الإثنين 2022/04/18

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

شهادة سيزا قاسم عن جائزة صنع الله ابراهيم..نتيجة صفرية

الإثنين 2022/04/18
شهادة سيزا قاسم عن جائزة صنع الله ابراهيم..نتيجة صفرية
صنع الله ابراهيم... هل فعلاً اتُّخذ قرار منحه الجائزة بالإجماع؟ ولماذا تمّت تنحية الآخرين؟
increase حجم الخط decrease
حتى صنع الله إبراهيم نفسه، قد لا يصدق إن توابع الزلزال الذى أحدثه العام 2003، برفض جائزة ملتقى الرواية العربية في القاهرة، ما زالت مستمرة. فرغم مرور 19 عاماً ما زالت كلماته المزلزلة يتردّد صداها في جنبات مسرح دار الأوبرا: "لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم، لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب، لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل، تفشى الفساد والنهب، ومَن يعترض يتعرض للامتهان وللضرب والتعذيب. وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت، لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته"، ويبقى تأثيرها ممتدّاً في ضمائر مَن شاركوا في الحدث.

 

قال صنع الله وقتها إنه يرفض جائزة مقدمة من حكومة لا تملك مصداقية مَنحها، ولم يستطع ممثل تلك الحكومة بالطبع أن يغفر أو ينسى. فحينما أصدر فاروق حسني، وزير الثقافة الذي كان على المسرح وقت إعلان الرفض، مذكراته قبل عامين، لم يستطع أن يتجاهل الموقف القديم، وأصر على الانتقام من صنع الله بأثر رجعي، فوصفه بأنه غير معروف على المستوى الشعبي وأنه مجرّد باحث عن الشهرة، وقال: "إن هذه الجائزة لم تمنحها له الوزارة ولا الحكومة، وإنما منحتها لجنة من الأدباء العرب ترأسها الأديب السوداني الكبير الطيب صالح"، وقال أيضاً إنه طلب من الدكتور جابر عصفور ألا يخبر صنع الله بفوزه، إلا أنه كان قد أخبره بالفعل، ما منحه الفرصة لترتيب "الشو" الذي فجّره على المسرح. "كان مشهداً تمثيلياً باهتاً"، بحسب وصف حسني، أصاب أعضاء اللجنة بالوجوم، وأُسقط في يد جابر عصفور الذي شَعر بحرج شديد، "إلا أني استوعبت الموقف بسرعة، ولم أشعر بالحرج ولا بالأسى، وأمسكت الميكروفون وقلت: إن رفض صنع الله إبراهيم الجائزة يعد شهادة للحكومة المصرية ولمناخ الحرية الذي تعيشه مصر، وإن فوزه دليل ينفي ما قاله، وأشدتُ بلجنة التحكيم وحيادها والجهود التي بذلتها لاختيار الفائز بالجائزة، موجهاً الشكر لهم، وصفق الحضور وأعضاء اللجنة التي كانت تضمّ عدداً من كبار الأدباء العرب".

جابر عصفور
بطبيعة الحال لم يشكك أحد في حياد اللجنة، فرفضُ الجائزة طغى على فكرة استحقاق آخرين. وبالطبع، لم يكن جابر عصفور، المسؤول الأول عن الملتقى، مسروراً بما حدث، بل كان مصدوماً ومُحرجاً، فقد قيل بعدها أن له دور في منح الجائزة لصنع الله، وحتى رحيله لم يشكك في الاستحقاق، مكتفياً بكتابة مقال مطول نشر في "الأهرام"، قبل ثلاثة أعوام، حكى فيه الموقف من وجهة نظرة، مضيفاً أن صنع الله لم يكن ينافس نفسه، كما قد تشير النتيجة التي خرجت بالإجماع في النهاية، مؤكداً أن اسم جمال الغيطاني كان مطروحاً وقتها، لكنه لم يلق القبول من بعض الأعضاء الذين فضلوا اختيار صنع الله بالغالبية: "لعلّي أُفشي سرّاً للمرة الأولى عن عمل اللجنة، فقد كان هناك ما يشبه الانقسام بين أعضائها في الاختيار، ما بين جمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم، وقد سألني الدكتور فيصل دراج عمّا إذا كانت هناك حساسية عند وزير الثقافة لو مُنحت الجائزة لجمال الغيطاني، فأخبرته في حسم أن فاروق حسني ليس عنده أي نوع من الحساسية لأي اسم تنتهي إليه اللجنة، خصوصاً إذا تحققت له الشروط اللازمة للحصول على الجائزة، وأصدرت اللجنة حكمها بغالبية الأصوات التي مالت إلى صنع الله إبراهيم ولم تَمِل إلى جمال الغيطاني، وقد عرضت الأمر على فاروق حسني (وزير الثقافة في ذلك الوقت) فرحّب بالنتيجة، لكنه طلب مني التروي وعدم إبلاغ صنع الله إبراهيم إلا في اللحظة الأخيرة، لكن تقديري النقدي ومحبتي لصنع الله إبراهيم تغلّبا على ما تعهدتُ به لفاروق حسني، فاندفعت إلى محادثة صنع الله إبراهيم تلفونيًّا وإبلاغه بقرار اللجنة، وأذكر جيدًا أنني سألته عن اسمه الرباعي، كي يكتب الاسم كاملًا في الشيك الذى يحمل المكافأة المالية للجائزة، فأملاني صنع الله إبراهيم الاسم الرُّباعي، ولم يكن ظاهرًا عليه في مكالمته لي سوى الاستجابة".


لم ينته الأمر هنا، هناك فصل جديد يكتب الآن على يد أحد أعضاء لجنة التحكيم، يؤكد أن مسألة الإجماع تلك لم تكن حقيقية. حيث كتبت الناقدة سيزا قاسم، وكانت عضوة في لجنة التحكيم، شهادة متأخرة ومفاجئة على ما جرى، قالت فيها إنها منحت صوتها لإدوار الخراط، وليس لصنع الله إبراهيم. كتبت سيزا قاسم، قبل أيام في صفحتها الفايسبوكية: "منذ سنة 2003 وهناك موضوع يؤرقني وهو موضوع جائزة الرواية التي منحت لصنع الله إبراهيم، في الواقع لم أعط صوتي لصنع الله، لكن أعطيته لإدوار الخراط الذي أراه أعظم الروائيين المصريين، وحاول الطيب صالح أن يحيدني عن تصويتي لكي تُعطى الجائزة بالإجماع، لكنني لم أتفق معه في الرأي، وأصررت على موقفي، عند إعلان النتيجة كذب الطيب وأعلن أن التصويت كان بالإجماع، أهذا التصرف يدل على الاعتراف بالديموقراطية؟ تركتُ الموضوع بعد ذلك، وعرف إدوار وشكرني على مساندتي، أشعر بالندم أنني لم أعلن موقفي على الملأ وشعرت في ذلك الوقت أن الإعلان لن يغير شيئاً، لكن الآن أشعر أني أخطأت لأن الإعلان كان سيفضح الطيب ويضعه في موقف حرج".


د. أحمد مجاهد أكد ما كتبته سيزا قاسم، وقال في تعليقه على منشورها: "أشهد بأن هذا قد حدث وبأن حضرتك لم تغيري رأيك، بل أشهد ولديّ المستندات، بأن الدفة كانت تميل بالكامل ناحية إدوار، لولا تغيير الآراء لأسباب أعرفها ولن أتحدث عنها". مجاهد الذي قال أيضاً أنه كان أمين سر اللجنة وقتها، أضاف اسم خيرى شلبي كمرشح جديد للجائزة التي ذهبت لصنع الله ورفضها، فقال في تعليقه أيضاَ: "كان فيصل دراج يرشح ويدافع عن خيرى شلبي لكنه وافق في النهاية على ما انتهت إليه الجماعة". واختتم بأنه لن يفصح عن المستندات ولا عن أسباب التحول الدرامي للجائزة!

تطهرية
عودة سيزا قاسم لميدان المعركة بعد رحيل الخصوم جميعاً (الطيب صالح، وجابر عصفور، وجمال الغيطاني، وخيرى شلبي) وضعها وحدها في مرمى النيران، إذ وصف البعض محاولتها التطهرية بأنها متأخرة جداً، بل إنها ربما تكون بحثاً عن الشهرة بإثارة الجدل، كما حدث في مواقف سابقة وصفت فيها نجيب محفوظ بأنه كانت تنقصه الشجاعة في مواجهة المؤسسة الدينية على خلفية إعادة طباعة روايته الأشهر "أولاد حارتنا" في مصر. كما شكك آخرون في الهدف من الإعلان من الأصل، مستنكرين تشكيكها في ديموقراطية الطيب صالح بعد رحيله، عوضاً عن فضح نزاهة الجائزة نفسها. لكن، على أي حال، ربما يكون الغرض الأساس من الإعلان المتأخر غير واضح، خصوصاً أنه لن يؤدي إلى شيء في ما يخص نتيجة الجائزة، لكن كرة الثلج ما زالت في بدايتها وفى انتظار المقبل من الأيام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها