الخميس 2022/05/26

آخر تحديث: 16:42 (بيروت)

حزب الله: "أنا مسلّح إذن أنا موجود"، والعكس...

الخميس 2022/05/26
حزب الله: "أنا مسلّح إذن أنا موجود"، والعكس...
increase حجم الخط decrease
لا ينتبه كثرٌ من السياسيين "السياديين" والناشطين اللبنانيين، المطالبين بنزع أو تسليم سلاح "حزب الله" للجيش أو الشرعية اللبنانية، أنّ هذا الحزب، وهو يتبع السياسة الإيرانية بلا مواربة، ويرتبط بها ارتباطاً عضوياً مقدساً منذ نحو 40 عاماً، ينظر إلى سلاحه، وهو إيراني المصدر والمنشأ والهوى، باعتباره أساس وجوده وجوهر ثقافته ومبرر بقائه وقوّته ودوره. وهو جزء من رايته وبيارقه الصفراء، وتتشكّل حوله منظومة متكاملة، أَمنية ولوجستية ومناطقية وجماعية و"فكرية" وفقهية، وتقوده مجموعة من خريجي الحوزات والمعسكرات والقادة والموظفين والمستفيدين والمناصرين...

ويرجح أن تكون منظومة الحزب متفوقة على الجمهورية اللبنانية المتصدّعة، أو هي دويلة داخل الدولة... وفي السياسة، في الكثير من الملفات الاستراتيجية، الدولة المتصدّعة والمُربَكة تتلقى أوامر من خطب حسن نصرالله في إطلالاته الكثير والمملة. حتى بعض الغربيين يتعامل مع الأمور، انطلاقاً من أمر واقع "حزب الله" المسيطر الماسك زمام الحدود الجنوبية وحتى الحدود مع سوريا، ويجد كثرٌ من المحليين أن مآل السلاح الإقليمي في لبنان، يرتبط بالتحولات الدولية، ولا ينصاع لموقف نائب من هنا أو رأي كتلة من هناك، باعتبار أن أصل السلاح في طهران وليس في حارة حريك...

ومن دون شك، أن منطق "حزب الله" ووهج قوّة سلاحه، يقلق ويربك اسرائيل التي تعيش بشكل جذري على الهواجس الأمنية، لكنه ينعكس سلباً في الداخل اللبناني، وعلى الجماعات والأحزاب والناس العاديين. وهذا الأمر يتعلق بعمعمة "حزب الله" واصطفافه وانتمائه المحاوري والاقليمي ودعمه الانقسام والاصطفاف السياسي، وتصنيفه الناس بين شرفاء وعملاء وخونة، ودخوله في الزواريب، وشتمه القادة الخليجيين وكثرة إطلالات أمينه العام. إذا بات يتعاطى في الشاردة والواردة، من منطق أنه صاحب القوة والشأن، والآمر والناهي، وهذه القوة باتتْ الهاجس والشغل الشاغل للمجموعات السياسية اللبنانية، سواء المعارضة لحزب الله أو المؤيدة له... فهناك الإنتهازية العونية-الباسيلية التي "تغطي" السلاح كلامياً وتستفيد في السياسة والمناصب والمواقع والصفقات وحتى عدد النواب. وعلى الوتيرة نفسها، هناك "سرايا المقاومة"، التي، وبسبب الاستفادة والخدمات و"التشبيح"، باتت تتمدّد في المناطق السنيّة وغيرها، ويلتف حولها كثر من العاطلين عن العمل والساقطين في حياتهم وأصحاب الرثاثة. ويتجلى ذلك في الانتخابات، سواء في بعض مناطق البقاع، أو في الأصوات التي نالها النائب المنتخب محمد يحيى في عكار، هناك حيث يسيطر "حزب الله" على الحدود اللبنانية السورية، وكثر من أبناء وادي خالد يعيشون على التهريب، فكان بديهياً أن يصبح "السماح" بالتهريب، سياسة، يتحكم فيها المسيطر على الحدود، ويكون إرضاء المسيطر بالتصويت للمرشح الموالي...

حتى خصوم "حزب الله" يستفيدون من قضية السلاح بقوة. فهناك فعل، وهناك رد فعل. حزب الله يقول "أنا مسلح إذن أنا موجود"، المعارض للسلاح يقول: "أنا ضد السلاح إذن أنا موجود"... معادلة لا تصنع حلاً... الاعتراض على السلاح يتحوّل عصبية ونبرة شرسة، وفرصة لتحشيد المناصرين، كما هو الحال في حزب "القوات اللبنانية"، الذي يلح على اعتبار السلاح غير الشرعي مصدر المشكلات والأزمات، وهو الشبيه بحزب الله لكن على الصعيد المسيحي... في المقلب الآخر هناك مجموعات "الغبن السنّي" التي تتصرّف من منطلق: كيف يحق للشيعة بالتسلّح ونحن لا؟ كيف يمتلك الشيعة القوّة ونحن لا؟ هذا الأمر فجّر الكثير من الأزمات في الشارع السنّي، وخلق الكثير من الظواهر التي انعكست سلباً في المجتمع.

و"حزب الله" منذ العام 2000 أو "عام التحرير واندحار الاسرائيلي من جنوب لبنان"، يتصرّف من منطلق أن هذا السلاح وُجد ليبقى، يبحث عن الذرائع وكل الذرائع، الملموسة والميتافيزيقية للإبقاء على السلاح ودور السلاح، ويهدد بانتزاع روح مَن يحاول نزعه. في البداية ربط وجود السلاح بتحرير الأرض والدفاع عن الجنوب والبقاع، وفي تموز العام 2006 أدخل لبنان بشكل أو بآخر، في حرب صعبة قاسية ومدمرة، كان مآلها، عدا الخسائر المادية والخراب (بغض النظر عن أسطوانة الانتصارات)، المزيد من الانقسام الاجتماعي والفرز والمذهبي والانكماش الاقتصادي. ولاحقاً، صار "حزب الله" طرفاً في الحرب السورية بزعم حماية "المقامات الدينية" وطريق القدس، وقال: "لولا المقاومة لكانت داعش في جونية"، وهذا ساهم في المزيد من التأزم السياسي على صعيد علاقات المجموعات اللبنانية مع بعضها البعض، أو على صعيد العلاقات اللبنانية مع بعض البلدان العربية.

شئنا أم أبينا، زاد وجود السلاح من تعقيد الأمور السياسية والاجتماعية في لبنان، فلا الحوار حوله أتى بنتيجة، ولا شعار "نأي لبنان بنفسه" سُمح بتطبيقه. نحن وسط واقع مأزوم، بتنا أمام جدلية يصعب حلها، الدجاجة من البيضة أمَ البيضة من الدجاجة. كثرٌ من اللبنانيين، لديهم قناعة بأن منظومة "حزب الله" هي سبب المشكلات، وبسببه دخلت منظومة الجمهورية في أزمة نتيجة العقوبات الأميركية، لكن حزب الله يصر على مبدأ اعتبار السلاح فوق كل اعتبار، واليوم وجد وظيفة جديدة للسلاح وهي حماية الغاز...

وبالمختصر، ومع أن وجود السلاح غير الشرعي مشكلة كبيرة، وطموحات اسرائيل التوسعية والعدوانية مشكلة أكبر، يبدو أن لبنان وقع في مشكلة أعقد من قضية السلاح والصمود والتصدي، وتتجلى في لقمة العيش. فإذا كان السلاح يقلق الجماعات في خياراتها السياسية، فالأزمة الاقتصادية والمعيشية الكهربائية تطيح كل شيء، جيشاً وشعباً ومقاومة وسيادة وممانعة ويميناً ويساراً. وهنا لا تنفع شعارات إزرعوا على الشرفات، ولا أقوال"لدينا مئة ألف صاروخ" أو "مئة ألف مقاتل"، ولا تنفع خرائط طرق ميشال عون (مع أنه بشّرنا بجهنم قبل الأوان) ولا تدقيقاته الجنائية، ولا شعارات سمير جعجع الانتخابية و"السحرية"، ولا منصات رياض سلامة، ولا هوبَرات جبران باسيل، ولا نبرة سامي الجميل الثورية، ولا طنطنة ميشال معوض العنترية، ولا لوحات السيارات الزرقاء التي تسلمها بعض النواب، ولا أدبيات 17 تشرين، ولا بطولات أشرف ريفي أو تغريدات جميل السيد أو تجهمات محمد رعد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها