الثلاثاء 2022/05/17

آخر تحديث: 19:03 (بيروت)

عملاؤنا في الداخل

الثلاثاء 2022/05/17
عملاؤنا في الداخل
النائب المنتخَب في بيروت، ابراهيم منيمنة، قبيل مؤتمره الصحافي الأول في ساحة الشهداء (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
...أما وقد فرحنا واغتبطنا لمجرد نجاحكم، لمجرد أننا استطعنا إيصالكم إلى بوابة البرلمان، رغم كل التضييق والتجييش والتزوير والترهيب، ولأننا نعرف كثراً منكم من قرب، ومصطلحاتنا مشتركة، وتمكنّا بأصواتنا وبِكُم أن نصفع الديناصورات ولو قليلاً على جلودهم السميكة... فقد بدأت اليوم عوارض "اليوم التالي"، ومعها أسئلة كثيرة. ليس لإحباط العزائم ولا السعادة الغامرة. بل بالعكس، بسببها ومعها ومن أثرها الجميل الذي يبدو أن بعضه المعتبر باقٍ، لن يتلاشى.


السؤال الأول عن عددكم، كنواب "تغيريين"، مستقلين، آتين من ساحات 17 تشرين والمجتمع المدني والمجموعات السياسية الطازجة. كم نائباً ونائبة أنتم؟ تختلف اللوائح التي نتناقلها في ما بيننا، نحن الذين اقترعنا لكم في وجه أحزاب السلطة وزعامات الطوائف والتاريخ العفن. تختلف الأرقام. 12، 13، 15؟ هل نحتسب معكم وجوهاً قديمة، في السياسة والبرلمان، لكنها اصطفت مع الثورة، أم لا نفعل؟ هل نحتسب معكم مَن خرج وإياكم "في الثورة" وراكَمنا عليه ملاحظات ومآخذ وشكوكاً لا يُستهان بها؟ هل نعدّكم كي نحصيكم ككتلة واحدة؟ أو بضع كُتل؟ ومَع مَن؟ أم نعدّكم لنُرقّمَكم أفراداً، أصواتاً اعتراضية من الداخل، متدافعة كجسم مَرِن بلا رأس باتجاه أهداف مشتركة، لكم ولنا؟ المؤكد أننا، إذ نعدّكم بيَد، نحمل في اليد الثانية خرزة زرقاء وتعاويذ الأمهات، كي لا تطير برَكة هذا الإنجاز. إنجازنا وإنجازكم. لكن الأرقام تبدو، اليوم، جزءاً من برامج ما بعد الانتخابات، وبأدائكم سنستكمل عدّكم ككمالة لأصواتنا في الصناديق.

نتساءل أيضاً في ما بيننا: كَم منكم سيناطح المصارف؟ كَم منكم مع المودعين بحقّ؟ وكيف؟ وبأي ثمن وطريقة؟ ورياض سلامة؟ كيف ستقاربون التفاوض مع صندوق النقد؟ أي "إصلاحات" ستناصرون؟ أي تصوّر عن مخارج للأزمة الاقتصادية؟ وملف انفجار 4 آب؟ وملاحقة الفاسد إلى باب الدار، ولو فقط بالكشف والتعرية؟ كَم منكم، وبينكم نساء، سيحمل، بجدّ، ملفات الأحوال الشخصية والتمييز الجندري؟ الزواج المدني الاختياري؟ قانون الانتخابات؟

هذه أسئلة لم تُحسَم قبل الانتخابات، وربما كان يُفترض بها ذلك. لكن معركتنا ومعركتكم كانت شرسة ومهيبة. اتفقنا على العناوين العريضة وكانت كافية فيما تتكسر النصال على النصال. الآن، حان وقت التفاصيل التي تتجاوز عبوركم بوابة ساحة النجمة، أنتم الذين كنتم تتلقون الرصاص واللكمات والمقذوفات الحادة خلف تلك الأبواب، من جهة الشارع.

وفي هذه الأثناء، ما زال يثلج قلوبنا، وسيفعل ذلك لوقت غير قصير، تخيُّل المشهد: فراس حمدان يعبر البوابة، نائباً، مع الشظية اللعينة التي كادت تُسكت قلبه. سيّرن جرس "كاشف المعادن"، إن كانت الماكينة ما زالت تعمل، وسيضحك فراس، وعلي مراد، وسنقهقه معهما، وسيتجهّم حرس المجلس. ثم سيجلس كل في مقعده، فراس وميشال دويهي وابراهيم منيمنة وآخرون وأخريات، وسيشعر "زملاؤهم" المتقادمون تحت القبّة بحُكاك مُضنٍ... يا للمتعة والجمال.

بلا أوهام سنتابعكم، أنتم الـ12، 13، 15... ليس على عاتقكم إسقاط النظام من داخله، ولا نزع سلاح المليشيات، ولا إحياء الليرة وهي رميم، ولا حتى قيامة الدولة بقضها وقضيضها أو اجتراح أسحار تنهي أزمة تعود بجذورها عقوداً. لكننا سنحاسبكم وننتقدكم، مثلما سنشدّ على أيديكم ونؤازركم، كلما احتجتم، في الشارع والإعلام وكل فضاء نناله. والأرجح أننا سنزداد تأييداً وحماسة لبعضكم، أكثر من بعضكم الآخر. عن بعضكم، دون بعضكم الآخر، سنقول مهنئين أنفسنا: كنا على حق. وفي كل الأحوال سنتلذذ بأنه يسعنا أن نخاطبكم بلُغتنا، وستفهمونها، وستردّون بمثلها. لغة القانون والمواطنة والدولة، بجدّية من يَعني ما يقول، لا بهزل الرطانة والإنشاء والترميزات النتنة. لغة حقوقنا وواجباتكم. هذا التمرين كافٍ لفرحة اليوم، والتأمل في الغد.

وإن لم ننتظر منكم الإتيان بأعاجيب، فلن ننحدر بتوقعاتنا دون مستوى الخطاب. خطاب سياسي جديد يجب أن يظهر في نشرات الأخبار والصحف والسوشال ميديا. ستحررون الخطاب السياسي، كما تفعل المقاومة الحقيقية، كما يفعل الصحافيون بمقالات وأخبار لتصبح صالحة للنشر. وستفعلون ذلك من داخل الكهف الذي أُغلِق قرناً على أهله... والآن دحرجنا وإياكم حجَر الكوّة. كنتم وكنّا نهتف ونكتب، نغنّي ونؤلف ونحلّ ضيوفاً مُعلّقين. انتهينا. الآن، تراقبون مصانع السلطة واقفين على خطوط إنتاجها. أنتم "عملاؤنا" في الداخل. "الأخ الأكبر" المعكوس، بتفويض معكوس، من تحت إلى فوق. ستراقبونهم في البرلمان والحكومة، في الرئاسات الثلاث وكل لجانها مجالسها وأقبيتها. ستندسون الآن فعلياً بينهم كي تستحقوا تهمة رمَوكم ورمونا بها، وقررنا أن نمتلكها ونحترفها في وجوههم. هذا، لا بدّ، سيُراكِم، بعد سنوات، بعد عقود، لا يهم. يكفي أننا بدأنا بعدما كنا حائرين من أين نبدأ، يائسين من فكرة أنه يمكننا أن نبدأ.

سبق أن عوّلنا على أغلبيات في البرلمان. لكنها كانت الأحزاب التقليدية، تتناطح، ومن دِهنِها تستسقي. ساوَمت وعقدت تسويات وخذلت ناسها. حتى مَن كانوا يومها مشكّكين، لم يقاوموا غواية الآمال، وأُحبطوا. لم ننسَ أن السلطة لا تدافع عن نفسها بأدواتها فحسب. ليس فقط بالتعطيل وألاعيب التشريع والميثاقية وتشارُك المَغانم. بالأمن أيضاً، تقاتل. بالجرائم المقيدة سلفاً ضد مجهولين، بكواتم الصوت والمتفجرات والأسلحة المتوسطة، بالملاحقات المسمّاة قضائية، عسكرية ومدنية وجنائية، وبشبّيحة الأزقة... "الأهالي العفويين" والإشكالات "الفردية".

لستم سوبر رجال ونساء، قدراتكم ليست خارقة، نعلم. لكن مشاغباتكم التي نتطلع إليها في ملاعبهم، ستزعجهم، وهذا مكسبنا الأول الآن قبل ترقّب التالي على غرار ما يهتف الجمهور مُطالباً هدّافه المفضل. بل إن تفويضكم الجديد يخولكم حيازة صافرة غير تلك التي في يد الحَكَم، فلا تدّخروا نَفَساً... 12، 13، 15 نفَساً... ففي النهاية هي معركة النفَس الأطول.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها