا إلى ما قاله جلال أمين من قبل عن هوس الأفلام المصرية في تلك الفترة بمشكلة الازدواجية الاجتماعية والتباين الشديد بين الثروة والفقر "لكن الرسالة من الفيلمين هي أن القاهرة تمثل الهوية الحقيقية لمصر وهي هوية لا ترفض الحداثة. إنها بالأحرى هوية تتبنى الحداثة مع الحفاظ على دور متقطع يراعي التقاليد".

يلفت المؤلفان إلى ملمح إخراجي مهم في الفيلمين حيث يصور فيلم "لو كنت غني" الكوبري أو الجسر على أنه رابط مادي وليس فاصلاً اجتماعياً، على الأقل بالنسبة للأغنياء الذين يمكنهم العبور إلى بولاق ومعاينة الفقر. في حين يظهر الجسر في فيلم "القلب له أحكام" على النقيض من ذلك كوصلة مادية وفاصل اجتماعي، وهو طريق ذو اتجاه واحد من الفقر إلى الثروة، هذا إذا تمكن سكان بولاق من عبوره".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها