الجمعة 2022/05/20

آخر تحديث: 19:20 (بيروت)

وائل سواح.. عرّفني مظفر على عالم القلق المرعب الجميل

الجمعة 2022/05/20
وائل سواح.. عرّفني مظفر على عالم القلق المرعب الجميل
مظفر النواب
increase حجم الخط decrease
متى تعرّفتُ على مظفر النوّاب؟ تفلت هذه الذكرى مني دائماً. أيكون بعد الأمسية النارية التي أحياها في مدرّج جامعة دمشق سنة 1974، فألهب بها السوريين كما كان يفعل بقصائده وإلقائه المسرحي الفاتن؟ أيكون عبر الصديق محمد عنتبلي، الصديق القديم لمظفر؟ أم أن صديقي الشيوعي العراقي العتيق، صالح الكردي، هو من عرفني عليه؟ لا أجزم. لكنني أجزم أن علاقتي به توطّدت لدى عودتي من حمص في خريف 1975. ولعلّ سبب ذلك أنني في واحد من لقاءاتنا قلت له إنني أحب شتائمه، لكني مولع أكثر بقصائده الوجدانية ومطالع قصائده أكثر؛ أحب "القدس عروس عروبتكم، فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟" ولكنّي أحب أكثر 
ألقيت مفاتيحي في دجلة
أيام الوجد وما عاد هنالك
في الغربة مفتاح يفتحني
ها أندا أتكلم من قفلي
من أقفل بالوجد وضاع على أرصفة الشام سيفهمني

وافقني مظفر وقتها، بصمت، ومن دون أن يجيب، لكنه في مناسبة أخرى، قال لي إن كتابة المقاطع الصارخة من قصائده أيسر بكثير من سكب قلبه في قالب على الورق.
عرّفني مظفر على عالم من القلق المرعب الجميل، عن طريقه عرفت أميرة وسوسن شيحا (شقيقتي غياث شيحا الذي كان أعدم قبل أشهر لانتمائه إلى المنظمة الشيوعية العربية)، وعن طريقه عرفت سوسن العابد، الصبية السمراء النحيلة التي تحمل في سواد عينيها عالماً من الأسرار لا قاع له، وعرفني على فاطمة اللاذقاني التي ستصبح بعد عامين زوجتي لمدّة عامين، وستعرف أكثر باسم فادية. وانضمّ إلينا جميل حتمل ونجوى بشور، ومحمد عنتبلي، فيما سيشبه أخوية سرّية، مغلّفة بصوفية شعرية وحسّية، ستأخذنا إلى بساتين حسّان عزّت في الغوطة، وإلى الفج العتيق الذي عمره مليون سنة في معلولا، ولكنها أخذتنا أيضا إلى سراديبَ وكهوفٍ في دواخلنا بدأنا نستكشفها شيئاً فشيئاً، وندهش في كلّ مرّة نكتشف فيها سرّا جديا أو رغبة نائمة. 

لكن مظفر عرّفني أيضاً على الثورة بمعناها الحقيقي. كان يروي لنا تجربته في العراق واعتقاله وتعذيبه ثم هروبه الأسطوري من السجن، فنفغر أفواهنا، في رهبة وإعجاب وتأمل. وعرفني مظفر على تجربة الحزب الشيوعي العراقي – القيادة المركزية، الذي انشقّ عن التيار الرئيسي (الانتهازي للحزب) وقاد ثورة في أهوار العراق انتهت بمذبحة كبيرة واعتقال قائد الحزب عزيز الحاج وانهياره التاريخي.

(*) مدونة نشرها الكاتب السوري وائل سواح في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها