الجمعة 2022/04/22

آخر تحديث: 18:51 (بيروت)

انتخابات ستقول للبنانيين شيئاً عنهم..

الجمعة 2022/04/22
انتخابات ستقول للبنانيين شيئاً عنهم..
الانتفاضة مرشّحة أيضاً (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يكتسب الاستحقاق الانتخابي المرتقب في لبنان معنىً جديداً، بل ربما يكون تاريخياً. ذلك أنها انتخابات ستقول للبنانيين شيئاً حقيقياً عنهم.. مَن هم اليوم؟ أو بالأحرى مَن أصبحوا؟

لعله ليس الاستحقاق الأكثر مصيرية الذي عرفه لبنان، لا سيما خلال العقدين الماضيين. الانتخابات التي أجريت بعد اغتيال رفيق الحريري العام 2005 وسلسلة الاغتيالات اللاحقة، الانتخابات التالية على حرب تموز 2006 وغزوة 7 أيار 2008 واحتلال وسط بيروت مدة سنتين، إضافة إلى صنوف التعطيل والتخريب المختلفة، وصولاً إلى التسوية التي جاءت بميشال عون رئيساً للجمهورية... كل هذه وغيرها الكثير، كانت محطات أعادت خلط الأوراق وأفرزت أشكالاً وألواناً متبدلة من البرلمانات والحكومات اللبنانية المتعاقبة. لكنها، وإلى جانب الإخفقات المتتالية لكل تغيير أو أمل، مهما كان كاسحاً أو جزئياً، كانت غالباً معارك تُخاض بالطوائف، وبشعارات سياسية كبرى غلبت عليها الإيديولوجيا، أو في أحسن الأحوال الفكر السياسي الحُلُميّ والأمني والعسكري... من الحرية والسيادة والاستقلال، إلى المطالبة بخروج القوات السورية من لبنان و"إنهاء الوصاية"، وصولاً إلى سلاح "حزب الله" وبِدَع طاولات الحوار و"الاستراتيجية الدفاعية".

لم تختفِ الطوائف بالطبع، ولن تختفي في القريب العاجل. بل ما زالت تخوض الانتخابات بكامل نشاطها العصبي والتحريضي والاحتوائي. بالرشاوى العينية. وبالفزاعات الشعورية، كالحفاظ على الوجود و"الثقافة" و"لبنان الذي يشبهنا"، أو التخويف من الآخر، أو "الكرامات" المذهبية التافهة. لكن انتخابات 2022، بعد انتفاضة 17 تشرين، وفي عز أزمة معيشية وإفلاسية غير مسبوقة في تاريخ البلد، ومع توافر فرص –ولو محدودة– لأن تخرق اللوائحَ المحادلَ وجوهٌ مستقلة أو معارضة بالحد المقبول أو حتى المفرح جداً... هذه الانتخابات لها نكهة أقرب إلى البوح الذاتي. كأنها مِرآة، وإن كانت مقعّرة، بقانون انتخاب هجين بائس، وبإمكانات مالية ولوجستية محدودة للمرشحين المستقلين الذين يُسمَّون بالتغيريين.

ثمة ما تغير في مجالات أخرى، لا سيما الحقوقية والجندرية، وإن ليس بالقدر الذي يطمح إليه لبنانيات ولبنانيون مقهورون. الضغط العلني والحملات والمُناصَرات، خصوصاً في فضاء الإعلام البديل، ساهمت في تقديم متحرشين للقضاء، وبعض الإنصاف لطليقات وأمهات محرومات من حضانة أولادهن، وأفضت إلى حماية نسبية لناشطين وإعلاميين من مغبات الاستدعاءات والملاحقات الأمنية والقضائية. الوعي يكبر.. لكن، هل ينسحب ذلك على اختبار بحجم الانتخابات النيابية؟

نأخذ دائرة الشمال الثالثة نموذجاً، كدائرة تخوض المعركة فيها قوى خارجة من رحم 17 تشرين، بتنظيمٍ ولوائح موحدة باعثة على التفاؤل مُقارنةً بأداء المعارضة في الدوائر الأخرى، إضافة إلى كونها دائرة بعيدة نسبياً من التأثير الميداني المباشر لقوى طويلة الباع في هذا المضمار (الصرفند في الجنوب مثالاً). ونتوقف عند ما نشرته منصة "المفكرة القانونية" عن النواب الحاليين من "الشمال 3"، واعدةً باستكماله في سائر الدوائر، على أمل "أن تساعد هذه المعلومات الناخبين في تكوين قناعاتهم بشأن مدى جدارة النواب في الحصول على وكالة جديدة منهم". متصفّح البيانات هذه، ورغم محتواها المتوقع والمرئي حتى من دون السيرة المهنية والأرقام، يتملكه الغضب الممزوج بالقرف: أداء مخجل شبه معمّم على الجميع، في التشريع وفي المواقف والقوانين التي صوّت هؤلاء النواب معها أو ضدها.


إنما، يبقى السؤال المُلحّ: هل انتُخب هؤلاء النواب في الأساس لقدراتهم التشريعية ومواقفهم وتوجهاتهم المنسجمة مع مصالح الناس، تشريعياً على الأقل، كي لا نقول سياسياً واقتصادياً؟ وهل تغيّر الناخب أو عدّل أجندته الاقتراعية؟ وإن حصل وخرق مستقلون، هل سيستطيعون الإتيان بأي تغيير ملموس في ظل حالة الهيمنة الخطابية والمؤسساتية وفي الشارع؟ وإذا كان قاضٍ يحظى بشبه إجماع شعبي ووطني ونوع من المظلة الدولية الحامية، من عيار طارق البيطار، لم يستطع المضي قدُماً في تحقيقاته بجريمة العصر، أي انفجار مرفأ بيروت، فأين ستُرسم حدود حفنة من النواب المستقلين الكفوءين؟ مع البيطار، رغم التهديد اللفظي العلني، ما زالت الألاعيب قانونية الطابع، لكن جميعنا يعلم، بما في ذلك البيطار نفسه، أن قوة الردع يمكنها أن تتجاوز التعطيل بكثير.

نسمع مستقلين، آتين من عوالم الناشطين المدنيين والأكاديميا والإعلام، يقولون إن الصوت العقابي الآن وقته، أكثر من أي وقت مضى. يحكون عن "الفرصة الأخيرة". وبعضهم يقول إنه، في حال نجح، ولم يستطع، بتحالفات ضمن مجلس النواب، فرض إجراءٍ لمساءلة أو محاسبة أو حماية لحقوق المواطنين، فإنه يعول على وعي الناس وتعبهم وحنقهم، إذ سيرفدون النواب المستقلين بالدعم في الشارع. وهذه رَمية طويلة وبعيدة، فيها من التمني أكثر ما فيها من الاستشراف وفقاً لمعطيات ترتبط بالتزام نضالي طويل النَّفَس وينطوي على قابلية لاستمرار مُضنٍ في التضحيات. اتكاءة على حافة، مجهوٌلة بالكامل درجةُ متانتها، بل وجودها من الأساس، في بلد تختفي طبقاته الاجتماعية، لا سيما الطبقة الوسطى التي كانت مدماك 17 تشرين. فهل التعويل جدير بالتصديق، بل بالإيمان؟ الانتخابات ستخبرنا بذلك أيضاً، سنفهم المزيد عن أنفسنا...

وفي دائرة "الشمال 3" أيضاً، دعا المرشح في لائحة "شمالنا" المعارِضة والواعدة، ميشال الدويهي، نظيريه المرشّحين، طوني فرنجية وميشال معوض، إلى مناظرة علنية على غرار المناظرة المتلفزة بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبن. وذلك إثر تغريدة لفرنجية نفسه، عبّر فيها عن إعجابه بهذا المشهد السجالي. وإن قال قائل مُحقّ أن النظام الفرنسي رئاسي، وبالتالي أن المتناظرَين يتناقشان في ما يمكن لواحدهما تحقيقه إن نجح، وأن المناظرة تتضمن برامج عمل، فيما النائب لا يسعه تقديم برامج لأن هذا شأن السلطة التنفيذية، وهو مهمته المراقبة والمحاسبة والتشريع... فمع ذلك، الفكرة جميلة، منعشة، وسيكون الاستماع لفحواها مثيراً للاهتمام. كما يمكن لمرشح نيابي أن يملك مشروعاً تشريعياً أو رقابياً، يفنّده للناخبين ويتناظر فيه علناً مع منافسيه. لكن، هل انتُخب أصلاً النائب الحالي فرنجية، والنائب المستقيل معوض، وهما مرشحان الآن مجدداً، على برامجهما، هذا إن كانت لديهما برامج؟ وهل يغير الناخبون آراءهم فيهما وفقاً لمناظرة من النوع هذا، أو حتى لبيانات تلخّص "مآثرهما" في المجلس؟ الانتخابات المقبلة ستوضح البوصلة التي، إن لم تكن قد تغيّرت بالفعل في استحقاق 2022، فإنها لن تتغير أبداً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها