السبت 2022/04/09

آخر تحديث: 12:42 (بيروت)

"شبحية" الأطفال السوريين في أوروبا وضياعهم

السبت 2022/04/09
"شبحية" الأطفال السوريين في أوروبا وضياعهم
increase حجم الخط decrease
خلال الحرب الأهلية في لبنان (1975–1990) أقدمتْ عائلات أجنبية، معظمها من أوروبا على وجه التحديد(هولندا، فرنسا، السويد، إيطاليا وألمانيا...)، على تبني أطفال لبنانيين لأسباب متعددة، وقدرت جمعية "بدائل" عدد هؤلاء الأطفال بـ10 آلاف، وبعد سنوات على انتهاء الحرب، خاض بعض الذين تم تبنيهم رحلة بحث شاقّة للتواصل مع ذويهم وأنسبائهم، وتحولت سيرهم نقطة جذب لوسائل الإعلام والبرامج الإجتماعية "الدرامية"، وكل شخص من هؤلاء، قصته أشبه برواية، خصوصاً أنها ترتبط بالحرب وأيامها وعواصفها المقيتة...

ومنذ انشائها في العام 2013، كانت جمعية "بدائل" جمعت أسماء 2700 شخص جرى تبنيهم خلال فترة الحرب الأهلية ويبحثون اليوم عن عائلاتهم البيولوجية، فضلاً عن أسماء أمهات يبحثن عن أطفالهن، وبالتأكيد زاد العدد. ويتردّد في هذا السياق أن ثمّة مافيات تجارية ومسلحة استغلت فرصة تصدّع الدولة اللبنانية وتلاشيها خلال الحرب، وتاجرت بالأطفال، حيث كانت تبيع الطفل اللبناني لعائلة أجنبية بألف دولار أميركي كحد أدنى. وظل هذا "السعر" مرهوناً بالظروف المالية للراغبين بالتبنّي. كما أن ثمّة عائلات لبنانية، باعتْ بنفسها أطفالاً منها... وتراجع هذا النمط من عمليات التبنّي في لبنان مع انتهاء الحرب الأهلية، وكان النزاع في سوريا قبل سنوات أعاد القضية إلى الواجهة.

وتوقعت الناشطة زينة علوش أن يأتي اليوم الذي يخوض فيه لاجئون سوريون رحلة البحث ذاتها. وهذا ما حصل ويحصل، وسنراه في السنوات القليلة المقبلة. وثمة تقرير يعطي إشارة خطيرة عن واقع الأطفال السورييين، فقد نشرت الحكومة النمسوية تقريراً، عن اختفاء ما يقرب من 4898 طفلاً –بينهم مئات السوريين- ممن تقدموا بطلبات لجوء خلال 2021 من دون صحبة ذويهم. "سوريا الأسد" لا تبدو معنية بفقدان أي طفل سوري في أوروبا، والحكومة النمسوية ليس لديها علم بما حدث لـ4898 من المفقودين، وهذا يعني أن 78 في المئة من الأطفال اللاجئين الذين وصلوا إلى النمسا العام الماضي، مفقودون، وفقاً لموقع "مهاجر نيوز"... وبحسب التقرير، الأرجح أن عدداً كبيراً من الأطفال سافر إلى أقارب في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ما يعني الانضمام إلى أفراد الأسرة في الدول الأوروبية الأخرى عبر السفر بطرق "غير قانونية"، ومن المحتمل أيضاً أن يكون بعضهم قد وقع ضحية الاتجار بالبشر. وكانت ألمانيا أطلقت على اختفاء الأطفال السوريين اسم "الطفل الشبح"، والسنوات المقبلة ستكشف سير آلاف منهم، الذين يتم تبنّيهم في أوروبا، أو يتعرضون لعمليات خطف أو يُباعون...

وكانت جريدة "تايمز" البريطانية، العام 2016، أوضحت أن عدد الأطفال السوريين اللاجئين خارج سوريا يبلغ عددهم نحو ربع اللاجئين الموزعين على مخيمات اللجوء في كل من الأردن وتركيا ولبنان. وأشارت إلى أن "العديد من هؤلاء الأطفال يعانون الصدمة، كما أنهم توقفوا عن تلقي تعليمهم"، ووصفتهم بأنهم "جيل ضائع". ووفقاً للصحيفة، فهؤلاء الأطفال إما أن يكونوا قد فقدوا أهلهم خلال رحلتهم عبر البحر إلى أوروبا، أو ضاعوا منهم خلال انتقالهم من بلد لآخر في أوروبا، أو يكونوا قد أرسلوا من قبل والدين يائسين غير قادرين على إطعامهم. هكذا "أنتجت" الحرب السورية مئات آلاف القتلى والجرحى، وملايين اللاجئين والنازحين والمشرّدين والضائعين والمخطوفين والمفقودين...

قضية الاختفاء و"الطفل الشبحي" وضياعه ليست جديدة، فهناك عشرات التقارير حولها، وهناك ما هو أخطر ويتجلى في الخطف. ففي السويد قبل سنوات قليلة، وجد آلاف الأطفال بالتبني أنفسهم في رعاية أسر أخرى غير أسرهم البيولوجية، لكن المشكلة تعود إلى أن هولاء الأطفال لم يتم تبنيهم كونهم بلا عائلة… وإنما لأنهم سرقوا من عوائلهم في بلدان أخرى(أميركا الجنوبية وبلدان أفريقيا) وتم إحضارهم للسويد. ووفقاً للتقرير الذي رُفع للحكومة الأسوجية، تمّ تبنّي مئات الأطفال في السويد خلال سنوات وعقود سابقة، بشكل غير قانوني، حيث أن الأطفال ليسوا أطفال من دون عائلة بيولوجية. وتبنت عائلات اسوجية ما يقرب من 60 ألف طفل من أكثر من 100 دولة.

وكانت صحيفة "الغارديان"، كتبت عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في حق الآلاف من الأطفال التشيليين، من خلال أخذهم عنوة من ذويهم وإرسالهم للتبني بشكل غير قانوني في أوروبا والولايات المتحدة، على مدى عقود في القرن الماضي. الأمر نفسه في هايتي بحسب قناة "الحرة"، إذ لجأت شبكات الاتجار بالبشر، الى إقناع الفقراء بإيداع أبنائهم في مراكز لمساعدتهم، ثم تهربهم إلى أوروبا حيث يتم تبنيهم. وفي العام 2019، اعترفت إسرائيل بإقدامها على إرسال عشرات الأطفال من أصول فلسطينية للتبني في دول أوروبية، في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ليس فقط بشكل يتنافى مع المواثيق الدولية، وإنما مع قوانين التبني المعمول بها في إسرائيل التي تواصل التكتم على الملف وحيثياته... وهنا القضية لها أكثر من وجه، فمن جهة اسرائيل تعيش فوبيا الإنجاب الفلسطيني، ومن جهة أخرى تعيش أوروبا مأزق شعوبها التي تتفادى الإنجاب، وهي أمور متداخلة فيها الكثير من التعقيد، اذ أظهرتْ التقاير أن القارة العجوز يتناقص عدد سكانها بشكل لافت، ولهذا يتخوف كثرٌ من تغيير "هويتها" في المستقبل. ويتعاطى بعض الأوروبيين مع الأطفال وكأنهم مادة خام يمكن استيرادها من العالم الثالث، ودفع ثمنها..

وقبل قصة تبني الأطفال اللبنانيين، وشتات الأطفال السوريين وشبحيتهم الأوروبية، كانت قضية بيع، أو اختطاف، أو اختفاء أطفال اليهود اليمَنيين الذين هاجروا إلى اسرائيل مطلع خمسينات القرن الماضي، واحدة من أقدر القضايا على كشف تعقيدات العلاقة الاستعلائية بين المستوطنين اليهود الأشكناز في فلسطين، وبين اليهود العرب الآتين من العراق والمغرب واليمن وغيرها من الدول. وشارك في العملية "ليس فقط موظفو الوكالة اليهودية والوزرات، بل أيضاً الأطباء في المستشفيات". وأوردت دراسة أعدتها باحثة اسرائيلية، إن عدداً من هؤلاء الأطباء حاول إقناع ذوي الأطفال بأن يتنازلوا عن أطفالهم، بحجة أنهم ينجبون عدداً كبيرة من الأطفال من دون أن يجروا حساباً لنوعية عيشهم، وأن أطفالهم يتربون في بيئة فقر وعجز. فلماذا لا تعطونهم لعائلات يهودية ميسورة، حُرمت من الأطفال بسبب المجرم النازي، فيعيشون في بيئة غنية مرتاحة؟".

وقد عانى يهود اليمن الأمرّين من التمييز العنصري والمعاملة الاستعلائية إزاءهم من اليهود الأشكيناز (أصول أوروبية)، المسيطرين على الحكم في إسرائيل وفي الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية. وقد اتضح أن الأطفال، الذين جلبهم ذووهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، كانوا يُخطفون ويُباعون إلى عائلات ثرية من الأشكيناز، بمعرفة الأطباء، الذين كانوا يبلغون الأهل بأن طفلهم مات، من دون أن يمنحوا شهادات وفاة أو شهادات دفن أو يسمحوا لهم برؤيتهم. ظاهرة كتبت عنها صحيفة "هآرتس" وقتها: "تتوجه العائلات إلى السوق السوداء من أجل تبني طفل".. و"يرغب الأشكنازيون في تبني أطفال شُقر، لكنهم يضطرون للاكتفاء بالسود، ببساطة، لأن هذا هو الموجود". واكتشفت العائلات أن أطفالها لم يموتوا في حينها بل خُطفوا، وذلك بعد مرور 18 سنة على هذه الحوادث، عندما بدأ الجيش الإسرائيلي يرسل لهم أوامر للالتحاق بالتجنيد. عندها، أدركوا أن أولادهم أحياء. هذه حالنا الكونية...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها