الأربعاء 2022/03/09

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

مسرحية "السبعة ودمّتا"... نضحك على بلائنا

الأربعاء 2022/03/09
increase حجم الخط decrease
مر أسبوعان على العرض الأول لمسرحية "7 ودمتا"، والمسرح لا يزال يشهد تدفقاً لجمهور الثنائي محمد الدايخ وحسين قاووق، وهو الذي تبعهما من التلفزيون ببرنامج "شو الوضع" والسوشيال ميديا، إلى المسرح، بعدما اختارا فسخ العقد مع تلفزيون "الجديد" على خلفية "اسكيتش" منعت الأخيرة عرضه.

عاد الثنائي إلى "مسرح المدينة"(الحمرا) بعد غياب دام عامين، منذ "عم بيقولوا إسماعيل انتحر" واليوم في مسرحية "السبعة ودمّتا" حيث يشاركهما في البطولة: حسين الدايخ وماريا الناكوزي ونورهان بو درغام، هالة ذبيان ومحمد عبدو، كتابة وإخراج محمد الدايخ.

تبدأ المسرحية بمشهد لرجل دين على التلفاز، يتلقى اتصالاً من سيدة تسأله عن جواز شرب الخمر مع زوجها في خلوة، فيرفض، ثم تطرح عليه فكرة شرب عصير الرمان في كؤوس الخمر فينصحها بعدم القيام بذلك لأن فعلها هذا هو تشبّه بالغرب، فتفاجئه بسؤال: "طيب كيف فيي اتطلّق". ثم يأتي سؤال من متصل آخر يحاول مناقشة الشيخ وإثبات أنه على اطلاع أكثر منه. بدا المشهد الأول مفتاحاً للمسرحية وما تدور حوله الأحداث لاحقاً. ثم يظهر الزوجان ابراهيم (محمد الدايخ) وسارة (ماريا ناكوزي) اللذان لم يلمسا بعضهما البعض منذ زواجهما، بحجة خجل الزوجة، ليتبين لاحقاً أنها "غير عذراء".

ثم يظهر موسى ابو الدرامل (حسين قاووق) صديق أحد أفراد العائلة الذي يزور الزوجين بعدما دعاه الأخ الأصغر إلى العشاء في بيت ابراهيم. يدخل وفي يده قنينة ويسكي، فيغضب ابراهيم الذي يعمل "في أكبر محطة دينية بالبلد"، ويطلب منه أن يرميها في الخارج، ثم يدخل سليمان الأخ الأكبر مع زوجته هدى (نورهان بو درغام)، وهو محام ودكتور في الفلسفة واللغة العربية التي يحرص على التحدّث بها وإظهار مهاراته في الشعر مع كل جملة يرددها.

يجتمع الأخوان مع زوجتيهما والأخ الأصغر عبدالله والجارة الأرملة وصديق العائلة غريب الأطوار موسى، الذي يدعوهم  للسفر "عبر الزمكان"، ليكتشفوا الماضي والمستقبل عبر تناول رشفة واحدة من الويسكي التي يحضرها. وتتصاعد الأحداث بعد انقطاع التيار الكهربائي ثم عودته بعد دقيقتين ليتبين أن أحداً ما قد شرب زجاجة الويسكي، فيُدان الجميع ويبدأ سليمان بالمرافعة وتبدأ الأسرار بالانكشاف، فبعضهم يعترف بالخيانة، وأخرى تعترف بفقدان عذريتها قبل الزواج، وأخرى بمثلية زوجها.

"أي عامل مع تكراره بيصير طبيعي، الدولار كان أمر مش طبيعي صار طبيعي، السلاح الفلتان هو أمر مش طبيعي صار طبيعي، رئيس جمهورية.. دولة كرواتيا هو أمر مش طبيعي وصار طبيعي." حوار يجريه ابراهيم (محمد الدايخ) مع أخيه سليمان يلخص كل ما نمر به في البلاد من تأقلم مع الأوضاع السيئة والاستسلام لما يصنعه بنا النظام الفاسد، أي الصمت والتكيف في الجحيم الذي أوصلنا إليه. يحرص محمد الدايخ على أن يجعل من مسرحيته "لبنانه" الصغير، حتى في مشهد الانفجار الذي نشاهد فيه كيف تعاطت كل جهة سياسية مع الحدث عبر الوسيلة الإعلامية الخاصة بها، وكيف تناولته، بينما في المقلب الآخر وحدها أصوات أهالي الضحايا تنقل لنا حقيقة ما حدث عندما كنا "نحن بعالم والنظام بعالم تاني".

لا شك أن الثنائي محمد الدايخ وحسين قاووق، نجحا في خطف قلوب المشاهدين الذين راحوا ينفجرون ضاحكين عند كل عبارة يرددانها، إلا أن ممثلاً آخر أثبت نفسه على الخشبة، وهو الشاب حسين الدايخ الذي أدى دور سليمان المحامي، وأثبت موهبته وبراعته وخفة ظله كممثل كوميدي، ويُنتظر منه تأدية المزيد بعد نجاحه في "الـ7 ودمّتا"، كما الأخ الأصغر عبدالله الذي لعب دوره الممثل محمد عبدو، والصبايا الثلاث اللواتي، رغم التوازن في تقسيم الأدوار، إلا أن حضور الشبان الأربعة طغى على حضورهن.

لوحظت في العرض هفوات غير مبررة، كأن لا ترتدي ابنة الشيخ الحجاب، رغم التأكيد على التزام عائلتها وعائلة زوجها، فهل من رسالة التي أراد الدايخ إيصالها؟ أم أنه مجرد خطأ؟ لا نعلم. الممثل حسين قاووق الذي أثبت نفسه مجدداً لم يتقيد بأي من الشخصيات "علوية أو حبودي"، التي كان قد أسقطها عليه الجمهور، بل جسّد شخصية جديدة بروح كوميدية مطلقة فاستخدم حواره وجسده وطبقات صوته ببراعة.

المسرحية ناجحة من حيث الحوار وسلسة وحافلة بإسقاطات شخصيات وأحداث سياسية وقوالب اجتماعية. لجأ الدايخ في نصه إلى المسرح الشعبي الأقرب إلى جمهوره الذي حضر من مختلف الطبقات الاجتماعية والمناطق اللبنانية، فاقتبس قضاياهم السياسية والاجتماعية وراح يطرحها بقالب كوميدي جعلنا نضحك على بلائنا.

جاءت المشاهد الأخيرة لتدعم الفكرة التي حاول النص تقديمها منذ البداية، وهي الضياع الذي يعيشه الشعب في تحديد هويته وانتمائه السياسي والاجتماعي ومراده الفعلي. موسى، الذي كان يبحث عن نفسه منذ البداية، رفع الستارة عن الآخرين الذين كان كل منهم يعيش بالقرب من قنبلة أسرار. ويختم موسى حواره مع إبراهيم: "مين أنا؟ بعرف موسى، بس مين أنا؟ كيف بدكن تعرفوا مين أنا إذا انتو مش عارفين مين انتو أساساً؟". ثم المشهد الأخير الذي بدا عبثياً فترك للمشاهد حرية استخلاص منه ما يريد، حيث تنقلب الأدوار، وتستمر المشاكل ويبقى الضياع سيد الموقف، كما في كل بيت لبناني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها