السبت 2022/05/07

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

"غونكور" أميركية:لماذا تحتاج جائزة ل 25 نسخة؟

السبت 2022/05/07
"غونكور" أميركية:لماذا تحتاج جائزة ل 25 نسخة؟
آن بيريست
increase حجم الخط decrease
من نيويورك أعلنت أكاديمية غونكور عن فوز رواية "بطاقة بريد" للكاتبة والممثلة الفرنسية، آن بيريست بجائزة "خيار غونكور" في نسختها الأميركية الأولى. وكانت الرواية محور جدل عند إعلان نتائج الغونكور الأصلية العام الماضي، فكامي لورنس العضو في لجنة الجائزة، كتبت عنها نقداً لاذعاً بينما كان شريكها فرنسوا نودلمان يتنافس على الجائزة برواية تتناول الموضوع نفسه، وهو الهولوكوست.


بطريقة أو بأخرى، بدت النسخة الأميركية كمراجعة متأخرة لقرار لجنة الجائزة الأصلية، أو محاولة للتصحيح. إلا أن النسخة الأميركية لم تكن الوحيدة التي أُطلقت هذا العام. فالشهر الماضي أعلنت نتائج خيار "غونكور" الهند في نيودلهي، قد ذهبت إلى رواية "أكثر ذكريات الرجال سرية" للسنغالي محمد مبوغار سار، وهي الرواية الفائزة بالغونكور في نسختها الفرنسية الأصلية في العام السابق، 2021. فعلى عكس النسخة الأميركية، يبدو قرار المحكمين الهنود تأكيداً على خيار اللجنة الفرنسية. بالطبع حظيت النسخة الأميركية بالتغطية الإعلامية الأوسع، فيما توارت الأخبار عن بقية النسخ البالغ عددها أربعاً وعشرين جائزة "خيار غونكور" حول العالم، من الصين إلى بريطانيا واليابان وصولاً إلى نسخة بولندية، كانت هي الأولى التي اطلقت في مدينة كراكوف، في العام 1998. لكن لماذا تحتاج الغونكور خمساً وعشرين نسخة من نفسها؟

"يتداول الأمر كمزحة، غور فيدال يقول إن الولايات المتحدة "لديها جوائز أكثر مما لديها كتاب"، بيتر بورتر الشاعر الأسترالي يقول إن هناك الكثير من الجوائز في بلده إلى درجة أنك بالكاد ستعثر على كاتب في سيدني لم يفز بواحدة"، ويمزح أحد الكتاب البريطانيين من حضوره إحدى الفعاليات الأدبية الكبيرة حيث كان واحداً من بين اثنين لم يفوزا بأي جائزة من قبل. كان الخاسر الوحيد في ملعب جميع الموجودين فيه من الفائزين. مشهد الجوائز الثقافية إجمالاً يشبه "سباق القوق" في "أليس في بلاد العجائب" حيث يعلن طائر "الدودو" أن الجميع قد فاز، والكل يجب أن يحصل على جوائز".

في ذلك الاقتباس من كتاب "اقتصاد البرستيج: الجوائز والمنح وتدوير رأس المال الثقافي"، يوجز الأكاديمي جيمس إينغلش فكرته عن تشبع المجال الثقافي بالجوائز بشكل لا يتناسب مع الإنجاز الجمعي المعاصر في المجالات الثقافية. يتجاوز إينغلش في تحليله مسائل تسليع الثقافة وإضفاء الطابع التنافسي على العمل الثقافي وكذا أسئلة الاستقلالية عن السوق، لا لإنها قليلة الأهمية، بل بحكم كونها الأكثر تناولاً ومناقشة. ما يركز عليه في المقابل هو الدوافع التي تقف وراء توليد هذه الزيادة المضطردة من الجوائز، أو بصياغة أخرى المهام والوظائف التي تقوم بها مؤسسة الجوائز مما يستوجب عملها. من "إدارة الذائقة" و"اكتشاف المواهب"و"حراسة البوابات" إلى "غسيل السمعة" و"التهرّب الضريبي" و"ترسيخ التراتبيات"، يجد إينغلش عشرات من الأغراض والآثار الجانبية للجائزة.

إذن ما الدافع وراء إنتاج دستين من النسخ وأكثر من جوائز الغونكور؟ في الحقيقة لا يمكن اعتبار"خيار الغونكور" جائزة حقيقية. المحكمون ليسوا سوى طلبة للغة والآداب الفرنسية في عدد من الجامعات المتميزة في كل بلد. يطلع هؤلاء الطلبة على روايات القائمة القصيرة للجائزة الأصلية من العام السابق، ويختارون واحدة منها. تلك المحاكاة الطلابية تؤكد مركزية النسخة الأصلية، ولكنها في الوقت نفسه تربط شبكة مترامية الأطراف من المراكز الفرانكفونية حول العالم، حيث يُعاد إنتاج الخيارات والجدالات والفضائح التي تتم في المركز الباريسي، واتخاذ مواقف منها. بذلك لا تقوم الجائزة فقط بتسويق مجموعة من الكتاب أو الترويج لأعمال بعينها، بل توسيع مؤسسة الدبلوماسية الثقافية بالبناء على السمعة المتحققة للجائزة. ولا عجب أن تكون جوائز "خيار الغونكور" نتاج تعاون بين أكاديمية الغونكور والمراكز الثقافية الفرنسية في الخارج ذات التمويل الحكومي. هكذا لا تبدو النسخ الأجنبية من الجائزة وكأنها تستهدف الكاتب أو العمل، بل موجهة إلى المحكمين بوصفهم موضوعات للاحتواء والتضمين داخل عمليات التقييم وإنتاج القيمة بحسب قواعدها في المركز. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها