المنحى التوثيقي
أما في ما يخصّ الجانب التوثيقي من المعرض فإن كان يستحيل فعلياً توثيق كامل ما أنجزته "أمم"، حيث أن أرشيفها الضخم هو دائماً قيد الجمع ويشكل بنياناً مستقلاً بحد ذاته، إلا أن في المعرض عودٌ على بعض من أهم المشاريع المنجزة والمقسمة بحسب فئاتها وعناوينها، إذ أنها تعكس طبيعة عمل "أمم" ودعوتها الدائمة لإعادة التفكير في الذاكرة وما يرتبط بها من قضايا من زوايا خاصة قلّما تم التطرّق إليها بداية بقضية المفقودين في الحرب الأهلية ضمن معرض ارتأى لقمان في حينها ان يحمل عنوان "... ولم يعودوا" ونفذ ضمن مشروع موسّع أطلقته "أمم" من خلال مبادرة "ما العمل؟ لبنان وذاكرته حمّالة الحروب"، إلى مختلف المشاريع التي تخوض في ذاكرة الحرب الأهلية والمنشورات الخاصة بديوان الذاكرة اللبنانية، وهو بحسب توصيف لقمان "دَليلٌ إلى «السِّلْمِ» و«الحَرْبِ»، لا إلى واحِدٍ مِنْهُما دونَ الآخر". هي دراسات تتسم بخصوصيتها في مقاربتها لمسألة الذاكرة والعنف أنجزت في رحب ديوان الذاكرة اللبنانية وصدرت عن "أمم للتوثيق"، كتلك التي تناولت حوادث العنف الفردية وكيف يمكن قراءتها ضمن الواقع اللبناني وأشكال العنف المختلفة التي تتنازعه، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، دراسة من إعداد حسن عباس وعنوانها "كترمايا: عن جريمتين وأكثر مطالعات في كتاب الفظاعة (اللبنانية) العادية..." في تحليل جريمة كترمايا وجريمة الثأر التي تبعتها إذ فوض الأهالي لأنفسهم عقاب المتهم والتمثيل بجثته، وفي السياق ذاته، نشرت دراسة أخرى حول قضيّة مقتل الشاب جورج أبو ماضي في عين الرمانة العام 2009 حملت عنوان "تأمّلات في مقتل جورج أبو ماضي وفي مرويّاته" النص الذي اشترك في إعداده كلّ من ماري كلود سعيد، لقمان سليم وحسن عباس. يضاف إلى الجمع بالطبع مختلف الدراسات الإحصائية أو التوثيقية التي نشرتها "أمم" على مر السنوات حول محاور مختلفة من بينها "بالرّوح بالدّم" وهي دراسة إحصائية حول مقاتلي الحرب، في حين أن "يوميّات اللجوء وأحَاديثه لبنان" المقسّمة بحسب السنوات إلى مجلّدات من بحث وتوثيق عبّاس هدلا، وإشراف لقمان سليم ومونيكا بورغمان، تفصّل كل الأحداث والتفاصيل المتداخلة المحيطة بمسألة اللجوء...
وضمن سلسلة دفاتر "هيّا بنا" تطالع القارىء نصوص تتراوح ما بين التحليل السياسي وأخرى تجنح نحو الخاصّ في مقاربتها لما هو أكثر عمومية وهي تتفاوت في طابعها ما بين التوثيقي والأدبي، وقد تتكفّل عنوانيها بتمهيد محتواها للقارىء، فنتوقف عند مختارات منها: "هذا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى... الأدوار، الواقع، الأفق" للشيخ محمد علي الحاج، "ولاية الدولة ودولة الفقيه الشيعة وتحديات المواطَنَة" للسيد علي الأمين...
وبالعودة إلى إصدارات "أمم" الخاصّة بـ"منتدى المشرق والمغرب للشؤون السجنية" الذي يعنى بمسألة السجون ونظم التعذيب في مختلف البلدان العربية وتشمل لبنان، سوريا، مصر، العراق والبحرين وغيرها من الدول، فلنا أن نتوقف عند شهادات ملفتة في شفافيتها وفي سرديتها ومقاربتها للنظم السجنية، رواها معتقلون سابقون في سجون مختلفة من العالم العربي، من أبرز عناوينها "العَودُ إلى بني أُمّي" وهي شهادة سجين سابق دونّها حسن الساحلي وهي وثيقة مهمة عن سجن زحلة ترصد مدى هيمنة العشيرة والتقسيم الطبقي/العشائري الذي يمارس داخل هذه السجون، وليس لنا ان نغفل عن عن السيرة الذاتية الإستثنائية لعلي أبو دهن في كتاب "عائد من جهنّم ذكريات من تدمر وأخواته".
ولا تغيب عن المعرض إصدارت أخرى مشتركة لـ"أمم" ودار الجديد قد يكون أبرزها "الفظيع وتمثيله" لياسين الحاج صالح، الكتاب الذي كان لقمان يعمل على تحريره قبيل اغتياله بأيام، و"أنا الضحية والجلاد أنا" لجوزيف سعادة، وكذلك "زقاق البلاط نتف من ذاكرة حي بيروتي" بتوقيع كريم الحكيم.
قد يكون من المفيد الذكر أن الكتب والمنشورات المعروضة ليست للبيع، بل بإمكان من يودّ من روّاد المعرض الإستحصال على نسخ منها بلا مقابل مادي.
(*) المعرض مستمرّ لغاية الأول من أيّار، ويشرّع أبوابه أمام الزوار من الإثنين إلى الجمعة ما بين 11 صباحاً و6 مساء.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها