الإثنين 2022/04/04

آخر تحديث: 13:14 (بيروت)

اللون كلغة... بين إيتيل عدنان الداهية وفان غوخ المأسوي

الإثنين 2022/04/04
increase حجم الخط decrease
في أعمالها الإنتقائيّة، غالباً ما كانت ايتيل عدنان تنطلق من المناظر الطبيعيّة التي أحاطت بها، أو تلك التي سكنت ذاكرتها وراقصت مُخيلتها. وقلائل عرفوا أنها كانت تستلهم قصصها المرئية مينيماليّة الطلّة، من لوحات رسّام مأسوي استمتع بتعذيب نفسه ولم يتمكن يوماً من أن يجد السعادة أو أن يبني علاقات مُسالمة مع مُحيطه. خلافاً لها، هي التي عشقت الحياة وكانت بوصلة الأمان لكل الذين خافوا من طبيعتهم وترنّحوا على إيقاع خيباتهم المُتتالية.


بالنسبة للكاتبة والرسّامة والشاعرة السوريّة اللبنانيّة الأميركيّة الراحلة، إتيل عدنان (24 شباط 1925 – 14 تشرين الثاني 2021)، فإن الهولندي فنسنت فان غوغ (آذار 30 1853 – تموز 29 1890)، والذي يُعتبر أحد أبرز الإنطباعيّين، كان أول فنان تجرأ على توظيف اللون للتعبير مُباشرةً عن عظمة الطبيعة بقدرتها على شفاء الروح التائهة وسط حروبها. كان يحلو لها أن تُردّد، "لقد قام فان غوخ بتحرير اللون لأنه تقبله كحقيقة".

وعندما طلب منها متحف فان غوغ العريق (امستردام) قُبيل وفاتها، أن تُشرف على المعرض الإستعادي الذي يُعده لها لتطل من خلاله للمرة الأولى في هولندا بأناقة تليق بجنونها الهادئ، ولتتحاور أعمالها مع بعض لوحات ذاك التائه الذي رسم ويده مسكونة بإلحاح مُدمّر، اعتبرتها الفرصة المُناسبة لتُهدهد هشاشته على طريقتها. على اعتبار أن كُثراً أكّدوا على أنها قادرة على الإضطلاع بدور الأم والأب في الوقت عينه. وفي كلا الدورين كانت تستحق لقب الداهية.

لكن، كان للقدر خططه المؤلمة بواقعيّتها، ولن تتمكّن إتيل عدنان من أن تُشارك في إفتتاح Colour As Language (اللون كلغة) الذي يتم إفتتاحه في 20 مايو – أيار ليستمر حتى الرابع من سبتمبر – أيلول في الطابق الأول من جناح المعارض في المتحف الذي يبحث عن شتى السُبل لتقترب حياة فنسنت المُضطربة وفنّه المسكون من الذوّاقة على إختلاف أعمارهم.

ومع ذلك، يُصرّ فريق العمل على أن يكون هذا الحدث التحيّة الكُبرى لسيّدة يُقال أنها بقيت طفلة صغيرة، و"صاحبة رؤى حادة بشكل إستثنائي كانت قادرة على نقلها من خلال كلمات شاعرية جميلة. كلمات لا حاجة لها للف والدوران. كلمات صريحة وواضحة. وأكثر ما لفتني في إيتيل عدنان، تعاطفها مع الطبيعة بقوّتها، وعظمتها الشاهقة التي تُعبّر عنها من خلال اللون. وهذا الأسلوب في التعبير يُشبه إلى حد بعيد الطريقة التي نظر من خلالها فان غوغ إلى العالم من حوله"، بحسب القيّمة على المعرض ساره تاس، في دردشة معها.

يشمل المعرض – الحدث حوالي 80 عملاً لعدنان، منها 40 لوحة، وبعض الـLeporello’s - أو الكُتب المُصممة على شكل أكورديون وكانت عدنان تُزخرفها بالألوان والقصائد، و3 قطع من السجاد التي اشتهرت بها، أضف إليها أعمالها الأدبية. ووفق المُلحقة الصحافية في المتحف، ميلو بولين، فإن الأعمال "تأتي من تسعة متاحف و3 صالات عرض، نذكر منها مركز بومبيدو، معهد العالم العربي، صالة عرض لولونغ، متحف ليل ميتروبول للفن الحديث والمعاصر والغريب، بالإضافة إلى العديد من المجموعات الخاصة". تضيف، "في هذا المعرض، تأخذ لوحات إيتيل عدنان النبرة الأعلى في الحوار الفني"، بمعنى أنها تقوده وتُحدد زاوية الإنطلاق منه في إتجاه أروقة المخيلة المُتشعّبة. "هذه الأعمال، تدخل في ما يُشبه الحوار مع 10 أعمال لفان غوخ"، نذكر منها لوحة "حقل الذرة" (1888) ولوحة "بذور الشمس" (1890).

في ما يتعلّق بقطع السجاد المُشاركة في المعرض، تقول بولين لـ"المدن": "لم تكن في فترة شباب عدنان متاحف في بيروت، لكنها كانت تتابعمع أبيها بشكل منتظم، السجاد الفارسي والذي كانت تعتبره في ذلك الوقت عالمها الفني. كانت ترى الكثير من الجمال في هذا العمل اليدوي وأن فن النسيج ذو قيمة تُعادل قيمة فن الرسم. وفي فترة متأخرة من حياتها، قامت بعمل قطع تجريديّة من السجاد غنية بالألوان، بناء على رسومها التصميمية من سنوات الستينيّات".

أما الكُتب المُصمّمة على شكل أكورديون، الـLeporello’s، فهي "دفاتر تم طيّها على شكل أكورديون وصُمّمت على ورق ياباني. هذا التصميم كان بالنسبة إليها الوسيلة المُطلقة للرسم والكتابة ولتجمع بهذه الطريقة بين التصوير واللغة. وهكذا كتبت إيتيل، الشعر حول الشعراء العرب في وقتها، والذين كانت مُعجبة بهم، وقد ملأت كتاباتها عنهم بالرسوم. وقد قامت بترجمة نصوصها الخاصة وشعرها إلى اللغة العربية بتُصميها بعد ذلك كمطويات على شكل أكورديون".

ويتم عرض هذه التصاميم مع رسالة لفان غوغ يُعبّر فيها الفنان الذي لم يعرف طعم الحياة يوماً لشقيقه الصغير تيو الذي اضطلع بدور الحاضن الأقرب إلى شقيق كبير، حكيم وواسع الأفق لفنسنت، عن اهتمامه بهذا النوع من "الكتيّبات اليابانيّة المطويّة على شكل أكورديون".

أما عن اللوحات، فتُخبرنا ميلو بأن "في المعرض سنقف وجهاً لوجه مع ما يُقارب الـ40 لوحة لعدنان. مع الإشارة إلى أنها لم تكن تستخدم حاملاً لرسم اللوحات، وإنما كانت تضع أعمالها على الطاولة وترسمها". فكما صرّحت الراحلة الكبيرة للمتحف، "هذا بسبب أنني بدأت عملي ككاتبة، لذلك أضع القماشة على الطاولة بشكل مسطح وأبدأ بالرسم كما لو أنني أكتب".

وُلدت إيتيل عدنان لأب سوري يتحدث التركية وأم يونانيّة في بيروت التي كانت في ذلك الوقت تحت الإنتداب الفرنسي. في بيتها كانت تتحدث اليونانيّة مع أمها، والتركية مع أبيها، والفرنسيّة في المدرسة، وكانت بطبيعة الحال، تسمع اللغة العربيّة في الشارع. ومن هذا المنطلق، تُعلّق ميلو، "لا يُمكن رؤية أعمالها الفنية مُنفصلة عن خلفيتها ذات التعدد الثقافي المتنوّع. وحقيقة أنها عاشت في أماكن كثيرة ومختلفة في العالم: اللغة والثقافة هما المفهومان الأساسيان في أعمالها الفنية".

في البداية كانت عدنان تكتب الشعر، لا سيما باللغة الفرنسية، بعد ذلك بدأت تكتب باللغة الإنكليزيّة. وأخيراً وجدت في الفن التصويري لغة عالميّة عبر الخطوط والألوان بدلاً من الكلمات. وكانت عدنان قد صرّحت ماضياً، "لم يكن من الضروري الإنتماء إلى ثقافة واحدة والتميّز بلغتها، لكن كان يمكنني أن أجد لنفسي شكلاً جديداً في التعبير".

في موازاة معرض "اللون كلغة"، يُمكن زيارة معرض "فان غوخ وبساتين الزيتون" في الطابق الأرضي من جناح المعارض حتى 12 يونيو – حزيران.

وكان فان غوخ قد رسم بإلحاح يُجاور الهوس بساتين الزيتون التي كانت تُحيط بالمصح العقلي الذي مكث فيه في جنوب فرنسا، طوال عام، إثر إنهيار عصبي حاد أفقده توازنه كلياً. ويُقال إن الأشجار المُتشابكة والمُلتوية في اللوحات تعكس إلى حد بعيد حالته الذهنية غير المُستقرّة آنذاك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها