السبت 2022/04/23

آخر تحديث: 12:05 (بيروت)

من أجل جنازة لأيار 68

السبت 2022/04/23
من أجل جنازة لأيار 68
طلاب السوربون في مواجهة الشرطة الفرنسية 2022
increase حجم الخط decrease
بدأ التحرك الطلابي في جامعة السوربون بعد فشل المرشح جان لوك ميلانشون في الانتقال الى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. فما أن حسمت نتيجة هذه الدورة لصالح إيمانويل ماكرون ومارين لوبن، حتّى قرر طلاب الجامعة التحرك رفضاً لها، ما جعل من تحركهم هذا يقوم على ردّ فعل، يمكن وصفه بكونه يقوم بانسداد أفقه. ووصفه هذا، بالطبع يتعلق ببغيته، ووجهته، لكنه، بالتوازي مع ذلك، يتعلق بشيء معين، وهو أنه بدا مجرد إعادة تدوير لأيار 1968.

الإشارة إلى بروز ردّ الفعل هذا، ليس مجرد تصوير لشكليته، إنما يرتبط بصميمه. إذ إن الطلاب المتحركين عادوا إلى شعار من حوادث 68، أي كون الانتخابات مجرد فخ، من أجل الاعتراض على نتيجة مطبوعة بخسارة مرشحهم. بالتالي، استحضروا شعاراً من الماضي لكي يتحدثوا عن حاضرهم، لكن هذا الاستحضار، وككل استحضار، جعل شعارهم كاريكاتورياً من ناحية، ومن ناحية أخرى، بيّن أن تحركهم جلبة في نهاية طريق مقفل. 

ففي أيار 1968، رفض الطلاب المشاركة في الانتخابات، إذ إنها عملية لإعادة إنتاج النظام. وفي هذا السياق، حملوا شعارهم عنها الذي يفيد بعدم الوقوع في فخها. أما في نيسان 2022، فالسوربونيون شاركوا في الانتخابات، وفي أثناء مشاركتهم هذه، لم يخطر في بالهم ذلك الشعار، ولا أصحابه، ولا واقعاته. لكنهم، ما إن خسروا في الدورة الأولى، حتى رجعوا اليه، متناولين إياه من الذاكرة للرد على هذه الخسارة ورفض لعبتها بما هي خداع بخداع. في النتيجة، بدا استحضار ذلك الشعار من أيار 68 وكأنه بلا سياقه، بل إنه وُضع في سياق آخر، جعله بلا وقع. فماذا يعني أن يرفض السوربونيون الانتخابات بعد خسارتهم، سوى أنهم لا يقبلون بهذه الخسارة، أي يحاولون نفيها؟ وفي الوقت نفسه، الاستحضار إياه جعل تحركهم إعادة تدوير "ريسكلاج" لماضٍ من دون ظروفه، وهذا الريسكلاج لم يُفضِ سوى إلى جلبة، هي بمثابة تفريج عن غضب بعد خسارة غير مقبول بها. 

بالتأكيد، ليس وحده استحضار الشعار الرافض للانتخابات الذي يشير إلى أن التحرك السوربوني هو إعادة تدوير أيار 68، إنما، ومعه، كل ما رافق جلبته من إجراءات اعتراضية، أقدم المحتجون عليها كما لو أنهم يستدعون ماضياً مضى. ربما هي صدمة الخسارة التي أرجعتهم إليه، وجدوا فيه ملاذهم. لكن رجوعهم هذا يدلّ أيضاً على افتقاد حاضرهم إلى خطاب فعلي، يصيغون به مشروعهم، وقبل ذلك، يحملهم إلى القبول بالخسارة، وعدم الانجرار إلى نفيها.

المعادلة نفسها دوماً في بعض صفوف اليسار الطلابي: انسداد في أفق الحاضر، فاستحضار لأيار 1968. وكلما اشتغلت هذه المعادلة، فرُغ أيار 68 من حدوثيته أكثر فأكثر، ليصير كناية عن تأدية إرادية لبعض الصور عنه. فعلياً، انطلق تحويل أيار 68 إلى هذه التأدية منذ زمن بعيد، لكن، كلما حصل ذلك بحقه، جرى اختزاله في سردية كرنافالية حوله، تدور حول بعض الشعارات من دون التنبه إلى حدوثيته في زمنه، وإلى كيفية إطاحة الحدوثية هذه. فالإشاحة عن هذا التنبه هو شرط رئيسي لجعله موضوعاً لإعادة التدوير. 

لكن تناول التحرك السوربوني على أساس علاقته بريسكلاج أيار 68، لا يعني رذل طاقة محتجيه. بل على العكس، هو إشارة الى أن هذه الطاقة يجري تصريفها بطريقة ماضوية، وسبب هذا أنها تصل إلى طريق مسدود، ما يدفع إلى الاستفهام عن كيفية انصرافها منه لكي لا تركن الى الاستحضار لرفض الحاضر. بالطبع، هناك، بدايةً، ضرورة لتأكيد الخسارة، بحيث أن نفيها يجعل الزمن الذي حصلت فيه، أي الحاضر نفسه، لا يحتمل. وبعد ذلك، هناك البحث عن مشروع جديد، قوامه جنازة أيار 68 والتصالح مع كونه انصرم. وربما، أول ما يمكن أن يحمله ذلك المشروع المفترض من مشكلات، مشكلة أظهرتها نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية: اليسار لا يتوجه إلى سكان الأرياف والمدن الصغيرة أو البعيدة من المراكز في فرنسا، إنما يتركهم عرضة لليمين المتطرف. ما يجعل، بالتالي، مشكلة صياغته لتوجهه إليهم فعلاً ضرورياً للغاية، وبذلك، يضع حداً لانتشار ذلك اليمين أينما كان قبل وصوله الى تحركاته وتوقيفها، تماماً كما حصل على أبواب السوربون. فالفاشيون، الذين ارتعبوا ذات يوم من أيار 68، صار من الممكن، بعدما غدا مدوراً للغاية، أن يقضوا عليه بسهولة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها