الأربعاء 2022/04/20

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

مصوّر الحياة البريّة ميشال زغزغي:"الكرة الأرضيّة ملك الحيوانات أيضاً"

الأربعاء 2022/04/20
increase حجم الخط decrease
كان عليه أن ينتظر ساعات طويلة ليحصل على اللقطة المثاليّة، هو الذي يصف نفسه بغير الصبور. لكن الأسد كان غارقاً في نوم هانئ. أخذ كل وقته ليستيقظ، ولم يهتم بالأمطار الغزيرة التي اختارتها الطبيعة ذاك النهار في كينيا، كديكور خلفي لهذا المشهد المهيب. والمُصوّر العالمي ميشال زغزغي، روّض شخصيته المُتململة قبل أن يُقرّر الملك العودة إلى الواقع بنظرته المُتثائبة، وأن ينفش لبدته بطريقة ملوكيّة ليتخلّص من قطرات المطر التي سيّجتها من دون أن تؤثّر فيها. وحاول هذا الرجل الذي يجوب العالم منذ أكثر من 16 عاماً، بهدف توثيق يوميّات الكائنات البريّة المُهددة بالإنقراض، بكل الطُرق، إبقاء عدسة الكاميرا جافة.

وبمجرّد حصوله على هذه اللقطة التي "دفع ثمنها" ساعات خُيّل إليه أنها لن تنتهي، أُنجزت مُهمّته. وصار في إمكانه الإنتقال إلى بلدان أخرى وحيوانات أخرى مُهددة بالإنقراض، يُريد زغزغي بأي طريقة تخليد طقوسها الجميلة، وإن كانت في بعض الأحيان تميل إلى الوحشيّة، ليفهم الإنسان أن لها عالمها. وهي لا تُريد أي شيء منه سوى أن يتركها لقدرها.

في دردشة مع "المدن" على هامش معرضه الأخير بعنوان "أمم مُغايرة: رحلة عبر ممالك مُهددة" في "دار النمر" (يعود ريعهلدعم مرضى السرطان في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت)، يقول زغزغي: "هذه الحيوانات المُفترسة لا تُهاجمنا. نحن لسنا فريستها. تتجاهلنا. ونتجاهلها".



ويُضيف بأنه، والدليل المُتخصّص في الحياة البريّة، يُحاولان البقاء على مسافة منها، "ليس خوفاً منها، لكن إصراراً منا على ألا نقتحم مساحتها الشخصيّة". وفهم المُصوّر باكراً بأن أهمية اختيار الدليل المحلّي، المُتمكّن من التفاصيل المحوريّة، في مغامراته التي يعود منها أحياناً بصورة واحدة، أو ربما مئات الصور. إذ إن الخُطط المدروسة سلفاً نادراً ما تنجح في الواقع عندما يقف وجهاً لوجه مع هذه الكائنات التي يصفها البعض بالمرعبة، وهو مُصرّ على أن الكائن الوحيد الذي يستحق هذه الصفة هو الإنسان.

المهم بالنسبة إلى هذا الرجل الذي يُقسّم وقته بين إدارة البزنس العائلي، والتجوّل في الكوكب، أن يتمكّن بطريقة أو أخرى من تخليد الجمال المُتلاشي الذي ما زال كوكبنا أكثر من قادر على تقديمه لنا، شرط أن نُبعد حقدنا عن الكائنات التي نتقاسم معها الأيام.

وخلال الأعوام الـ16 الأخيرة، اكتشف زغزغي أنه لا يُحب "تخصيص شخصيّات بشريّة للحيوانات لأنها لا تمتلك صفات بشريّة. لا أستطيع، على سبيل المثال أن أصفها بالقاسية أو اللطيفة. فهي تتصرّف بدافع الغزيرة. غريزة البقاء. غريزة التكاثر وحماية المساحة التي تعتبرها منزلها، أو أشبالها. مع الإشارة إلى أنه ما من دراسة واحدة حول الحيوانات عموماً، صحيحة مئة في المئة، "أعترف أن بعضها أكثر عدوانيّة وشراسة من بعضها الآخر، لكني لا أستطيع أن أقول عن هذا الحيوان أو ذاك: يا نوسو (أيّ ما أظرفه في العاميّة). والأكيد أنني لن أصفها بالشرسة أو اللطيفة".

يرى زغزغي الذي في إمكانه أن يروي مئات النوادر عن حياته وسط الحيوانات البريّة، أن الإنسان "يميل إلى تطبيق الأشياء التي يشعر بها على الحيوانات. لكنها في الحقيقة مختلفة عنا. نقطة على السطر".

بدأت قصة ميشال زغزغي مع التصوير في العام 2006، عندما تأخرت الطائرة التي كانت ستقلّه إلى لندن ليُشاهد مباراة "بولو". فقرّر بلا سابق تصوّر أو تصميم أن يشتري آلة تصوير في انتظار الرحلة. وخلال المباراة التقط عشرات الصور التي يصفها اليوم بالسيئة. لكنه وقع أسير الصورة. فجأة، وجد نفسه في العام 2022، وقد عاش آلاف الساعات في الطبيعة مع كائناتها التي لا تُريد منّا أكثر من أن نتركها لقدرها. وزار عشرات البلدان التي تستضيف الكائنات المفترسة المُهددة بالإنقراض. من الهند إلى القطب الشمالي وصولاً إلى المحيطات الجنوبيّة.

"على الإنسان أن يحترم مساحتها، وقوانينها. هذه الحيوانات لا تقتل بدافع إجرامي. الإفتراس من العناصر المحوريّة في طبيعتها. لكنها اليوم تعيش تحت رحمتنا". فسمك القرش، بحسب زغزغي، ليس القاتل في هذا الكوكب، بل "هو الضحية. أقل من 10 أشخاص يُقتلون بفعل هجوم أسماك القرش، سنوياً، في حين أننا نحن البشر نقتل أكثر من 70 مليون منها".

يعشق ميشال زغزغي القطط. لا يمل من تصويرها. وهي من أكثر الكائنات المهددة بالإنقراض في العالم. على سبيل المثال، يذكر أن النمور الطليقة لا تتعدّى البضعة آلاف، "ومن المستحيل إدخال نمر أسير إلى البريّة، إذ إن الأم تحتاج إلى ما يقارب السنتين لتمرّن صغيرها على حماية نفسه وكيفية التعامل مع الحيوانات الأخرى ومع الإنسان".

هذه الحيوانات التي نصفها بالمفترسة وعديمة الرحمة، يُمكن أن تكون، بحسب زغزغي، الأكثر حناناً مع أبناء جنسها، "وهي تفترس للتمكن من البقاء على قيد الحياة".

في صوره الأقرب إلى لوحات تشكيليّة، يستمتع زغزغي كثيراً بلعبة الضوء. "الإضاءة الطبيعيّة تضيف الكثير من السحر إلى الصورة. نادراً ما أتوسّل الفوتوشوب. المسألة بالنسبة إلي كمصوّر، تكمن في لعبة الضوء وإنعكاسه. أعشق الضباب في الصُور. أعتبره من العناصر الأكثر غموضاً. في الحقيقة لا أميل إلى الصور التي تطل من خلال إضاءة واضحة. كما لا أحب الطقس الجميل عندما أريد التصوير. أريد أن ألتقط المشاهد التي تخرج من الظلمة وتلك التي تستريح على الغموض أو الصوفيّة".

يعمل ميشال زغزغي حالياً على كتاب جديد، مع الإشارة إلى أنه وقّع العديد من الكتب خلال السنوات الماضية ونال جوائز عالميّة. "أمنيتي الكبيرة تبقى أن يفهم الإنسان أنه لا يملك الكرة الأرضيّة. نحن مجرّد كائنات نزورها برفقة كائنات أخرى. أستطيع أن أتحدّث لساعات عن الإحباط الذي يغلّفني كمصوّر عندما ألمس بطريقة مباشرة ما يقترفه الإنسان من جرائم بحق الطبيعة. بإمكاني أن أصف الحزن العميق الذي أشعر به في داخلي عندما أكتشف بأن جهودي لن تنجح في نشر الوعي. جلّ ما يمكنني أن أقوله ببساطة هو أن هذا الكوكب ملك للحيوانات أيضاً".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها