الأحد 2022/04/17

آخر تحديث: 07:37 (بيروت)

اوليفييه رولان..رواية الانتقال من بيت الى غيره

الأحد 2022/04/17
اوليفييه رولان..رواية الانتقال من بيت الى غيره
increase حجم الخط decrease
رواية اوليفييه رولان لا تستحق القراءة من أجل القراءة، إنما تستحقها من أجل التنبه إلى أنها على صلة مباشرة بعيش أي شخص منا. فهي تدور حول وضع محدد، لا شك ان الغالب من الناس قد عاشوه، وهو ترك البيت من أجل الانتقال إلى غيره. إذ ينطلق رولان في تحويل هذا الوضع، الذي قد يوصف بكونه عادياً، إلى تجربة طويلة.

بداية، يقدّم رولان على سرد اللحظات الأكثر أهمية من وقت الانتقال من البيت لتبديله بسواه، وهي لحظات "ضبضبة" كل الأغراض، وعلى رأسها الكثير من الكتب. ولأجل تحقيق هذه العملية، لا بدّ من إخراج كل هذه الأغراض، وتعريبها، وتوزيعها على صناديق خاصة بها.

كل هذه العملية، يسردها رولان، وخلالها، يخبر قصته، متنقلا بين تلك الاغراض، كما لو أنه ضائع للغاية. بالطبع، ضياعه هذا يبدأ بالزوال في كل مرة ينجح فيها بترتيب غرض من هنا وغرض من هناك. السرد، في هذه الجهة، يقدر على إبانة العلاقة بين ترتيب الأغراض وترتيب الوقائع في قصته، كما لو أن الأولى تحيل الى الثانية. فما أن يقع على صورة أو أقصوصة ورق حتى يتذكّر شيئا ما، ويعود بنا إلى حوادث تتعلق بها.

فعليا، سرد رولان، وعلى مقالب كثيرة منه، هو سرد تذكري بإمتياز، بمعنى هو يشتغل على أساس الذاكرة. صحيح أن الوصف قد يأخذ مكانا فيه لكي يجعله تصويرياً، ولكنه، لا يتناول أي حادثة سوى على أساس تذكرها، أي على أساس البحث عنها بعد أن مضت، ثم استرجاعها من أجل ربطها بسواها. يمكن القول، في هذا السياق، إن رولان، وفي حين أنه يرتب بيته لكي ينتقل منه، يفعل الأمر نفسه حيال ذاكرته لكي ينتقل منها إلى نسيانه.


التذكر بما هي "ضبضبة" يعني أن البطل يضع كل ذاكرة من ذكرياته في مكانها، لكي يبني بها قصته. بالتالي، سرده لها يبدو، وفي بعض الأحيان، إنه ترتيب للذكريات، وتشييد للذاكرة، وهذا، بغاية تركها، كما لو أن السرد يعمر بيت رولان التذكري لكي يجعله ينصرف منه.

هذا الانصراف يستلزم وضع البيت الذي ينتقل منه رولان على صلة بمحيطه، الذي يتجسّد هنا بحي الاوديون في باريس، بكل ما يحمل من معنى تاريخي. فـ"ضبضبة" البيت تفضي إلى رحلة في تاريخ هذا الحي، بفتراته المهمة، وبالشخصيات الرئيسية، التي طبعته، فضلا عن اجوائه التي تغيرت مع الوقت، ولكنها، ظلّت، وفي صميمها، ثقافية وفنية. ربما، لا بد من الإشارة إلى أن السرد لا يتغيّر كثيراً بين البيت والحي، على العكس، استطاع رولان الإبقاء على وتيرة واحدة له، من دون أن تكون روتينية، أو تبعث على الملل. وقد يكون سبب ذلك أنه سرد متحرّك، بمعنى أنه يذهب من مكتوب يجده البطل في مكتبته، يفتحه، يقرأ ما فيه، فينتقل منه إلى واقعة في نيويورك، ومن هناك، يعود إلى الأوديون ثم إلى غرفته. فيجعل السرد كل هذه الأمكنة بمثابة محطات معدّة للزيارة او للسفر بينها.

الا أن سرد رولان لا ينتهي إلى التنقل بين هذه الأمكنة فحسب، إنما، هو ينتهي من تنقله هذا إلى شيء مختلف، وهو ابداء معنى بعينه للانتقال من بيت إلى آخر. فيبدي رولان، وطوال سرده، أن هذا الانتقال يعادل "نهاية العالم" الذي لطالما سكن فيه. وعلى هذا النحو، يجعل من سرد هذا العالم، ومن تذكر حوادثه وزيارة أمكنته، بمثابة توديع له قبل أن يغلق أبوابه ثم يفتحها من جديد لسكان آخرين، يبنون عالمهم فيه، ثم يرحلون عنه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها