السبت 2022/05/21

آخر تحديث: 11:27 (بيروت)

11 يوماً في مايو: غزة بصَوت كيت وينسلت

السبت 2022/05/21
11 يوماً في مايو: غزة بصَوت كيت وينسلت
يصنف لما فوق 18 عاماً، بسبب المشاهد المفجعة
increase حجم الخط decrease
في مايو من العام الماضي، شنّت إسرائيل حملة قصف جوي على قطاع غزة، دامت 11 يوماً، وخلفت وراءها 260 قتيلاً بينهم 66 طفلاً. يقدم الفيلم التسجيلي،"11 يوماً في مايو" تأبيناً لهؤلاء الأطفال عبر شهادات مصوّرة من أفراد أسرهم.

وفي سبيل بناء نصب تذكاري سينمائي، يوظف المخرج الفلسطيني محمود الصواف، والبريطاني مايكل وينتربوتوم، تقنية يصفانها بالبسيطة بشكل متعمّد، بغية تسليط الضوء على المأساة التي تعنيها الحرب، بعيداً من سياقاتها والجدالات المشحونة حولها. سلسلة من المشاهد، تبدأ بـ"بورتريهات" أسرية، حيث يقف الجميع في صف في مواجهة الكاميرا، قبل أن ينسحب البالغون وهم يصارعون دموعهم، أو يظهر على وجوههم التيه وهم يحملقون في الفراغ. الأطفال الأصغر سناً، تفلت من أحدهم ضحكة خجل من هيبة التصوير، وفي مرة نسمع أحد البالغين يلقّن واحداً منهم الجملة الأولى، ليعاونه في تعريف الأخ الذي انشطر نصفين في الطريق إلى البيت.

ثمّة شعور بالغرابة في تلك المشاهد، تخشب مصطنع في انتصاب الأجساد أمام الكاميرا. الأكثر طبيعية هي المشاهد خلفها، تلك التي تستمر الكاميرا في تصويرها بالطبع، حين يفقد أنسباء الراحلين رباطة جأشهم فجأة. بين مشهد وآخر، نسمع صوت واحد من طاقم العمل وهو يعلن رقم المشهد قبل البدء في تصويره، تلك اللفتة وغيرها من عناصر كسر الإيهام، تسعى لإقناعنا أن ما نراه هو مادة خام، ومن ثم الاستسلام لصدقه الخشن. 

أبرز الأسماء في الملصق الدعائي للفيلم، اسم الممثلة البريطانية كيت وينسلت. بنبرة ثابتة ومحايدة يروي صوتها تسلسل الأحداث مع تفاصيل صغيرة عن حيوات الضحايا، واحدة منهن تحبّ القطط وآخر كان يهوى لعب الكرة. وتتخلّل تلك القراءة مشاهد مسجّلة لهم، وتدلّ الجودة المتوسطة لمقاطع الفيديو على أنها مسجلة بكاميرات الموبايل، وهذا بعض مما بقي منهم.
 

الفيلم الذي بدأ عرضه في قاعات السينما البريطانية هذا الأسبوع، يصنف لما فوق 18 عاماً، بسبب المشاهد المفجعة التي تصور استخراج الجثث من تحت الأنقاض ولململة الأشلاء والوجوه البريئة بعيونها المغمضة وهي توضع في القبر. تتخلل تلك المقاطع كل قصة بشكل متناثر. ثم تعود المشاهد من البداية بالترتيب نفسه لضحايا آخرين: شهادات الأسرة أمام الكاميرا وخلفها، تسجيلات مرحة للأطفال في الماضي، تعليق بصوت وينسلت، مقاطع مصورة لفاجعة الموت. 

ما يميز الموسيقى التصويرية للفيلم، وهي من تأليف الموسيقى الشهير ماكس ريختر، هو التكرار. البنية "المينيمالية" لجمل ريختر الموسيقية الموجزة، والتي في عوداتها الدائرية لا تصل إلى أي ذروة خارجية، تتناغم مع بنية سردية الفيلم أي نصوص الشهادات الموجزة والمتشابهة مع تتابع المشاهد المتقشفة بصرياً. كل هذا يضع الجمهور بشكل تدريجي تحت تأثير شعور جنائزي غامر في هدوء وممتد بفعل التكرار. 

على مستوى آخر من التقشف، تمارس الترجمة الإنكليزية تعقيماً للمقاطع المسجّلة بالعربية. كافة الإشارات ذات الصبغة الدينية يتم محوها، تصف الأم انفجار جسد ابنها إلى أشلاء ممهورة بـ"الحمد لله"، فلا يتم تضمين دلالة التسليم المربكة في النص الإنكليزي. ببساطة "استشهد" تُترجم إلى "قتل"، وحين يشير الأب إلى ابنه بصيغة "الشهيد"، تُمحى ويوضع مكانها اسم الصبي. بل وفي أحد المقاطع الأولى، يصف واحد من الأطفال المهاجمين الإسرائيليين بـ"الحيوانات"، فيقوم المترجم بوضع الكلمة بنطقها العربي بحروف لاتينية من دون ترجمة.

بحسن نية لا ينبغي التشكيك فيها، يسعى صنّاع الفيلم لتحييد الدلالات الدينية في النص ومحو الإشارات العدائية بشكل مباشر تجاه إسرائيل، بما يضمن تعاطف المشاهد الغربي مع قصص لأناس يشبهونه، وأطفالهم يشبهون أطفاله، ويتكلمون بلغة مألوفة لديه. ولعله ينجح في ذلك، مع رواية كل تلك المآسي بصَوت وينسلت ذي الوقعه المألوف في قاعة سينما أنغلوسكسونية، لكنه ليس بالضرورة صوت غزة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها