السبت 2022/05/21

آخر تحديث: 11:20 (بيروت)

ريما عبدالملك: الثقافة الفرنسية وقد وجدت وزيرتها

السبت 2022/05/21
ريما عبدالملك: الثقافة الفرنسية وقد وجدت وزيرتها
وزيرة الثقافة الفرنسية من أصل لبناني.. وقد هجّرتها "حرب التحرير" التي خاضها ميشال عون ضد القوات السورية في لبنان
increase حجم الخط decrease
في الحكومة الفرنسية الجديدة، التي تترأسها اليزابيت بورن، هناك اسم لامع، تحمله وزيرة الثقافة، ريما عبدالملك. ولمن لا يعرف عبد الملك، فهي من أصل لبناني، من بلدة شيخان في قضاء جبيل، عمرها 43 عاماً، وهاجرت أسرتها إلى فرنسا حينما كانت في العاشرة من العمر، نتيجة "حرب التحرير" بعدما قُصف منزل العائلة في منطقة الجمهور، حسبما قال عمّها سمير عبد الملك لموقع "الحرة". فاستقرت الأسرة في ليون، حيث درست ريما العلوم السياسية، ثم أنجزت دراسات عليا في التنمية والتعاون الدولي في السوربون. ولم تتوقف عبد الملك عن زيارة بلدها الأم، وقد زارته مرتين برفقة الرئيس ايمانويل ماكرون بعد انفجار 4 آب 2020. 

والحال إن عبدالملك لم تتقوقع في مجالها الجامعي، بل إنها، وبالتوازي مع اهتمامها به، واظبت على تمتين صِلتها بالمسرح والموسيقى. وفي نتيجة جمعها بين السياسة والثقافة، تولت بين العامين 2001 و2006 إدارة جمعية "clown sans frontières" (مهرجون بلا حدود) التي أتاحت لها التنقل بين بلدان عديدة، حيث عمدت الى تنظيم عروض للأطفال لا سيما في المناطق التي تشهد حروباً.

بعد هذا، انتقلت عبدالملك الى مسؤولية تنظيم النشاطات الموسيقية في المعاهد الفرنسية المتوزّعة في الخارج قبل ان تنضم في العام 2008 الى العمل في بلدية باريس بداية، في فريق المساعد الثقافي للعمدة، ثم كمستشارة ثقافية. وبما أن عبدالملك هي، وفي الأساس، شغيلة دولية ميدانية تحديداً، فقد بدأت في العام 2014 العمل في السفارة الفرنسية في الولايات المتحدة الاميركية، منظمة كل عروضها المرئية والآدائية. 

وبعد انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً للمرة الأولى، استدعى عبدالملك للعمل معه كمستشارة الثقافة والتواصل. صحيح أن الأضواء وضعت حينها على عبدالملك، الا أنها تمسكت بالبقاء في الظل. الأمر الذي لم تنجح فيه كثيراً لسبب أساس، وهو أن شغلها كان له وقع كبير إلى درجة أن مجلة "نوفيل اوبسرفاتور" وصفتها ذات مرة بـ"وزيرة الثقافة الأخرى" التي تبدو أكثر فعالية ونشاطاً من الوزيرة آنذاك روزلين باشلو. الوصف هذا لا يعني أن نصائح عبدالملك هي مسموعة من ماكرون فحسب، بل أنه أيضاً يتعلق بسمات شغلها. 

فأول ما يتّسم به شغل عبدالملك أنه غير منقطع عن المجال الثقافي كمعمل إنتاجات متنوعة. على العكس، هو على اتصال شديد به، لا سيما أن صاحبته هي، وفي الأصل، مشاهدة وقارئة. لذلك، هي لا تهتم بالنشاطات الثقافية أو بالقرارات المتعلقة بها من باب إداري فقط، إنما من باب متابعتها وملاحقتها وتشجيعها لها. بالفضل من ذلك، يمكن القول إن عبدالملك "متعدّدة الوسائط" بمعنى أنها اشتغلت على تنظيم الموسيقى والمسرح والبرفورمانس، وعلى دعم الفنون والمكتبات الخ... بالتالي، شغلها يشتمل على كل الغالب من الأفعال الثقافية، التي تمتلك، ومثلما يشاع عنها، معرفة واسعة بها. لكن قد يكون أهم ما في شغل عبدالملك أنه محمول على سياسة ثقافية واضحة منذ أن كانت تعمل في بلدية باريس. يمكن الإشارة إلى أن هذه السياسة تفيد بالوقوف إلى جانب الفاعلين الثقافيين على مختلف توجهاتهم وعلى مختلف مطالباتهم. فعبد الملك مثلاً هي التي حوّلت فكرة دعم "فريلانسر" القطاع الثقافي في أثر الكورونا، إلى قرار، وفعلت الأمر نفسه حيال إعانة المخرجين على الاستمرار في تصوير أفلامهم بعد انقطاعها نتيجة الفيروس نفسه. مثلما أن عبدالملك هي التي وضعت خطة "الباس كولتور"، التي تتيح لملايين التلاميذ زيارة معارض وعروض مجاناً. بالتأكيد، لا يمكن نسيان أن عبدالملك، وقبل كل هذه القرارات الثقافية الراهنة، كانت مسؤولة عن تنظيم وتخطيط فعاليات "نوي بلانش" السنوية، التي يجري خلالها عرض أعمال فنية كثيرة طوال ليلة واحدة، وهذه الفعاليات سرعان ما صارت عالمية. 

من هنا، يمكن تفسير ما نقلته الصحافة الفرنسية عن الارتياح، الذي تركته تسمية عبدالملك كوزيرة، في القطاع الثقافي. إذ إن هذا القطاع، الذي لم يتعافَ فعلياً من آثار الكورونا، يبحث عن شخصية رسمية يتحدث معها تستطيع فهم مصاعبه، وليس الاكتفاء بالنظر إليه كقطاع لا يمكنه سوى أنه يكون مصدراً للخسارة. وهو، ربما، قد وجد هذه الشخصية في عبدالملك، التي تعد قريبةً منه، لا، بل إنها، وفي جانب من جوانبه، من صنّاعه. طبعاً، التحدي الرئيسي أمام عبدالملك هو استكمال برنامج إطلاق القطاع، ومواصلة دعمه ورقمنته، بالإضافة إلى جعله مفتوحاً على كل فعل إبداعي جديد، والمحافظة على تعدديته لكي يجذب كل المواطنين، أكانوا تلاميذ أو عاطلين عن العمل. فلا حاجة إلى قطاع ثقافي إن لم يكن قطاعاً للجميع، وأن لم يكن بمثابة حق للجميع، وهذا، على الأرجح، ما تدركه عبدالملك جيداً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها