الإثنين 2022/05/30

آخر تحديث: 13:26 (بيروت)

ستاخانوف.. عامل المنجم الذي تصارع حوله الأوكران والروس

الإثنين 2022/05/30
increase حجم الخط decrease
باتت منطقة دونباس الصناعية، شرقي أوكرانيا، في قلب نزاع دموي منذ العام 2014، بين حكام كييف والانفصاليين الموالين لروسيا. بدعم من موسكو، سيطر الانفصاليون جزئياً على حوض المناجم الذي يشكل الناطقون بالروسية غالبية سكانه، وأُعلن فيه استقلال "جمهوريتين شعبيتين" باسم دونيتسك ولوغاتسك. في شباط الماضي، اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال الجمهوريتين ثم شرع بالهجوم على المنطقة "للدفاع" عن الناطقين بالروسية وتحريرهم من سلطة كييف التمييزية.

تبلغ مساحة دونباس حوالى 55 ألف كيلومتر مربع، وتشمل منطقتي دونيتسك ولوغانسك. تحدّها الأراضي الروسية، وتمتدّ إلى ميناء ماريوبول، على شواطئ بحر آزوف. بقيت في الماضي قاحلة لقرون طويلة، ثم تقاسمها تتار القرم والقوزاق الوكرانيين، ولم تبدأ بالازدهار إلا عند اكتشاف أول مناجم الفحم فيها في القرن التاسع عشر، في ظل حكم الروسي الإمبراطوري. ومع مرور الوقت، اتضّح أنها تضم احتياطات هائلة من خامات الفحم والمعادن، ما جعل منها مركزاً من أكبر المراكز الصناعية في زمن الاتحاد السوفياتي السابق. تُعتبر دونيتسك أكبر مدن دونباس، وتضم مركزاً كبيراً للصناعات المعدنية، وتحيطها سلسلة من المدن مليئة بالمصانع والمناجم. في هذه المدن، يعيش عدد كبير من السكان المحليين الناطقين بالروسية، وقد ارتبطوا بشكل وثيق بالعمال الروس الذين قدموا إليها بأعداد كبيرة بعد الحرب العالمية الثانية، وشكّلت هذه الشراكة المتينة على مدى عقود، إرثاً لغوياً واقتصادياً وثقافياً جامعاً، حدّد هوية دونباس. ظلّت هذه الشراكة متينة مع روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي واستقلال أوكرانيا، ما ساهم في إشعال النزاع الدموي في هذا القطاع منذ 2014.

من دونباس، خرج العديد من الأعلام الذي برزوا في حقول متعدّدة، أشهرهم على الأرجح عامل المنجم الروسي الأوكراني أليكسي ستاخانوف الذي برز في الحقبة الاشتراكية بين 1930 و1950، وقد جعلت منه السلطات السوفياتية نموذجاً مثالياً حياً، فأصبح أيقونة دونباس العمّالية الصناعيّة، في العالم الروسي كما في العالم الأوكراني. وُلد هذا العامل الأسطوري في مطلع 1906، في قرية صغيرة تُدعى لوغويابا، نواحي مدينة أوريول، عاصمة الكيان الفدرالي الروسي أوريول أوبلاست، وتوفّي في خريف 1977 في مدينة تُعرف باسم شيستياكوف، كما تُعرف باسم توريز، وتقع في أوبلاست دونيتسك. في الواقع حملت هذه المدينة الصناعية اسم شيستياكوف حتى العام 1964، حينما استبدلت السلطة الأوكرانية الشيوعية هذا الاسم، باسم موريس دوريز، السياسي الفرنسي الذي انضمّ للحزب الشيوعي في 1920، ثم أصبح سكرتيراً لهذا الحزب، وترقى فيه بسرعة إلى أن أصبح أميناً عاماً له في 1930، وقد شغل هذا المنصب حتى وفاته في 1964. ما يعني أن السلطات الشيوعية السوفياتية كرّمته عند وفاته بإعطاء اسمه إلى مدينة شيستياكوف. في 2016، صوّت البرلمان الأوكراني لصالح سياسة تدعو إلى تجريد البلاد من الميراث الشيوعي، وأعاد للمدينة رسميّاً اسمها الأوّل، غير أن مدينة توريز أمست تحت سلطة "جمهورية دونيتسك الشعبية"، التي لم تعترف إطلاقاً بهذا القرار.

لمع اسم أليكسي ستاخانوف حين نظّم اتحاد منظّمات الشباب السوفياتي (كمسمول) مسابقة عملية لاستخراج الفحم، حيث نجح في نهاية آب 1935 في استخراج 12 طناً من الفحم في أقل من ست ساعات، فتٌوّج عاملاً مثالياً، واحتلت صورته أغلفة المجلات الغربية. حطّم العديد ممن اقتدوا به، هذا الرقم، غير أن اسمه بقي الأشهر، ومن هذا الاسم، اشتقّ مصطلح "الستاخانوفية" الذي يشير إلى طريقة في العمل الاشتراكي تقضي بتحقيق عائدات قياسية، عبر ابتكارات تقنية جديدة من جهة، وتفاني العمال من جهة أخرى. في خريف 1935، انعقد أول مؤتمر ستاخانوفي للحزب الشيوعي في الكرملين، وشدّد هذا المؤتمر على الدور البارز لهذه الحركة في إعادة بناء الاقتصاد القومي الاشتراكي. وفي نهاية العام، عقد أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، جلسة خُصّصت للتعريف بالحركة الستاخونوفية، وقيل يومها أن هذه الحركة تعني "تنظيم العمل في شكل جديد، ترشيد العمليات التكنولوجية، تصحيح تقسيم العمل، تحرير العمال المؤهلين من الأعمال التمهيدية الثانوية، تحسين مكان العمل، توفير نمو سريع لإنتاجية العمل، وتأمين علاوات وزيادات في رواتب العمال".

برزت الستاخونوفية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وظلّت حية في السنوات التالية، حيث ظهر مؤسسها ورفاقه في العديد من الأفلام واللوحات والملصقات، ونُسج حول هؤلاء العديد من القصص المثالية للاقتداء بهم، وباتت إنجازات الستاخونوفيين عبرة للدعوة إلى مضاعفة كمية الإنتاج المطلوبة من عامة العمال. توفّي أليكسي ستاخانوف في خريف 1977 كما أشرنا، وفي العام نفسه أعطت السلطات اسمه إلى بلدة كاديفكا، وهي بلدة صناعية كذلك، تقع في أوبلاست لوهانسك، في منطقة دونباس، الجانب الشرقي من أوكرانيا.

استقل هذا الأوبلاست عن أوكرانيا، كما هو معروف، في 2014، غير أن السلطات الأوكرانية لم تعترف بهذا الاستقلال، وأصدرت في أيار 2016 قراراً يقضي بإعادة اسم كاديفكا إلى البلدة التي عُرفت باسم ستاخانوف منذ 1977، غير أن أوبلاست لوهانسك "المستقلّ"، رفض أن يعمل بهذا القرار، وأبقى على اسم ستاخانوف، تماماً كما حصل في مدينة شيستياكوف التي ما زالت تُعرف باسم توريز.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها