الإثنين 2022/05/23

آخر تحديث: 14:29 (بيروت)

ماغدا شعبان... بيروت بنكهتها المحلية ورومانسيتها

الإثنين 2022/05/23
increase حجم الخط decrease
تعرض الفنانة ماغدا شعبان، لدى Rebirth Beirut وبالتعاون مع The Gallerist، ما يربو على 45 عملاً تشكيلياً، منفّذة بتقنية الأكريليك، وذلك تحت عنوان "Pile ou Face" أي ما معناه، كما نقرأ في النشرة المرفقة بالمعرض، "وج قفا". افتتح المعرض يوم الخميس 19 أيار/ مايو ويستمر حتى 28 منه.

تقع بيروت في صلب معرض الفنانة. بيروت التي، نظراً لما طرأ عليها من حوادث ومتغيّرات لم تكن تخطر في البال، صارت موضوعاً أثيراً لدى الكثيرين. ستشهد الأيام المقبلة مقاربات عديدة ومختلفة لمعالجة هذا "الموتيف"، الغني بتداعياته ومتفرعاته. تقول ماغدا شعبان شعراً في هذا المجال: "بيروت، سأكتشف مرارًا وتكرارًا صورًا لأسقفك الطائرة، وسأرسم مصاريعك المسحورة ومطرقة طفولتي على رصيفك". وتضيف في مكان آخر، في كتابها الذي يحمل عنوان المعرض نفسه: "وكأنّ سحر الأزرق قد انزلق من شباكها / لينصبّ فوق الحيطان / شمساً تلوّح طيبَ البراري... سطيحات مشلوحة تدلل حبال الغسيل".

وإذ نكرر ما ذكرناه غير مرّة، حين يتعلّق الأمر بالمدينة، فإن الكلام عليها، شعراً أو نثراً، يختلف عن محاولات عكس المضامين الشعورية بلغة التشكيل. هذا استنتاج بديهي، وليس في حاجة إلى طول تحليل، كما أنه ليس مطلوباً في الأصل. المسالة ممكنة حين يكون الهدف مباشراً ومقصوداً، وهذا ما نلحظة في ال illustrations (الترجمة العربية يصعب ذكرها بكلمة واحدة)، التي تترافق عادة مع نصوص بسيطة مخصصة للأطفال عادة، أو لسواهم، إذ حينها يكون التمثيل الواقعي ضرورياً من أجل توضيح الفكرة المكتوبة، أو إعطائها بعداً إضافياً.



المدينة في أعمال ماغدا شعبان عبارة عن خلفية خطوطية مبسّطة، لا تظهر فيها الظلال والأحجام إلاّ لماماً. كان من الممكن إسقاط ما نراه على مدن أخرى، لولا أنها لم تضم، في الحالة الحاضرة، إشارات مرورية، ولافتات صغيرة، وأسماء وسائل مواصلات، تنتمي جميعها، كما يبدو، إلى ماض كانت المدينة خلاله تختلف عمّا آلت إليه في الفترة الراهنة. إختلافات تتأرجح بين ما أنتجه التشويه العمراني المستفحل، والتشوّه النفسي الذي لم يوفّر أحداً، كنتيجة شبه حتمية لما وقعنا في حفرته العميقة جميعاً من وضعٍ إستثنائي، متشعّب ومعقد.

لذا، فإن الأقواس المعمارية حاضرة، كما شأنها في واجهات بيوت بيروت العتيقة التي يتناقص عددها يوماً بعد يوم، كذلك الشبابيك الخشبية الملوّنة، وجهاز الراديو القديم الذي صار الآن من التحف النادرة التي نبحث عنها في تلافيف ذاكرة نوستالجية، في زمن الأجهزة الحديثة المتطوّرة حد الملل. على هذه الخلفية المعمارية، وغير المعمارية، ترتسم شخوص أنثوية وذكرية. شخصية واحدة في غالب الأحيان، لم تأخذ الفنانة في صوغ معالمها التمثيل التشخيصي الدقيق في الإعتبار، أو النسب المتعلّقة بهذا التمثيل في منحاه الأكاديمي، بل جاءت، عمداً، مختصرة في تكاوينها، وشبه عفوية أيضاً.

أمّا في ما يختص بالخيار اللوني، فيبدو لنا أن لا أرجحية واضحة للون على الخط. الخلفية الرمادية محايدة في معظم الأعمال، وإن كان يظهر فيها الأزرق، كما يمكن أن تخترقها بعض الموتيفات، حين يتعلّق الأمر ببورتريات تحتل جزءاً وازناً من المتن. في الحالات الأخرى، تبدو الشخصيّات، في موقعها ضمن التأليف، قليلة التناقض مع يحيط بها، مما يؤدّي إلى تناغم شامل، قد تخترقه، من حين لآخر، خطوط ذات وقع متمايز. أزياء الشخصيّات نفسها تقع ضمن هذا التمايز. أرادت ماغدا شعبان أن تضفي على الأعمال نكهة محليّة بيروتية صار بعضها منسياً: الطربوش الأحمر يتكرر في أعمال عدّة، الرجال يرتدون سترات من دون أكمام، أي ما نسميه بالأجنبية gilet، فوق قمصان بيضاء، حتى المسبحة تظهر هنا وهناك، ولفافة التبغ التي تقبض عليها أيدي تعمّدت الفنانة أن تجعلها رقيقة، طويلة الأصابع.

استطاعت ماغدا شعبان في معرضها أن تبتكر عالمها الخاص: عالم يحمل في طيّاته مزيجاً من الرومانسية والنوستاجيا، لكنه كذلك عالم بصري يريح العين، و"يتدفق من أطرافه اللون والنور.. كمثل قميص عتيق تقلّبه بأناملها "وج وقفا".. ليصبح سقفها المدى".. كما تقول الفنانة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها