الأحد 2022/04/17

آخر تحديث: 13:22 (بيروت)

سليمان فرنجية... "الرئيس المؤجل" والرئاسة الأسيرة

الأحد 2022/04/17
سليمان فرنجية... "الرئيس المؤجل" والرئاسة الأسيرة
فرنجية لافروف
increase حجم الخط decrease
في خلال أسبوع واحد تقريباً، أو أيام قليلة، استضافتْ السفارة السعودية في الحازمية على مائدة إفطار، مجموعة من السياسيين اللبنانيين (وليد جنبلاط، فؤاد السنيورة، سمير جعجع وغيرهم)، قبلها استضاف أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله على مائدة افطاره، رئيس التيار العوني جبران باسيل ومنافسه على رئاسة الجمهورية زعيم تيار المرة سليمان فرنجية، وسرّب (والله أعلم مدى صحة التسريب) بأن نصرالله وعد بدعم باسيل لحصد بعض المقاعد النيابية في الانتخابات المقبلة، ووعد أيضاً بدعم ترشّح فرنجية إلى الرئاسة "إذا" كانت الظروف المحلية والاقليمية مؤاتية... وكان جمع الخصمين البتروني والزغرتاوي على مائدة افطارٍ واحدة في قلب حارة حريك، كافياً للكثير من التأويلات والتخمينات والحط من طموح الطامحين والمتزعمين، والقول هكذا تدار السياسة في لبنان، وهذا مآل الطامحين إلى كراسي والمواقع والمناصب...

 وفرنجية الصياد الماهر وعاشق التصوير، سرعان ما سافر إلى موسكو زائراً على رأس وفد من حزبه، والتقى وزير خارجية فلاديمير بوتين، سيرغي لافروف، وبحث معه الأوضاع اللبنانية(سبقه طلال ارسلان زائراً وضيفاً)، وقيل إن موسكو ترفض استقبال باسيل، على خلفية موقف تياره في بداية الأزمة أو الحرب الأوكرانية، وقيل يومها أن التيار الباسيلي ومن خلال وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب أدان ببيان اجتياح الجيش الروسي الأراضي الاوكرانية، وعزا بعضهم هذا البيان غير "المتوقع" والمتمرّد على "أدبيات" الوزارة الممانعة، إلى سعي باسيل لإرضاء أميركا بحثاً عن طريقة لرفع العقوبات عنه، ووبّخ نصرالله العهد وخارجيته على خلفية البيان: "لا تكونوا عبيداً"، واعتبر أنه كُتب في عوكر، مقر السفارة الأميركية في لبنان... هذه المشهدية الفصامية الهذيانية، تختصر جانباً من السياسات اللبنانية المحلية والخارجية، وهي قائمة على علاقات "ذميّة" ومحاور وتناقضات وفصاميات، وشيء من اللاأمل...

والحال إذا اجلنا الحديث الآن عن صلافة جبران باسيل السياسية، وركزنا في السرد والوقائع على النائب السابق سليمان طوني سليمان فرنجية وحلمه الرئاسي، نصل إلى جانب من جوانب، كيف تتشكّل السياسة العقيمة في لبنان، بلد "القناصل والسفارات" بل نعود إلى سؤال "من يحكم لبنان؟"(عنوان كتاب إيليا حريق الشهير)... فيوم عيّن فرنجية وزيراً ونائباً في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان لا يزال شاباً في مقتبل العمر، قيل إنه "أصغر نائب في البرلمان"، ودأبت الممثلة الأرمنية ميراي بانوسيان (أم طعان) على تقديم اسكيتشات كوميدية تتطرّق بشكل مرح إلى "سليمان الصغير" في حلقاتها التلفزيونية والمسرحية، وكان فرنجية من ضمن "الطقم السياسي" أو "المنظومة" التي اختارها النظام السوري الأسدي الكنعاني (نسبة إلى غازي كنعان) لتولى إدارة شؤون جمهورية ما بعد الطائف، إلى جانب إيلي حبيقة وميشال المر ونبيه بري ووليد جنبلاط وإيلي الفرزلي والحزب السوري القومي الاجتماعي وغيرهم من الميليشيات، متحالفين مع رفيق الحريري رجل المال والأعمال... ومعظم هؤلاء لهم سير "زاهرة" وبائنة في خدمة "قلب العروبة النابض" بالسلاح والمعارك والمواقف والفساد وتلازم المسارين والانصياع. وقبل أن يكون فرنجية وزيراً ونائباً وركناً من أركان زمن الوصاية، ومقرراً من مقرري "ثقافتها السياسية"، تربى في كنف جده الرئيس سليمان قبلان فرنجية، ولا يمكن الحديث عنه من دون المرور على مجزرة "مزيارة" العام 1957، فرجاله قتلوا نحو 32 مصليا داخل الكنيسة بالرصاص في صراع بين عائلات زغرتا على الزعامة السياسية (تطرق الروائي الراحل جبور الدويهي الى المجزرة في روايته "مطر حزيران"). حين وصل فؤاد شهاب إلى رئاسة الجمهورية عام 1958 أصدر عفوا بحق فرنجية الذي كان في سوريا مما أتاح له خلافة شقيقه الوزير حميد فرنجية الذي كان أصيب بشلل بعد خبر المجزرة، ثم تولي سليمان فرنجية الرئاسة بعدها بنحو 12 سنة. وكان سبقه حليفه حافظ الأسد إلى تنفيذ انقلاب في سوريا... وسليمان (الجد والحفيد) عاشا التراجيديا الشكسبيرية، ينتميان إلى الزعامة الزغرتاوية المناطقية، يتطابقان في "احترام قيم العائلية والمنطقة مع تقديم الخدمات والولاء لأنصارهما، ينتميان إلى الخط المسيحي السوري(والإيراني المستجد في زمن الحفيد) مع انفتاح نسبي على الخط السعودي، وهذا الانفتاح أحيانا يتقلّص الى حد القطيعة كما حصل في السنوات الأخيرة، وكما كانت أهوال السياسة والصراعات القبائلية على السلطة سبباً في حصول مجزرة "مزيارة"، كذلك أهوال السياسة كانت سبباً في مجزرة إهدن التي ارتكبها حزب الكتائب عبر “القوات اللبنانية” العام 1978، ونجا منها سليمان فرنجية بصدفة قدرية، وكانت مرحلة محورية في حياته من خلال تولى زعامة ميليشيا المردة، والمرحلة اللاحقة من خلال تكريسه نائباً عن زغرتا، وقد أصبح الوزير الدائم في معظم حكومات ما بعد الطائف، في وزارات دسمة ومتنوعة وكان كسائر مسيحيي سوريا، يستعمل الدولة ووظائفها ووارداتها وأموالها كوسيلة لترسيخ الزعامة وإعانة مناصرية وتوظيفهم... والارجح أن الزعيم الذي دخل السياسة في وقت مبكر، شعر بالملل من كثرة المناصب الوزارية التي تولاها، وهو ككل ماروني مهجوس بالرئاسة، بدأ يفكر بموقع أعلى شأنا، ففي العام 2004، وقبل التمديد للرئيس إميل لحود، طُرح اسم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. سقط الطرح في دمشق، حيث كان بشار الأسد متمسكاً بالتمديد لإميل لحود "نكاية" ببعض الدول الغربية. من بعدها لم يرض فرنجية الا بتولي وزراة الداخلية في حكومة الرئيس عمر كرامي، وقد أغدق على مناصريه أرقام السيارات المميزة، وسمح في انتشار محال البينغو في الزواريب والحارات...


وسرعان ما انقلب المشهد بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط العام 2005، وحصل التبدّل السياسي مع خروج الجيش السوري من لبنان في نيسان من العام نفسه، كثر من الموالين لدمشق والطامحين لمواقع سياسية، شعروا بالخيبة و"الخذلان"، لم يعد سهلا أن يحصل "الموالي" على موقع بمجرد اتصال من مركز عنجر... وقبل ذلك كان حزب الله يقيم عراضة 8 آذار العددية أو الشعبية والحشدية في ساحة رياض الصلج، تحت شعار "شكراً سوريا الأسد"، كان فرنجية أبرز المشاركين وأكثر وضوحا في الولاء لسوريا و"خط" الممانعة، فهو يعتبر أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله "سيد الكل"، ولا يتردّد لحظة في القول إنه صديق الرئيس السوري بشار الأسد، وقبل ذلك كان صديق باسل الأسد، وسمى ابنه على اسمه، في تلك المرحلة، مع انسحاب السوريين من لبنان، تعاطى بعض "السياديين" مع فرنجية على اعتبار أنه أصبح من الماضي، ولا ضرورة للتنازل والتواصل معه أو الاتصال به، خسر فرنجية موقعه النيابي في انتخابات 2005، واستعاده في انتخابات 2009 بعد اتفاق الدوحة... ترشّح فرنجية للرئاسة عام 2015، ولاقى دعم تيار المستقبل خصمه السابق، الجميع يذكر أنه في العام 2016 وصلت "لقمة" الرئاسة إلى فمه، لكن "حزب الله" أعطاها للجنرال ميشال عون، وعلى الرغم من أن فرنجية يتبني مبدأ "الوفاء"، وبقي على "الخط"(الممانع والسوري)، ويتغزل بشهادة عماد مغنية ويفضله على وسام الحسن، ويكاد يستبدل شعار جده "وطني دائماً على حق"، بشعار "المقاومة دائما على حق"، مع ذلك خذلته برغماتية "حزب الله" الذي فضل "زواج المصلحة" مع التيار العوني والعلاقة المستجدة مع جبران باسيل(السيادي السابق) على المبدأ والعلاقة "التاريخية" مع فرنجية... فالحزب الذي يبحث عن غطاء مسيحي أو "شيعة الموارنة"، وعقد اتفاق مار مخايل مع عون، بالتأكيد يفضل العلاقة زعيم ما سمي "الاكثرية المسيحية" والعابرة للمناطق، على الزعيم الزغرتاوي صاحب النفوذ الضيق، وعلى هذا بات فرنجية يميل إلى الصمت في سياسته، يهادن الجميع، مع هجمات قليلة متفرقة على "العهد"، يغازل "حزب الله" ومواقف أمينه العام بتغريدات وتلمحيات، ينفتح على الفرنسيين يتقرّب من الروس، يقلّص من الخصومات المحلية ولا يقدم مبادرات، وفي العام 2018 قرر "التخلّي" أو تجيير موقعه النيابي لابنه طوني، المولود عام 1987...

وبالمختصر يعتبر فرنجية نفسه "الرئيس المؤجل" وينتظر دوره، ولم يكن جمع باسيل وفرنجية على مائدة واحدة في معقل "حزب الله"، وما سرب وما قيل، إلا النموذج لواقع الرئاسة اللبنانية وبقائها في أسر المحاور، فـ"حزب الله" غالباً ما يعتبر الجنرال أميل لحود، الرئيس المثالي و"المقاوم"، ويريد الرئاسة على صورته، أو يريد رئيساً في فلك "المقاومة" وليس رئيساً للجمهورية، وحتى الجنرال ميشال عون، "الرئيس القوى"، تحوّل في رئاسته رهينة ما يمليه سقف "حزب الله" وخطابه... بالمحصلة، موائد الافطار وغيرها من اللقاءات والمواقف، هي لحظات اختبار مذلّة للأشخاص، اختبار لباسيل المحترف بالتملّق لحزب الله، واختبار فرنجية "ابن الخط".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها