الأربعاء 2022/04/27

آخر تحديث: 12:52 (بيروت)

فرنسا: رجوع الشر الى لعبة تطهّرت منه

الأربعاء 2022/04/27
فرنسا: رجوع الشر الى لعبة تطهّرت منه
increase حجم الخط decrease
النتيجة التي حققتها مارين لوبن في الانتخابات الفرنسية، تفيد بمَيل إلى اختيار الشر. هذا الميل يمكن قراءته على أساس طريقة بعينها، وهي كونه طموحاً لإيصال الشر إلى السلطة. لكن إيصال الشر إلى مطرحه هذا ينطوي، ومن جهة كونه فعلاً اعتراضياً، على إشارة إلى أنه كان، حتى لحظة اختياره في صناديق الاقتراع، خارج اللعبة السياسية. كما لو أن هذه اللعبة هي، ولهؤلاء الذين قرروا أن يحملوه إلى السلطة، بمثابة ملعب للخير الخالص. بالتالي، قرارهم ذاك كناية عن إدخال الشر في اللعبة بما هو منفي منها، وهم يقدمون على ذلك من دون تغيير صورته، أي، وبشكل آخر، بلا أن يصوروه على كونه مناسباً لها، ومتماثلاً مع ما تحتويه.

فاليمين المتطرف لا مشكلة عنده في وصفه بالعنصرية أو بكل سمات الشرّ، انما هو يبدو، وفي الكثير من الاحيان، متمسكاً بها، كما أنه، وحين انقسم بين مارين لوبن وإيريك زيمور، فعل ذلك على أساس أن الأولى تنازلت عن حدتها، في حين أن الثاني يشدد عليها. فلا بدّ، وفي نظره، أن يبقى الشر على خطبته، الا يتغير، وهذا لو كان مضطراً إلى ذلك بسبب انتقاله إلى اللعبة السياسية، التي عليها أن تتحمله، لا أن يتحملها. فعلياً، كل هذا يشير إلىأن اليمين إياه يجد أن تلك اللعبة تفتقر إلى الشر، وافتقارها له يجعلها مرتعاً للخير الأعمى. عند سماع هذا اليمين محاججاً ضد الأجانب، يمكن التنبه إلى أنه ينتقد العهد الماكروني، بما هو ممثل اللعبة ذاتها، على أساس أنه بريء، وأحمق، ولا يأبه لأي شيء من نيات وبغيات الذين تستقبلهم بلاده من لاجئين وسواهم، فهو يزاول الخير حيالهم. أما هم، فيريدون السيطرة، والتخريب، والترهيب. بمعنى ثانٍ، بحسب اليمين المتطرف، ذلك العهد، وقبله لعبته، تأخذ فرنسا إلى موتها بسبب خيرها، وعلى هذا النحو، لا بد من تغيير قواعدها، وجعلها مطبوعة بالشر.

بالطبع، فكرة اليمين المتطرّف عن اللعبة السياسية هي فكرة مغلوطة، لكنها عندما تنتشر، تدفع إلى التوقف على صِلة هذه اللعبة بها. اذ إن تلك الفكرة عنها تقترب من كونها علامة على أنها هي أيضا أرادت، وفي لحظة ما، أن تظهر كملعب للخير، وعلى هذا الأساس، أدّت إلى جعل الشر بعيداً منها. بالتالي، قدمته كما لو أنه نقيض لها، وهو سرعان ما تحول على يد ذلك اليمين إلى موقع لمعارضتها. إذ إن اليمين المتطرف هو الوحيد الذي يجعل من الشرّ مشروعاً سياسياً كاملاً، الا أنه، وبذلك، يبدو أنه يطيحه. ربما من هنا، يمكن قراءة بعض تأرجحات مارين لوبن بين عدد من الشعارات وعكسها، بحيث أنها تغالي في الشرّ إلى حدّ، ينقلب عليه إلى عكسه، أي إلى محل يصير فيه على خلافه. 

على أن مواجهة هذا المشروع تحصل في العادة من خلال طريقتين. من ناحية، المبالغة في تقديم اللعبة السياسية على أساس أنها مرتع للخير، ما يؤدي إلى تركيز فكرته عنها، ومن ناحية اخرى، بالنظر إليها على أساس أنها ليست هذا المرتع بعد، ولهذا، لا بدّ من جعلها كذلك فعلياً. في الحالتين، يقوم الرد على ذاك المشروع بالخير، بالسعي إليه، ما يفضي إلى تقويته. لكن، لماذا لا يجري التصالح مع كون اللعبة تلك تحتاج إلى الخير وإلى الشرّ معاً، أي أنّها لا يمكن لها ان تشتغل من دونهما، وبالتالي، هيمنة واحد منهما عليها يعني ركودها، أو بالأحرى نهايتها؟ فاللعبة هذه، ولكي تشتغل، لا بدّ لها أن ترسو على علاقة بينهما، وبذلك، قد تستطيع أن تنتقل إلى بعدهما. أما محاولة تطهيرها المطلق من الشر، فلا تفضي سوى إلى رجوعه إليها كأنه وحده الذي يستحقها، لأنها، وفي الأساس، لا تعمل من دونه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها