الأربعاء 2022/05/25

آخر تحديث: 12:23 (بيروت)

إسماعيل ياسين وفطين عبد الوهاب.. الكوميديا الطازجة والموت معاً

الأربعاء 2022/05/25
increase حجم الخط decrease
في تاريخ الفن العربي – كما في الحياة عامة – ثمّة مفارقات قدرية تدعو للدهشة وربما للتأمل أيضاً. ففي 12 أيار/مايو 1972 رحل عن الدنيا، الاسم الأبرز بين مخرجي الأفلام الكوميدية، وهو فطين عبد الوهاب، وبعد 12 يوماً وبالتحديد في 24 من الشهر نفسه، لحق به رفيق نجاحه الفني، الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين. وهما الاسمان اللذان شكلا معاً أهم ثنائي كوميدي في تاريخ الفيلم العربي، وكرسا لعلاقة ذات طبيعة خاصة بين مخرج وممثل لم تكن نهايتها على الوفاق ذاته الذي عرفته البدايات السعيدة، وربما تزداد دهشتك إذا علمت أن ما يفصل بين تاريخَي ميلادهما، لا يتجاوز بضعة شهور، إذ ولد فطين عبد الوهاب في مدينة دمياط الساحلية في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1913، فيما كان مولد إسماعيل ياسين في مدينة السويس الساحلية أيضاً في 15 أيلول/ سبتمبر عام 1912.

ورغم مرور خمسين عاماً على الرحيل المتزامن للرجلين، فإن علاماتهما الفنية المشتركة تظل الأكثر حضوراً وطزاجة في الذاكرة الجمعية للمتلقى العربي، ومن ثم تبقى تلك العلاقة الخاصة جديرة بالتأمل والبحث فى تعرجاتها وانحناءاتها.

"بيت الأشباح"
دشن فيلم "بيت الأشباح"(1951) بداية التعاون بين فطين عبد الوهاب وإسماعيل ياسين، وبسببه تذوق فطين للمرة الأولى طعم النجاح الجماهيري بعد سلسلة من الاخفاقات والتعثر، بينما كان إسماعيل يعيش مرحلة انتشاره الفني من دون أية نجاحات بارزة، حتّى حقق ذلك الفيلم حضوراً جماهيرياً لا يمكن إغفاله. هذا النجاح المشترك الذي بلغ ذروته في سلسلة أفلام حملت اسم إسماعيل ياسين، ويبرز هنا سؤال مهم: هل كان فطين عبد الوهاب حقاً صاحب فكرة سلسلة الأفلام التي حملت اسم إسماعيل ياسين؟ وهو سؤال فرضته كتابات من ذهبوا إلى اعتبار فيلم "بيت الأشباح"، أول أفلام هذه السلسلة، وأن اسمه الفعلي هو "إسماعيل ياسين في بيت الأشباح"، استناداً إلى أن عنوان الفيلم يظهر هكذا في لوحة واحدة في مقدمة الفيلم مما يعني أن هذا عنوانه بالفعل، وكان من الممكن اعتبار ذلك الرأي صحيحاً، وإدخال هذا الفيلم ضمن لائحة الأفلام التي تحمل اسمه وإعادة إحصائها على هذا الأساس، لولا اعتبارات عديدة أوجزها في ما يلي:

أولاً: في لوحة مقدمة الفيلم تظهر عبارة "إسماعيل ياسين في..." بـ"فونط"، أو نوع حرف، وعبارة "بيت الأشباح" بفونط مختلف تماماً، ولو أراد فطين عبد الوهاب العبارتين شيئاً واحداً لكتبه كاملاً بفونط موحد.

ثانياً: لم يظهر اسم ياسين بعد هذه اللوحة ضمن أبطال الفيلم، على غرار ما حدث في معظم الأفلام التي حملت اسمه، ما يعني أنه كان مجرد تقديم لإسم إسماعيل ياسين على عنوان الفيلم، كأن نقول مثلاً "عبد الحليم حافظ في أبي فوق الشجرة".

ثالثاً: يؤكد الأفيش الأصلي للفيلم أن اسمه "بيت الأشباح" فقط حيث كُتب بالطريقة ذاتها التي اتبعت في اللوحة المذكورة في مقدمة الفيلم، بينما يذكر الكتيب الدعائي له أن اسمه "بيت الأشباح" فقط من دون أن يقدّم اسم إسماعيل ياسين على عنوان الفيلم، ما يعني أنه ليس جزءاً أصيلاً فيه.

رابعاً: لو أن "بيت الأشباح" هو أول الأفلام التي تحمل اسم ياسين، فلماذا لم يستغل فطين عبد الوهاب أو غيره هذا النجاح بالإسراع في تقديم أفلام متتالية ضمن هذه السلسلة، بدلاً من أن يحتاج الأمر إلى ثلاث سنوات كاملة ليظهر فيلم يحمل اسم إسماعيل ياسين ليس من توقيع فطين عبد الوهاب، وإنما من إخراج يوسف معلوف هو "مغامرات إسماعيل ياسين" سنة 1954؟

وعلى هذا، فإن سلسلة الأفلام التي تحمل اسم إسماعيل ياسين، لا يجب نسبها إلى فطين عبد الوهاب حتى وإن كان هو صاحب الفضل الأكبر، بعد ذلك، في تكريس وجودها ونجاحها والحفاظ على استمراريتها، والتي صنع الرجلان بفضلها اسميهما الكبيرين. غير أن هذا الثنائي الذى كان على وشك النشوء في "بيت الأشباح" كان بحاجة إلى النقلة التي تمنحه قوة الدفع المطلوبة، سواء للاستمرار معاً أو لمُضي كل منهما في مشواره الفني.

وحتى 7 شباط/فبراير 1954، حينما عرض فطين عبد الوهاب فيلمه الثامن "الآنسة حنفي" من بطولة إسماعيل ياسين، لم تكن أي من أفلامه السبعة السابقة قد حققت النجاح المدوي الذي يتيح له فرض كلمته وأسلوبه على السوق السينمائية في مصر، بما في ذلك "بيت الأشباح"(1951) و"كلمة الحق"(1953)، رغم النجاح الطيب الذي حققه الفيلم الأول. كان فطين بحاجة إذن إلى قنبلة سينمائية تعيد تصنيفه بين المخرجين الكبار، وهذا ما حققه له فيلم "الآنسة حنفي". أما إسماعيل ياسين الذي كان قد قدّم قبل هذا العمل 142 فيلماً، فقد عانى التأرجح بين الأدوار الأولى، كما في "فلفل" و"الناصح" و"المليونير"... والأدوار المساعدة كما في "نشالة هانم" و"الحموات الفاتنات" و"دهب"، وكذلك البطولات المشتركة كما في "بيت الأشباح" و"كلمة الحق" اللذين أخرجهما فطين عبد الوهاب... وعلى ذلك، فإنه كان في انتظار العمل الذي ينتزع به اعتراف الجمهور والنقاد والمنتجين بأنه جدير بالبطولة المطلقة التي لا يزيحه عنها أحد. وفي الوقت ذاته، كان بحاجة إلى مخرج يستطيع أن يبرز طاقاته الكوميدية ويعيد صياغة شخصيته الفنية، بعيداً من سيل الاتهامات والانتقادات التي كانت تلاحقه. ولم يكن هذا الفيلم سوى "الآنسة حنفي"، ولم يكن ذلك المخرج سوى فطين عبد الوهاب، بل إن العام 1954 – وبسبب هذا النجاح المدوي – كان الانطلاقة الكبرى في مسيرة إسماعيل ياسين. تكفي الإشارة إلي أنه كان ثاني أغزر سنوات نشاطه السينمائي (18 فيلماً) والعام الذي كوّن فيه فرقته المسرحية التي استمرت حتى العام 1966، وهو أيضاً العام الذي شهد البداية الفعلية لسلسة الأفلام التي حملت اسمه.



كان كل شيء في فيلم "الآنسة حنفي" ينبئ بأنه سيكون علامة فارقة في مسيرة الفيلم الكوميدي، فالقصة جديدة وغير مألوفة ولها ظل من الواقع، عن شاب يتحول على أثر عملية جراحية إلى فتاة تعاني نظرة المجتمع لها. والمعالجة لأديب وصحافي عُرف بلغته الساخرة هو جليل البنداري. إضافة إلى قدرات إسماعيل ياسين، واللغة السينمائية الراقية التي صاغ بها فطين عبد الوهاب فيلماً أراد له أن يكون صادماً للمجتمع من دون أن يفقد متعته عند الجمهور، فعرف به فطين مسايرة تيار الكوميديا الشعبية السائد رغم أنه في جوهره محاولة للتمرد عليه والانسلاخ عنه.

على أية حال، فإن نجاح "الآنسة حنفي" على هذا النحو، شجع المخرجين والمنتجين على الاستغلال السريع لهذه الجماهيرية المفاجئة لبطل الفيلم إسماعيل ياسين، وتقديم فيلمين متتاليين يحملان اسمه، هما "مغامرات إسماعيل ياسين" إخراج يوسف معلوف، و"عفريتة إسماعيل ياسين" إخراج حسن الصيفي، رغم أن البطولة في الفيلم الأول كانت لكمال الشناوي وليست له، لكنه دليل على الشعبية اللافتة التي أصبح يتمتع بها إسماعيل ياسين.

الإسم قبل الفيلم أحياناً
وكان لا بد أن يستفيد فطين عبد الوهاب هو الآخر من الشعبية التي ساهم في صنعها لإسماعيل ياسين، أو على الأقل محاولة تقديم الكوميديا التي يريدها متكئاً على الجماهيرية التي بات يتمتع بها ياسين. فقرر فطين اللحاق بركب سلسلة الأفلام التي تحمل اسمه، لكن بدوافع مغايرة وظروف وملابسات مختلفة اختلطت فيها، على ما يبدو، العوامل الفنية بالاعتبارات السياسية، لكنها في النهاية كانت أنضج الأفلام التي حملت اسم إسماعيل ياسين.

لقد اجتهدت الآراء من دون حسم أو حتى تقديم أدلة ملموسة، في تغليب وجهة النظر التي تقول إن تقديم فطين عبد الوهاب لسلسلة أفلام الجندية "إسماعيل ياسين في الجيش، في البوليس، في الأسطول... إلى آخره". كان بتوجيه من مؤسسة الرئاسة في مصر، وبالأخص الرئيس جمال عبد الناصر الذي سعى للاستفادة من شعبية إسماعيل ياسين في ترغيب المواطن المصري البسيط في الانخراط في حياة الجندية ومحو الصورة المتجهمة والمستقرة في الأذهان، عن طبيعة الجندي المصري، لا سيما بعد الأداء الصارم الذي أظهره قادة ثورة يوليو والضباط الأحرار في إدارة شؤون البلاد طوال السنوات الأولى من عمر ثورة 1952. وأتصوّر أن المتأمل لملابسات تقديم هذه السلسلة يستطيع أن يضع يده على هذه الأدلة التي تؤكد أنه كان توجهاً مقصوداً من جانب مؤسسة الرئاسة في مصر، ومن بين هذه الأدلة:

أولاً: كان ترتيب أول أفلام فطين عبد الوهاب في هذه المجموعة "إسماعيل ياسين في الجيش"، هو الرابع في السلسلة التي تحمل اسمه بعد "مغامرات إسماعيل ياسين"، و"عفريتة إسماعيل ياسين"، و"إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة"، ما يعني أن فكرة أفلام الجندية كانت استغلالاً للنجاح اللافت الذي حققته الأفلام الثلاثة الأولى وليست أساساً لها، ويعني أيضاً أن "إسماعيل ياسين في الجيش" والأفلام التي تلته كانت تكريساً من جانب فطين عبد الوهاب لهذه السلسلة وليست تأسيساً لها.

ثانياً: ليس مصادفة أن يكون "إسماعيل ياسين في الجيش"، من صنيعة رجلين ينتميان في الأساس إلى المؤسسة العسكرية المصرية، هما الكاتب الصاغ عبد المنعم السباعي، وفطين عبد الوهاب الذي كان أحد أفراد الجيش المصري حتى منتصف الأربعينيات تقريباً، قبل أن يتحوّل إلى العمل في المجال السينمائي. بل إن فطين وحده، دون غيره من المخرجين، اضطلع في إخراج كل أفلام الجندية الستة التي انتهت بفيلم "البوليس السري". وفي الوقت نفسه، لم يجنح إلى الاستغلال التجاري لظاهرة أفلام إسماعيل ياسين، وترك للآخرين تقديمه في متحف الشمع وفي دمشق وللبيع إلى آخره، ما يشير إلى أنه كان المخرج الوحيد المؤتمن على هذه المهمّة، أو أنه صاحب رسالة محدّدة صادفت توافقاً مع التكليف الذي تلقاه من عبد الناصر الذي كان يضع ثقته عادة في رجال المؤسسة العسكرية أو المنتمين إليها للقيام بمثل هذه المهام. تماماً كما حدث مع المخرج عز الدين ذو الفقار، في فيلمي "ردّ قلبي" الذي خلّد أحداث ثورة يوليو، و"بورسعيد" الذي جاء تمجيداً لصمود المدينة الباسلة ضد العدوان الثلاثي فى حرب السويس العام 1956.

ثالثاً: ليست مصادفة أيضاً أن يحضر عبد الناصر العرض الخاص لفيلم "إسماعيل ياسين في الجيش"، وهي المرة الوحيدة التي حضر فيها عرضاً جماهيرياً لأحد أفلام إسماعيل ياسين، والأهم أن هذا الفيلم عُرض في سينما ديانا في 23 من تموز/يوليو 1955، فى ذروة الاحتفال بالعيد الثالث للثورة، كما تم التأكيد على هذا المعنى في عرض الفيلم التالي مباشرة في هذه السلسلة "إسماعيل ياسين في البوليس" في دار سينما ديانا أيضاً، في 16 تموز/يوليو 1956 في إطار احتفالات الثورة بعيدها الرابع.

وعلي أية حال فإن إسماعيل ياسين نفسه، كان مختلفاً في هذه الأفلام التي قدمها فطين عبد الوهاب، عن بقية سلسلة الأفلام التي حملت اسمه وقام بها مخرجون آخرون... استطاع فطين أن يلزم إسماعيل بالسيناريو والحوار المكتوبَين، وأن يجذبه بعيداً من حافة الهزل والتهريج اللذين التصقا بإسماعيل في معظم أعماله، ومنحه الفرصة ليقدم أداءً تمثيلياً أكثر نضجاً وصل في بعض الأحيان إلى الأداء التراجيدي أو الإنساني بعيداً من الكوميديا المباشرة التي عرف بها. وانسحب هذا الأداء المختلف على بقية الأفلام الأخرى التي قدمها فطين لإسماعيل ياسين بعيداً ن هذه السلسلة، مثل ابن حميدو، أمسك حرامي، العتبة الخضراء، والفانوس السحري.

خفوت له ما يبرره
لكن – ويا للدهشة – افتقدت الأفلام الأخيرة التي قدمها فطين لإسماعيل ياسين بريقها المعتاد وسحرها الخاص. فباستثناء فيلم "الفانوس السحري" سنة 1960، بدا حضور إسماعيل ياسين خافتاً من بعد "البوليس السري"(1959)، وربما كان مفهوماً أن يظهر إسماعيل ياسين على هذا النحو في فيلم "حلاق السيدات"(1960)، على اعتبار أنه شارك فيه دعماً لصديق عمره عبد السلام النابلسي الذي كتب وأنتج هذا الفيلم خصيصاً ليقوم ببطولته، فلم يكن مطلوباً منه أكثر من مساندة زميله الذي لطالما شاركه في بطولات أفلامه، وكان داعماً له في كثير من مراحله الفنية. لكن ما فعله فطين عبد الوهاب ببطله المفضل في فيلمي "ح يجننوني"(1960) و"الفرسان الثلاثة"(1962)، يؤكد بوضوح أنه لم يعد لديه ما يعطيه لإسماعيل ياسين، وأن هذا الممثل الذي صنع معه شهرته واسمه قد استنفذ أغراضه، وحسناً فعل فطين حين قرر بعد "الفرسان الثلاثة"، التوقّف عن التعاون الفني مع رفيق مشواره، احتراماً لتاريخهما الطويل، خصوصاً أن فطين كان آنذاك يخطو نحو مرحلة أخرى بصحبة نجم آخر آخذ في الصعود إلى أدوار البطولة، هو فؤاد المهندس، وكان أكثر ملاءمة لتيار الكوميديا الأسرية الذي قاده فطين مع بداية مرحلة الستينيات. والمدهش أن إسماعيل ياسين الذي بدا باهتاً في أفلامه الأخيرة مع فطين عبد الوهاب كان أكثر حضوراً – في ذلك الوقت – مع مخرجين آخرين أمثال حسين فوزي في "غرام في السيرك"، وعيسي كرامة في "زوج للإيجار"، وحسن الصيفي في "إسماعيل ياسين في السجن وملك البترول". فهل أحس فطين أن العلاقة الفنية بينه وبين إسماعيل وصلت حقاً إلى حد التشبّع، الذي يمكن أن يضر بالاثنين لو لم ينتبها إليه؟ ربما.. وهل كان المخرج الكبير يؤمن بالفعل بقدرات إسماعيل ياسين التمثيلية أم أنه امتطى الجواد الرابح في سنوات الخمسينيات، لا أكثر؟ أعتقد أن إجابة السؤال الثاني ربما تزيل لبس السؤال الأول، والإجابة على لسان فطين نفسه في حوار منشور في مجلة "آخر ساعة" المصرية في 13/9/1961، إذ قال: "أنا سعيد جداً بمجموعة الأفلام التي عملتها مع إسماعيل ياسين، وأرجو أن أجد ما يجعلني قادراً أن أخرج له أفلاماً أحسن من التي فاتت. إسماعيل عندما يجد الموضوع الذي يسمح له في الانطلاق، يصبح ممثلاً كبيراً في مستوى أي ممثل، وقد فكرت في أن أعمل له فيلماً يقوم فيه بدور صعيدي مات أبوه، وعندما ذهب ليتسلم ميراثه اكتشف أن له شقيقاً في فرنسا كان والده قد أنجبه هناك، ويذهب إسماعيل إلى باريس ليقابل أخاه وشريكه في الميراث، ويلتقي هناك بالممثل الفرنسي الشديد الشبه به "فيرنانديل"ـ وأنا واثق أن إسماعيل سيقف ويثبت وجوده كممثل كبير أمام "فيرنانديل"، وأرجو أن يحقق الله هذه الأمنية وأقدم فيلماً يجمع بين إسماعيل وفيرنانديل أقول فيه أننا نستطيع أن نعيش في سلام، كما عاشت أدياننا في سلام من دون تهديد للبشرية أو الإنسانية".

انتهى كلام فطين عبد الوهاب الذي صرح به العام 1961، وهو تاريخ له دلالته، وبطبيعة الحال لم تتحقق أمنية فطين في الجمع بين إسماعيل ياسين وفيرنانديل في فيلم واحد، لكن المهم في ما قاله إنه كان بالفعل مؤمناً بقدرات إسماعيل الفنية، والأهم أنه كان على استعداد للمضي في التعاون معه بشرط توافر الموضوع الذي يجعل إسماعيل ينطلق ويقدم عملاً "أحسن من اللي فات" على حد تعبيره. فلما لم يجد فطين طوال السنوات التي تلت هذا التصريح، ما يضيف إليه وإلى إسماعيل، توقف عن التعاون معه، خصوصاً أن فيلم "الفرسان الثلاثة"(1962) هو في حقيقته من إنتاج العام 1960، لكن بعض الاعتراضات الرقابية بسبب الصورة التي بدا عليها رجل الدين، عطّلت عرض الفيلم لمدة تزيد على العامين. إذن، فالمشكلة لم تكن في وصول العلاقة الفنيّة بينهما إلى حد التشبّع، أو في فتور الرغبة في الاستمرار في هذا التعاون، وإنما كانت في غياب الجديد الذي يمكن أن يقدمه فطين مع إسماعيل ياسين. لهذا، بدا الاثنان على هذا النحو من الخفوت وعدم الانسجام في أفلامهما الأخيرة، ومن ثم كان فطين أميناً مع نفسه ومع تاريخ إسماعيل ياسين، حينما قرر التوقّف عن التعاون مع رفيق نجاحه رغم تعرّضه لعتاب دائم من جانب النقاد ومن جانب إسماعيل نفسه، الذي ربما لم يستوعب هذه الحقيقة الواضحة.

ولئن كان فطين عبد الوهاب قد مضى في مشواره يقدم أفلامه الناحجة مع أبطاله الآخرين، من قبيل فؤاد المهندس ورشدي أباظة وفريد شوقي، فقد تراجعت حظوظ إسماعيل ياسين وانتهى به المطاف – مثلما بدأ – مؤدياً للمنولوج وممثلاً للأدوار الثانوية، حتى رحل فطين أولاً في 12 مايو 1972، وبعد أيام قليلة من مشاركة إسماعيل ياسين في جنازة صديق عمره، رحل هو الآخر، ربما حزناً على رفيق الدرب، أو ربما كمداً من الأيام التي أعطت له ظهرها، قبل أن يكمل الرجلان عامهما الستين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها