الأربعاء 2022/04/20

آخر تحديث: 13:42 (بيروت)

فيصل كرامي... سابق لأوانه

الأربعاء 2022/04/20
فيصل كرامي... سابق لأوانه
increase حجم الخط decrease
قبل مدة، وفي خضم معمعمة تشكيل الحكومة، قال النائب الطرابلسي فيصل كرامي: "طرحي كبديل للحريري سابق لأوانه". في الواقع لم يكن الطرح مزحة، بل جسّ نبض، ولم يكن كرامي بمنأى عن الطرح، فهو استطلع أجواء الطريق إلى السراي، ولم يجدها معبّدة، ثم أدلى بدلوه، الذي تحوّل مزحة فايسبوكية تهكمية. وقبل أيام، سئل كرامي حول إمكانية توسع تيار "الكرامة" انتخابياً خارج دوائر الشمال، فقال: "هذا حديث سابق لأوانه، علماً أن تيار الكرامة على المستوى السياسي هو جزء أساسي من كتلة نيابية وسياسية تضمّ نواباً من مناطق لبنان كلها، وأقصد هنا اللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين".

يبدو أن كل شيء سابق لأوانه في مسيرة النائب الطرابلسي، حليف "حزب الله" وشريك حسان دياب... هو حفيد رجل الاستقلال عبد الحميد كرامي، ووريث رئيسَي حكومة راحلَين، أي عمّه الشهيد رشيد كرامي الذي كان من ركائز الجمهورية، خصوصاً في زمن الرئيس فؤاد شهاب، ووالده عمر كرامي الذي لم يكن محظوظاً في رئاسته، ففي المرة الأولى انفجر الشارع بوجهه، وفي المرة الثانية اغتيل رفيق الحريري. ورغم العائلة العريقة والمؤسسة في التاريخ السياسي اللبناني والطرابلسي والسنّي، ارتضى النجل والحفيد والوريث، عطايا الرئيس نبيه بري، وتجسّد ذلك في حقيبة وزارية من حصة الشيعة، في حكومة نجيب ميقاتي الثانية أو حكومة "القمصان السود" العام 2011. وفي المرة الثانية، بعد انتخابات 2018، ارتضى كرامي أن يشكّل مع آخرين ما سُمّي "اللقاء التشاوري"، وتبيّن أن مهمته الأساس التعطيل أو "تعكير" مزاج سعد الحريري وكسر "احتكاره". وهم إن سمّوا أنفسهم النواب السنّة المستقلّين، فبالطبع كلمة مستقلين هنا تحتاج قاموس أوكسفورد لتفسيرها. إذ ثمة فرق شاسع بين المستقلّ والتابع والمنضوي. لنتذكر أن النائب قاسم هاشم "المستقل"، ينتمي الى حزب "البعث"، وهو عضو في تكتل الرئيس نبيه بري، وكذا النائب الوليد السكرية الذي كان عضواً في كتلة "الوفاء للمقاومة"، وآخر في "الأحباش" المعروفة الولاء،.. الخ.

وكرامي الذي "قزّم" دور عائلته السياسي، بالطريقة التي دخل فيها الميدان السياسي الرسمي، يجرّب الآن في الانتخابات الراهنة أن يرفع منسوب حضوره، من خلال زيادة عدد نوابه. انكفاء معظم قادة السنّة عن الترشّح، ربما يساعده في ذلك، وهو قليل الإطلالات التلفزيونية، والبطيء في تصريحاته وحركته، والمتمسّك ببعض التعابير الديماغوجية، واختار في مهرجان انتخابي أقامه في الزاهرية، عبارات سجعية، للردّ على حزب "القوات اللبنانية" الذي شكّل لائحة مع اللواء أشرف ريفي. فطرابلس في سجعه "عربية ولا يمكن أن تكون عبرية ولا "معرابية"... شيء من خطاب "البعث" في هذا الكلام. فالوزير الحليف لحزب إيراني، ويتردد أنه تلقى مساعدات من تركيا ووزعها على مناصريه، يحارب الآخرين باسم العروبة،  ويضع خصومه في خانة المطبّعين مع العدو على نحو ما فعل قادة "حزب الله". ويكمل النائب الحفيد في كلامه الإنشائي المدرسي بأن "الزاهرية لديها مكان خاص في قلبي"، لأنها "عنوان للعيش المشترك حيث تتعانق الكنائس مع المساجد"، و"نحن قدمنا الدماء للحفاظ على هذا العيش المشترك، لكنه اليوم مهدد"، فهناك "من يريد أن يُدخل على الجسم الطرابلسي أجساماً غريبة"...

ينظر كرامي إلى المدينة كأنها مسلسل "باب الحارة"، أو حارة لمختار أو ناحية، ولا يفكر بأنها مدينة مفتوحة على التيارات السياسية كافة. والوزير السابق يمدح تعدّد اللوائح في طرابلس: "هذا الموضوع ديموقراطي وصحي، فكل الخيارات مفتوحة أمام الناس. في طرابلس توجد ديموقراطية". والمديح هنا لغاية في نفس فيصل، باعتبار أن تشتت الناخبين بين اللوائح يزيد من حظوظه في الحواصل الانتخابية، وهنا الديموقراطية مرتبطة فقط بمنفعته، وليست مبدأ عاماً. فهو يحذر من جسم غريب يريد الترشح "عن طرابلس وسلب قرارها وتزعمها وكأنها خالية من الرجال"...

ينقص الحفيد الوريث إجراء فحص دم لأشرف ريفي أو غيره. يتنصل من مشاركته في منظومة الحكم، وفي حكومة ميقاتي، ومشاركته مع حلفائه في حكومة الحريري أو حكومة حسان دياب. ويعتبر أن الآخرين، أو مَن يسمّيهم "المرجعيات الوهمية"، أفلسوا البلد وهربوا، وتركوا "المدينة وأهلها". وعدا عن أنه يغض النظر عن إشراك أشخاص في السلطة ضمن لائحته، وهو لا يحب إدخال دم رشيد كرامي في البازار الانتخابي، لكن بعض خطاباته الانتخابية يتمحور حول القضية وزمن الحرب والقتل على الهوية، واللعب على الغرائز، فيستخدم الأدوات البائدة لاستنهاض الناخبين. بالطبع، جزء من هذا الهذيان الانتخابي مرتبط بأن أشرف ريفي أعطى صك براءة لسمير جعجع في قضية اغتيال رشيد كرامي، واتهم أحد الضباط السوريين بالاغتيال. والبراءة هنا جانب منها انتخابي سياسي. بالطبع ثمة شوشرة استخدام "مَن قتل مَن" قُبيل الانتخابات النيابية. والشوشرة أن نبش الماضي غالباً ما تحصل بطريقة استنسابية. فكرامي يهاجم المتهمين باغتيال رشيد كرامي، ويتحالف مع قتلة غيره.

كرامي، مع غيره من زعماء طرابلس، سواء الاقطاعيين أو الرأسماليين أو الشعبويين، شاركوا في الأمس واليوم، في تبديد دور عاصمة الشمال، اجتماعياً وسياحياً وإنمائياً... وهو اليوم يضع نفسه في خانة المخلّص: "كفّنا نظيف"، "عندما استلمنا الحُكم كلكم رأيتم طرابلس أين كانت وعند استلامهم هم الحكم أين أصبحت"، وينسى أنه كان شريكاً أساسياً في حكومة حسان دياب، التي أجهزت على ما تبقى من اقتصاد وأموال، وكان الشاهد على انفجار المرفأ الرهيب، وشراكة كرامي في هذه الحكومة ساهمت في تصدع "اللقاء التشاوري".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها