الأحد 2022/06/12

آخر تحديث: 15:19 (بيروت)

بيروت ازدادت إفلاساً

الأحد 2022/06/12
بيروت ازدادت إفلاساً
increase حجم الخط decrease
بعدَ غيبةٍ طالت ثمانيةَ أشهرٍ أمضَيْتُها في قارّةٍ أخرى بعيدةٍ، أتفقّدُ اليومَ حيّ الحَمْرا البيروتيّّ الذي أقيم فيه من عقودٍ وطالَما حسبتُ نفسي مختاراً له غيرَ منتخَب…

معَ أنّ اليومَ الأحَد، أمكَنَ أن ألاحظ الزيادةَ المحسوسةَ في عدَدِ المحَلّات البائدةِ أي تلكَ المقفلة بلا أمَلٍ في غدٍ أو بعدِ غد… وهي تُعْرَف بالفراغِ المستتبِّ خلفَ زجاجِ الواجهاتِ الوسخِ أو بنَزعِ اللافتةِ التي كانت تسمّي المحلَّ ولو كان الستارُ الحديديّ صفيقاً يحجبُ الخواءَ الذي يليه. 
بينَ من قضى نحبَهُ أحصيتُ فرعَ المصرفِ الذي أتردّدُ عليه من نحوِ أربعينَ سنةً وفيه ترقْدُ وديعتي (مبدئيّاً) وقد أخَذْتُ إعتادُ استيداعَها رحمةَ اللهِ الواسعة. لا يأسفُ واحِدُنا، في هذه الأيّامِ، على فرعٍ مصرفيٍّ ولّى ولكنّني حزنتُ لفراقِ وجوهٍ ألِفتُها في هذا الفرعِ ولا أعرفُ ما صارت إليه... 

معنى هذا كلّهِ أنّ العاصمةَ ازدادت إفلاساً وهو ما لا يعوّضُه ما يفدُ من المغتَرباتِ من أموالٍ مهما كثًرت وأسعَفَت في ملءِ المطاعِمِ الفخمةِ وفي سَدّ رمقِ معوزينّ كثيرينَ بعدَ أن تحوّلنا إلى مجتمعٍ يُعالُ ولا يعيلُ بنيه. فهذه الأموالُ تُبَدّدُها حاجاتُ كلّ يومٍ ولا يستقرُّ منها شيءٌ تقريباً في استِثْمارٍ أيّاً يَكُن. من سيعيدُ فتحَ محلٍّ انهارَ في حيّنا هذا مثلاً؟ قد يُستَجَدُّ أحَدُهم وقد ارتَجَلَ نفسَهُ صرّافاً مُتَمرّناً إذ هذه حرفةٌ تغري باعتمادِها النكبةُ الجارية ولكنّ صاحبَنا هذا سيكونُ خادماً آخرَ للإفلاسِ المتفاقمِ ونقطةً في بحره.

قَبْل أعوامٍ عدّةٍ، كنتُ أحصي - بصفتي مختاراً! - محلّاتٍ كثيرةً في الحيّ راحت تغادرُ بيعَ الألبسةِ والأحذية إلى بيعِ الطعام والشراب. رأيتُ في هذا نذيرَ شؤمٍ إذ هو نوعٌ من اللجوءِ الإجماليِّ إلى ما هو يوميّ يتعذّرُ تأجيلُه بعدَ مغادرةِ ما يسعُ المستهلِكَ التباطؤُ في اقتنائهِ والتقليلُ منهُ أي ما يصحّ اعتبارُ رواجهِ علامةَ بحبوحة.

اليومَ أعاينُ الشؤمَ وقد استشرى ولا أراهُ إلًا سيزدادُ طغياناً بلا حَدٍّ معلوم…

(*) مدونة نشرها الباحث والمؤرخ أحمد بيضون في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها