الأربعاء 2022/04/20

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

عن "لا ماكرون ولا لوبن"

الأربعاء 2022/04/20
عن "لا ماكرون ولا لوبن"
increase حجم الخط decrease
ثمة عدد من المقولات، يقدمها بعض اليسار الفرنسي حالياً لكي يمتنع عن التصويت في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية لصالح إيمانويل ماكرون. هذه المقولات هي ثلاث على الأقل، يمكن الاشارة اليها بالإنطلاق من شعار بعينه: "لا ماكرون، ولا لوبن".

هذا الشعار ينطوي على مطابقة بين المرشحين، إيمانويل ماكرون ومارين لوبن، على جعلهما وجهين لعملة واحدة. فعلياً، هذه المطابقة تكابر على كون الاختلاف بينهما موجود، وهو ليس تفصيلياً، بل رئيسياً، إذ يطاول كل شيء، من السياسة الداخلية الى السياسة الخارجية، وبينهما النظرة إلى المجتمع والاقتصاد والحريات والحقوق، فضلاً عن الهيئة والنشاط والخطبة. لكن، على الرغم من هذا الاختلاف، هناك محاولة للقفز فوقه من باب أن الفاشية هي أوج النيوليبرالية. هذه المقولة دقيقة، لكن دقتها لا تشير إلى مطابقة بين طرفيها، إنما إلى عكسه، فأوج شيء ما، وحتى لو اشتمل على أجزاء منه، فهذا لا يعني أنه يساويه: هو تمامه لأنه موته. إن كانت النيوليبرالية تكتمل في الفاشية، فهذا لأنها تموت فيها، لكن موتها هذا يجعلها لا تطاق.

النيوليبرالية غير الميتة، يمكن حدها، يمكن تحريك ذلك الحجر الذي يزعجها على الدوام خلال سيرها، أي الديموقراطية. أما النيوليبرالية الميتة، فلا شيء يضبطها، إذ إن ذلك الحجر لا يعود مزعجاً لها، إنما، وبفعل موتها بالتحديد، تسحقه بسيرها فوقه من دون أن تشعر به.

مع هذه المقولة، التي تركز على شعار "لا ماكرون، لا لوبن"، هناك مقولة ثانية، هي، وفي الغالب من الأحيان، بمثابة رد على احتمال شديد للغاية حالياً، وأكثر من أي وقت مضى، أي وصول مارين لوبن إلى السلطة. هذه المقولة مفادها: في حال وصول الفاشية إلى السلطة، فهذا يجعل الصراع واضحاً، بمعنى أن مصارعتها أوضح من مصارعة النيوليبرالية. هذه المقولة تدعو إلى الاستفهام عن مدى استعداد أصحابها وجهوزيتهم لهذا الصراع. ففي حال كانت المواجهة مع ماكرون يضمنها وجود أرض ديموقراطية للنزاع عليها معه، فهذه الأرض لن تعود حاضرة مع لوبن. ما ينقل تلك المواجهة إلى أرض أخرى، قد تكون الحرب.

على أن المقولة نفسها تحيل إلى استفهام آخر، وهي عن الحاجة إلى أن يكون الصراع واضحاً. فهل هذا يعني أن الصراع، وحين لا يكون كذلك، يكون عويصاً؟ ألا يشير وصفه بهذه الطريقة إلى الافتقاد لوسائل خوضه عندما يكون ملتبساً، أو "مغبشاً"؟ لعله من الأفضل خلق هذه الوسائل بدلاً من الرمي إلى توضيح المصارعة. ولا بدّ من القول هنا إن مديح الوضوح ليس دوماً في محله. على العكس، قد يكون الوضوح عائقاً أمام المصارعة: كثرة الوضوح، تماماً كما في حالة ضوء قوي مسلط على العيون، قد يودي إلى تعمية الرؤية، ثم إلى شل الحركة، وتجميدها. من هنا، الغبش، في بعض الأحيان، ضروري، لأنه يقي من هذا التجمد، ويحض على التحرك من أجل تبديد الالتباس، مع الإشارة إلى أهمية عدم التطلع إلى تبديد مطلق له.

وفي السياق نفسه، هناك مقولة ثالثة: فلننتهي من التخويف من لوبن، وبالتالي، لنتجرع هذا السم، ونرى، طالما أننا لم نجربها بعد. ومن نافل القول إن تجريب لوبن، وخلافاً لما تفيد به هذه المقولة، كان قد حصل في السابق، أي قبل الحرب العالمية الثانية. بالتأكيد، وضع الفاشية آنذاك لم يكن كوضعها اليوم، بل إنها حالياً إعادة تدوير لتلك الماضية. لكن الريسكلاج هذا، ولأنها تستقر فيه على كاريكارتور بتها، يجعلها خطيرة أكثر مما كانت. كما أن هذه الفاشية الراهنة، وبالعطف على كونها أوج النيوليبرالية، تُمكّن أيضاً من استنتاج ما ستكون عليه من دون تجريبها بطريقة ملموسة. على أن تجرع السم للانتهاء من التخويف به، قد يكلف ثمناً كبيراً، أول من سيدفعه المعارضون والطبقات الشعبية والأجانب والنساء والمسلمون ومجتمع "الميم" واليهود. أي، باختصار، كل ما لا يمت إلى اليمين المتطرف بصِلة، وكل ما يعمد هذا اليمين إلى شيطنته. وهو ما يزيد من التفتت تفتتاً، أو بالأحرى ما يجعل هذا التفتت مركّزاً على إقصاءات لا تُعدّ ولا تُحصى.

فهل هناك استعداد، من قبل دُعاة تجرع السم، لمواجهة ذلك كله؟ هذا الاستعداد لا وجود له في أي أفق. ما يعني أن تجرّع السم لن يكون طريقاً إلى الإنتهاء من الفاشية، إنما إلى ترسيخها في السلطة فقط. وفي أثناء ذلك، سيبدو أن استدعاء مصارعتها كان ينطوي على تهرب من المسؤولية في حين أن الظرف الانتخابي، ومعه الاستمرار في مواجهة المقالب الظلامية للمشروع النيوليبرالي، لا يدعو الى غيرها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها