الخميس 2022/05/19

آخر تحديث: 11:39 (بيروت)

15 أيار والبعط الحزبللاوي

الخميس 2022/05/19
15 أيار والبعط الحزبللاوي
الانتخابات النيابية الجنوب(المدن)
increase حجم الخط decrease
ما أن أخذت نتائج الانتخابات بالصدور حتى عمد النائب محمد رعد إلى إطلاق خطاب تخويني، ضد كل الذين قد يناوئون سياسة حزبه في البرلمان الجديد، مختزلاً في ذلك المرحلة المقبلة، ومبشّراً اللبنانيين باستكمال سرديته المملة والممجوجة والمدججة بالصواريخ والمنابر واللعلعة والأصابع. من النافل أن كلام رعد لم يكن محل مفاجأة من قِبل أي من المتابعين، فالرجل خارج هذا السياق من القول، لا وجود له في الحياة السياسية في لبنان، منذ بداياته الأولى حتى إطلاقه هذا الكلام.

إنه نمط من البعط اللساني الذي لا يني يزداد مع كل شعور بالخطر يداخل ذهن حزب رعد حتى لو كان خطراً متوهماً. لا ريب أن هذا البعط قد يتجاوز حواف اللسان وينتقل إلى دائرة الفعل، كما شاهدنا مراراً، منذ القمصان السود، وصولاً إلى غزوة عين الرمانة مروراً بأيار 2008، وقد يكون الآتي أعظم. فهذا الحزب، حتى عبر أمينه العام، لا يستلّ كلمات خطابه من قاموس شاسع المصطلحات، من معجم لا متناهي العبارات، بل تراه يركن إلى عبارات قليلة أقصى ما يفعل قادة هذا الحزب حيالها هو تبديل أمكنة كلماتها. حتى، وإن اتخذت هذه العبارات صورة البيان لدى البعض، أو الشعر لدى حكوَجِية الحزب، أو الهذر اللفظي لدى جماعته من الجيوستراتيجيين، فهي دائماً وأبداً لا تتعدى أن تكون سيولة لفظية لصواريخ الحزب وما يتاخم هذه الصواريخ من قيل وقال. لا أخال أن لبنانياً واحداً ينسى تلك الصواريخ القولية التي كان يوجهها نصرالله مع البدايات الأولى لثورة 17 تشرين، ثمّ تجسيد هذه الأقوال عبر الدراجات النارية وصولاً إلى قلع العيون، ومع هذا لم يتجاوز الأمر أن يكون بعطاً، إذ مع أول فرصة تغيير...

وبصرف النظر عن كل طحن الكلام وعجيجه الفايسبوكي، وزحمات وسائل الميديا والإعلام ومعمعاتها، ثمّة كتلة من التغييريين طحشتْ عبر الناس إلى قلب مجلس النواب، بما لم يكن في الحسبان. وطالما أننا نتناول الكلام وتوظيفاته، فلا بأس في الإستئناس بواحد منن أفنوا عمرهم بتعقّب أثر الكلام؛ يقول رولان بارت: ليس النظام الفاشي هو من يمنع الناس عن الكلام، بل هو خصوصاً من يدفعهم إلى الكلام. 

المعادلة بسيطة: إن تخوين "حزب الله" للآخرين واحتضانه لودائع آل الأسد، منذ "الطائف" حتى اليوم، واستباحته الآمنين العزّل في بيروت والجبل وعين الرمانة، واختصاره الحياة في لبنان عبر جعل هذا "اللبنان" ورقة في لعبة مفاوضات لا شأن للبنانيين بها، ثمّ تعطيله تحقيقات انفجار المرفأ، كل هذه العوامل وغيرها أرْخَت بثقلها فوق الناس ودفعتهم للكلام، دفعتهم لقول ما لا طاقة للفاشيات بالإجمال على احتماله. فترِكَة آل الأسد تهاوت داخل صناديق الإقتراع، بيروت قالت كلمتها وكل خطابات التخوين وإلصاق الصهينة والعمالة بالآخرين، لم تتجاوز كونها بعطاً ببعط.

قد لا يستوي الحاضر مع من يظنّ بنفسه امتلاك هذا الحاضر، فيعمد عندها إلى تكسير الأبواب وهو ما قد نشهده في المقبل من الأيّام. قد يكون هذا الحزب ظنّ أنّ صمت الشعب اللبناني عقب الإنقضاض على 17 تشرين، سيزاوج هذا الصمت مع النسيان، لتأتي النتيجة بما فاق توقعات الحزب وكل جهابذته من المحللين. ربما هو فائض الغرور، وقد دفع بهذا الحزب إلى الظن بإمكان الإستحواذ على المستقبل طالما أن الحاضر في الجَيب، إنه الغرور الذي يسوّق أكثر الخطابات متانة إلى دائرة البعط، مجرد بعط. 

ربما نحن في لبنان في خضم معركة جانبية بين الكلمات، كلمات مقيّدة بحدود الرصاصة والصاروخ، وكلمات أخرى لا حدود لها ولا سقف. أبدتْ نتائج 15 أيار أن صناديق الإقتراع تضج معظمها بذكريات 17 تشرين... لم يخطر في بال هؤلاء، أن الذاكرة أكثر ما ترنو إلى الوراء أثناء سيرها إلى الأمام. نعم، قد يدفع فائض الغرور إلى الظنّ بأن التحكّم في الزمن مباح، وأن رسم حدود الذاكرة يشبه رسم خريطة الحروب في أصقاع الأرض. لم يفطن هؤلاء إلى أن ذاكرة اللبنانيين تُراكِم يومياً ما لا تراه حتى "بصيرة" أمينهم العام. 

قد لا يكون المستقبل القريب هيّناً، ومن السذاجة في بلد مثل لبنان، التبجّح بامتلاك ناصية التنبؤ حيال التوالي من الأشهر والسنوات، بيد أن ثمة لحظة لا بأس أن نقاربها، أقلّه كخدش في المرآة التي ما انفك هذا الحزب يتأمل "جبروته" عبرها. فلبنان، هذا البلد المعلّق على الدوام، مِن سابِع المستحيلات البتّ في شأن مستقبله، إنما، ومن وجهة نظر استطيقية، وبالضدية مع خطاب البعط المتفشي في الأنحاء، لا بأس في تأمل جمالية سقوط الأوهام. لست أدري ماذا يليق بهذا البلد موضوعياً كي يركن إلى الاستقرار. إنما، وهي عبارة أحبها كثيراً، "حتى الغربان على أطلال الخرائب يمكن أن تكون مشهداً رائع الجمال" (باسكال). 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها