الأحد 2022/05/15

آخر تحديث: 08:17 (بيروت)

ثقبٌ أسود في إرادة العلم

الأحد 2022/05/15
ثقبٌ أسود في إرادة العلم
increase حجم الخط decrease
انتشرتْ منذ بضعة أيام صورة للثقب الأسود في مجرة درب التبانة، وقد أُطلق عليه اسم "ساغيتاريوس إيه ستار". هذه الصورة تعدّ الاولى لهذا الثقب، وقد رافقتها معلومات عنه تتعلق بحجمه الذي يفوق حجم الشمس. 

كان لهذه الصورة وقعها الاعلامي، الذي يرتبط بدايةً بكونها تكشف عما لا يمكن كشفه، لا بالعين المجرّدة بالطبع، ولا بأي آلة بمفردها. إذ إنها التقطتْ بفعل تضافر جهود آلية متعددة، وهذا التضافر يعني تكرار محاولة رصد ذلك الثقب مرات تلو المرات إلى حين تعيينه. ولكن، ذلك الوقع لا يتعلق بكون الصورة قد قدّمتْ لنا ما يصعب علينا ان نتخيّل شكله فحسب، بل، وايضاً، هي دليل على قوة العلم، الذي لا يترك اي سر أو لغز يستعصي عليه. فهذا العلم ينطوي على إرادة جعل كل شيء معروف، ومرئي، ومفهوم، ومحدّد، كما لو أن ترك بعض الاشياء بعيدة المنال، قاتمة، مجهولة، ملثمة، ولا مظهر لها، هو أمر صعب عليه، أو بالأحرى هو أمر لا يمكن له أن يتحمّله. فالعلم يبرز قوته بالذهاب إلى إفشاء كل ما هو غامض، إلى فك غموضه، أي الإطاحة بإبهامه ليصير جليا وواضحاً للغاية.

ارادة العلم هذه، ترتبط بديناميكيته وبما يسمى في العادة نسقه، وفي الوقت نفسه، هي ترتبط بدور له، أو على الأقل تحجز له دوراً معيناً، وهو تخفيف الخشية الإنسية لكل ما يمكن أن يحمل عليها، أي الغامض، الملغز، والمجهول نفسه... فدور العلم هذا أن يتخلّص من الخشية، ان يقضي عليها. ما يدفع إلى القول إنه لا ينجح في ذلك بالتمام والكمال، على العكس، فالخشية تبقى موجودة، أما، من ناحيته، فيواظب على مبتغاه حيالها من خلال الذهاب أكثر فأكثر في إماطة الحجاب عن كل ما لم يكشفه او يفسره بعد. كما لو أن تلك الخشية هي ظرف أو شرط اشتغاله، بمعنى أنه، وفي حال تلاشت، يتوقف عن تطوره. فعليا، يمكن الاشارة إلى أن انتقاله من طور إلى طور يتعلّق بزيادة تلك الخشية، بترحابها، الذي يصعب عدم الاعتقاد بأنه لا يشارك فيه، ولو بطريقة مواربة. فماذا يعني القضاء على كل غامض، على كل ملغز، على كل مجهول، والوعد بالغائهم، سوى افلات للخشية من عقالها، لكي لا تعود من دون هذه الخانات، التي تتألف كمواضيع لها من دون أن تكون كذلك؟! فإرادة العلم هي إرادة الإنتهاء من هذه الخانات على أساس أنّها ما تودي إلى الخشية، الا أنّها، في الواقع، هي تؤمن لها مصدر وموضوع في حين أنها من دونهما. بعبارة أخرى، الإنتهاء من هذه الخانات هو ليس انتهاء مما ينتج الخشية، انما مما يمسكها إذا صح التعبير، أو ما يجعلها قليلة الأثر، وبالتالي، الإنتهاء منه هو جعلها: تنتقل الى غيره، او تنوجد بفجاجة.

على ان ما تشير إليه صورة الثقب الأسود، وبالبعيد من وقعها، أو من الاحتفاء بها، هو كون ارادة العلم ليست بلا حد. خلاف ذلك، فحتى لو أعلن هذا العلم أنه حقق ارادته بالتقاط الثقب الاسود، وجعله مصوراً، فهذا التحقيق بدا أنه ليس بدقيق. إذ إن الصورة تلك لا تشتمل على الثقب الأسود، إنما على الانبعاثات الغازية التي تحيطه. بالتالي، الثقب ليس في صورته، التي حملت اسمه، بل خارجها، في محله، الذي لا يمكن التقدّم منه، ما يعني أنه يشكل الحد الذي لا يمكن للعلم تخطيه. كما لو أن ارادة هذا العلم قد انكسرت على هذا الحد، عند هذا الثقب، فنفت ذلك بتصوير محيطه، مشيرة إلى أنّه هو بذاته، الأمر، الذي يشبه الإشاعة عنه. فعندما لا يقبل كشف كبير انه لا يستطيع ان يكون كشفاً مطلقاً، وحين لا يقبل أن إرادته، ومهما كانت قوية، هي محدودة، ينطوي، وفي جوانب منه، على خبر مزيف!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها