الجمعة 2022/05/20

آخر تحديث: 14:01 (بيروت)

الانتخابات بين من "زمط" بريشه ومن خرج "منتوفاً"

الجمعة 2022/05/20
الانتخابات بين من "زمط" بريشه ومن خرج "منتوفاً"
الانتخابات النيابية في الشوف(المدن)
increase حجم الخط decrease
"زمطنا بريشنا"، قالها الوزير السابق سليمان فرنجية، المرشّح لرئاسة الجمهورية، الذي واكب ترشّح ابنه طوني إلى المقعد الماروني في زغرتا، وقد خرج شبه وحيد بعدما كان ينتظر كتلة. ربّما هي من العبارات القليلة الواقعية التي قالها سياسي لبناني عن نفسه أو تياره، بعد نتائج الانتخابات النيابية، هو اعتراف بواقع الأمور والخاتمة الدقيقة. ربّما انتبه فرنجية، "المخضرم" في السلطة "أبّاً عن جَدّ"، إلى أنّه "لو دامت لغيرك ما وصلتْ إليك"، وانتبه أيضاً إلى أنه في السلطة، الصعود يقابله سقوط، وأن الجدران يمكن أن تتصدّع، رغم كل الزبائنية والخدمات على حساب الدولة، ورغم اعتباره أمين عام حزب الله، حسن نصرالله "سيد الكل"، ورغم الصداقة مع "آل الأسد"...

كان فرنجية على حق أيضاً حين قال "عند البطون تضيع العقول"، فهذا اختبره في الانتخابات، وآتٍ عن تجربة في مراحل سابقة، أثمرت صناعة زعامته، وهو بدا مبرّراً تراجعه هذه المرة بأنه "عمل على العقول بينما الآخرين عملوا على البطون". عند البطون تضيع العقول فعلاً، لهذا رأينا بعض المرشحين المغمورين أو الهامشيين تقودهم العملة الخضراء إلى سدّة البرلمان، ربما سنضحك إذ تأملنا تجاربهم في السياسة وفي الإعلام... سنضحك أكثر حين نعلم أنّ المصرفي الشبيح يصنع النواب ويمولهم، تماماً كما يصنع البرامج التلفزيونية والأفلام. الأزمات المتراكمة في لبنان، خصوصاً الاقتصادية، كانت كافية لتفرغ العملية الديموقراطية من مضمونها، وكافية لتبرر للكثير من الناس أن يبحثوا عن شيء يقيت بطونهم...

زمط نجل فرنجية بريشه، بينما كثر من حلفائه خرجوا منتوفين... أسعد حردان صمت بعد خسارته، وهو طوال وجوده في النيابه كان صامتاً.. قيل إنه من النوع الذي لا يحبّ الكلام، لكنه يحبّ الكرسي إلى "الأبد"، كأنها طُوّبت باسمه، حتى داخل حزب السوري القومي الاجتماعي، لا يرضى بأقلّ من أن يكون رئيساً... حبّه للكرسي أفضى به إلى شق حزبه بين قيادات وفروع وولاءات... سقوط حردان أعاد إلى الواجهة قضية "المناضل القومي" محمد سليم، الذي اتُّهِم حردان بمقتله أو اغتياله في الثمانينيات... بدا أن التاريخ "لا يرحم"، وأن مخزون الذاكرة لا يمكن محوه من الوجدان. ثمّة مَن يقول إن النظام السوري جعل من الحزب القومي ركناً دائماً من السلطة اللبنانية، لخدماته في الاغتيالات والتصفيات، لعل أبرزها اغتيال بشير الجميل.

إيلي الفرزلي الذي كان من أبرز المسوّقين للفدرلة الانتخابية والطائفية والقانون الأرثوذوكسي، خرج خاوي الوفاض ومنتوفاً... كان يتوهّم أنه الركن "الكراكوزي" الذي لا يتزحزح، فإذا به يذهب ضحيّة القانون الذي سوّقه أو سوّق ما هو اسوأ منه... لم تنفع العلاقات الطيبة مع الثنائي الشيعي، ولا التودّد إلى جمهور "المستقبل" ولا الدبكة ولا أشعار المتنبي ولا الهوى السوري ولا التهديد والوعيد للمُتظاهرين في الشوارع...

فيصل كرامي أيضاً في طرابلس، أعدّ العدّة بعد انكفاء تيار "المستقبل" ليكون زعيم كتلة نيابية فخرج منتوفاً، تلك الصناديق التي انتظرها طويلاً لم تسعفه في تسلّم "النمرة الزرقاء". لم تنقذه الخدمات ولا الوراثة السياسية.. وئام وهاب كان يعتبر أن ضعف تيمور جنبلاط في إطلالاته الإعلامية سيمكّنه من إطاحة الجنبلاطية... كان يعتقد أن "الجاهلية" مقابل "المختارة"، باتت أمراً واقعاً، بفضل الله ورعاية حزبه، فخرج منتوفاً وشاتماً أبناء جلدته وشاعراً بـ"طعم" الخيانة وما سماه "الغدر".

طلال أرسلان اعتاد أن يترك له جنبلاط مقعداً شاغراً، من باب المصلحة الدرزية، وهو يطمئن إلى ذلك، باعتباره من مؤيدي سياسة "الأبد الأسدي"، ومن مشجعي جلسات المتّة في السياسة، لتكون الخاتمة أيضاً السقوط المريع، وسقط معه قريبه المصرفي مروان خير الدين. الجامع بين خسارة هؤلاء، أن خسارتهم شكلت مصدر سعادة للناس، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، وبغض النظر عن الكثير من الأمور. لكن خسارتهم لا تعني أن أزمة لبنان وُضعت على سكة الحل، ولا تعني أن الدولار سيهبط. ولا أن التغييريين يملكون المفاتيح السحرية التي تأخذنا إلى بر الآمان.

لا يتعلق الأمر برموز سوريا فحسب، سمير جعجع الذي يريد زيادة رصيد زعامته من خلال زيادة عدد نوابه، عاش سَكرة الفوز في توسّع كتلته، قبل أن يتلقّى صفعة في عقر داره ويخسر نائباً عن منطقة بشري... زاد عدد نواب كتلته، فأطلق تصريحات سياسية مستعجلة، وكان المؤشر الى معركة وهمية حول رئاسة مجلس النواب. أما منافسه جبران باسيل، فيكابر على الهزيمة، يبحث عن نائب من هنا ونائب من هناك، يريد عدداً، إلى جانب عطايا "حزب الله"، باعتبار أن النيابة، وبعدما كانت تحت مسمى "حقوق المسيحيين"، تحوّلت مجرّد عدد أو شيك للاستعمال الشخصي، وتلقى باسيل صفعة في عقر داره أيضاً وحلّ ثانياً في الأرقام... وخسر النائب الأعجوبة زياد أسود في جزين. جبران بات يظن نفسه قطباً ممانعاً في مواجهة أميركا وإسرائيل والحلف الأطلسي.

والذين أرادوا وراثة فراغ اعتكاف الحريري أو الحلول محلّه، تلقوا صفعات... رفع فؤاد مخزومي شعارات "بيروت بدها قلب"، وأطلق كل العبارات الرنانة ضد حزب الله... توهّم أن العنتريات تلبّي شغف الجمهور البيروتي، وأغدق الكثير على ماكينته الانتخابية. ظنّ أنه يستطيع حصد مجموعة من المقاعد، في المحصلة بدا أن حجمه النيابي لم يتغير. ولم يختلف الأمر مع "الأحباش"... الرئيس فؤاد السنيورة الذي أتى بنيّة طيبة ليقود الدفة السياسية لدى الطائفة السنّية، خسر بقوة، رغم لقاءات السفراء وخُطَب دار الفتوى والعائلات، لم ينتبه إلى أن الناخبين ليسوا ركاب سيارة يمكن تبديل سائقها بسهولة...

شربل نحاس تصرّف وكأنه حالة جماهيرية على امتداد الوطن، عشرات المرشحين من هنا وهناك، من دون أي حيثية شعبية وحتى من دون مندوبين. وفي المحصلة كان هوبرة كلامية خارج الواقع، يشبه "زعيم الجمهورية الثالثة" الذي يتوهم أن النيابة إعلانات مدفوعة في محطات التلفزة أو لافتات ضخمة على أبواب بيروت وطرابلس.

حزب الله تلقى صفعة أيضاً... خسر الأكثرية التي كان يعتبرها استفتاء على السلاح والنهج والمشروع، وانتبه إلى أنه، رغم التحشيد واعتبار الانتخابات "حرب تموز" جديدة عليه، ورغم عراضات المازوت الإيراني وتعاونيات النور وبطاقات سجّاد والقرض الحسن، ورغم الترهيب والترغيب في بعلبك الهرمل، تراجعت نسبة المقترعين في عقر داره، وهذا مؤشر على الاعتراض المكتوم ضده. وخرج أمينه العام ليعطينا درساً، أو ليكتشف بأن شعارات "شيعة شيعة" استفزازية، وفي الوقت نفسه أتحفنا بأن لديه "الأكثرية الشعبية"، فيما كان مِن قَبل كان يصف الأكثرية النيابية بـ"الأكثرية الوهمية". واذا أردنا أن نتحدّث عن أكثريات، تكون النتيجة أن الأكثرية الصامتة هي الأكثرية الحقيقية، والصمت في جوهره يأتي قرفاً من الواقع المعاش... في المحصلة، الحزب الذي قوامه السلاح والمليشيات وبعض الإعلاميين، لا يعترف بنتائج الانتخابات...

في المختصر، سَعِدنا بالانتخابات النيابية لساعات، رأينا ما تفعله الديموقراطية عموماً، فهي تطيح خبيراً قانونيّاً مثل خالد قباني، وتأتي بعشرات من شبيحة الحرب الأهلية... والقانون المسخ قد يحرم من لديه عشرة آلاف صوت ويأتي بمن يجمع أقل من 100 صوت... سعدنا قليلاً بإطاحة وجوه صنَمية، وعدنا إلى واقع الأزمة، نتأمل حياتنا المنتوفة، سواء سعر البنزين أو الدولار أو الخبز المهدّد أو الكهرباء أو أي شي آخر، ونحن على يقين بأن تبديل بعض الوجوه في مجلس النواب لن يبدّل بالضرورة في واقع الأزمة، فلبنان يحتاج تسوية كبيرة تماماً كما بعد حرب 1958 حين أتى فؤاد شهاب، أو بعد الحرب الأهلية (1975 -1990) حين أتى رفيق الحريري. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها