الإثنين 2022/03/14

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

ريم نجمي لـ"المدن": الطلاق ليس هزيمة.. ولا الزواج مكافأة

الإثنين 2022/03/14
ريم نجمي لـ"المدن": الطلاق ليس هزيمة.. ولا الزواج مكافأة
صاحبة رواية "تشريح الرغبة": لا يمكن للحب أن يصبح قضية مهجورة روائياً
increase حجم الخط decrease
في رسالة فاصلة، تطلب جوري، اللاجئة السورية الهاربة إلى ألمانيا، من عادل، الكاتب والأستاذ الجامعي مغربي الأصل، تحديد طبيعة العلاقة بينهما بعد انفصاله عن زوجته الألمانية يوليا. تحاول أن تبدو قوية ومتماسكة من دون أن تنكر حبها في الوقت نفسه. تستشهد جوري برواية إيطالية بعنوان "اتبعي قلبك"، وتقول إنها تأثرت جداً بقراءة هذه الرواية إلى حد أنها قررت أن تجعل عنوانها شعاراً لحياتها "إن ما يخبرني به قلبي هو اليقين الوحيد في هذا العالم". لكن الحقيقة أن تأثير تلك الرواية كان أكبر بكثير من ذلك، لقد كانت الدافع لوجود عادل ويوليا وجوري من الأصل! فالثلاثة هم أبطال الرواية الأولى لريم نجمي "تشريح الرغبة"، التي كتبتها بوحى من رواية الكاتبة الإيطالية سوزانا تامارو "اتبعي قلبك"، كانت قرأتها في مراهقتها وتمنت أن تكتب رواية مماثلة بالحميمية نفسها وبالأسلوب نفسه.

بأسلوب الرسائل، تبني ريم نجمي، قصة عادل ويوليا وجوري. تبدأها من النهاية، من انفجار الانفصال بين عادل ويوليا، ثمّ تغزل على مهل عبر الحكايات المتبادلة في الرسائل، قصص الحب والرغبة والهجر والخيانة، الهجرة والمعاناة والتناقضات والملل، تلاقي الثقافات وصدام الحضارات، وما تفعله الغربة في الحب، وما يفعله الزمن أيضاً.

استغرقت ريم سنة كاملة لكتابة روايتها، لكن سبقتها قبل ذلك سنوات من التحضير: "كان لا بد أن أقرأ كتباً عن الانفصال وآثاره النفسية والاجتماعية والقانونية، وكتباً عما يسمى أزمة منتصف العمر أو سن اليأس، بالإضافة إلى حوارات مع نساء ورجال مروا بتجربة الانفصال، حتى أتمكن من فهم عميق للموضوع، خصوصا أنني لم أمر بالتجربة ولست في المرحلة العمرية للشخصيتين الرئيسيتين في الرواية". عبر القراءة والمقابلات، تمكنت ريم من موضوعها واقتربت من شخصياتها إلى حد اعتبارها الشخصيات الحقيقية حيث تقول في مفتتح روايتها أن "شخصيات هذه الرواية، وإن بدت شبيهة بشخصيات واقعية، فإنها هي الشخصيات الأصلية. أما الشخصيات الواقعية التي تقابلونها كل يوم، فهي من نسج الخيال ولا وجود لها في الواقع"!

ريم ابنة إسمَين كبيرَين في عالم الشعر والكتابة، هما الشاعر حسن نجمي، والشاعرة والروائية عائشة البصري، وزوجة لمترجم قدير هو سمير جريس.. تبدو الكتابة في حالتها كقدر لا فكاك منه، بدأتها في حوالى الخامسة من عمرها كمحاولة لتقليد ما يقوم به والدها لساعات، ولأنها لم تكن قادرة بعد على تكوين الكلمات فكانت تملي قصائدها الطفولية على والدها ليقوم بتدوينها. لكنها بعدما تعلمت الكتابة، رافقتها كهواية، سواء أكانت سردية أو شعرية. اختارت الطفلة أن تقضي أوقات فراغها في التدوين على الأوراق بدلاً من اللعب، تجاوز الأمر ربما الإعجاب بالأب وتقليده إلى متعة الكتابة نفسها. لذا عندما سألتها عن قدرية الكتابة قالت: "يمكن أن نقول إنها كانت قدراً لكنها كانت بحاجة أيضاً إلى قدر من الاستعداد أو الموهبة".

منذ محاولاتها الأولى في الكتابة، زاوجت بين الشعر والسرد، بل تقول إن ميلها إلى كتابة القصص كان أقوى، "شكلت لي القصص كطفلة وكمراهقة، عالماً موازيا للأحلام، أشكله كما أريد". هنا تتحدث ريم نجمي لـ"المدن" عن تلك المراوحة بين الرواية والشعر كما تتحدث أيضاً عن الترجمة والعمل الإعلامي.

والبداية مع قصة الرواية الأولى التي جاءت كنتيجة لتجربة الهجرة وأكثر من عشر سنوات قضتها في ألمانيا، حيث تقول إن تجربة الهجرة تخلق أسئلة كثيرة لدى الكاتبة عن أزمة الهوية والعيش في ظل ثقافتين "ثم بالنسبة إليّ كامرأة أثارتني كثيراً ظاهرة لمستها لدى بعض المهاجرين من أصول عربية في التعامل المزدوج في العلاقة العاطفية مع المرأة الأوروبية والمرأة العربية. أنا لا أعمم هنا، لكني شاهدت الكثير من الحالات التي يقدم فيها الرجل العربي عن قناعة على الارتباط بأوروبية، ثمّ مع مرور السنوات يبدأ نوع من الحنين إلى اللغة الأم في اليومي والمطبخ الأصلي وغير ذلك في التسرب إلى نفسه... لا أنسى ما قاله لي أحد الأصدقاء مبرراً خطوة الانفصال عن زوجته الألمانية: "إنها لا تفهم أغاني أم كلثوم!".

يمكن القول إن الحب أصبح قضية مهجورة إبداعياً خلال السنوات الماضية في منطقتنا، بالتحديد مع سنوات الاضطراب التي بدأت في 2011، ولا تزال في بعض المناطق، لذا يمكن اعتبار اختياره كموضوع، مخاطرة إلى حد ما. كيف ترين المسألة؟

في الحقيقة لا أرى في ذلك مخاطرة، بالعكس الحب موضوع أساس ودائم ومستمر في العمليات الإبداعية المختلفة، على الأقل أرى الأمر كذلك. الحب موضوع إنساني وكونيّ ويمس الكثير من الناس حتى لا أقول كلهم. بل إن الحاجة إلى الحب وإلى قصصه، في أوقات التوتر والتحديات الكبرى، تظل حاجة كبيرة. قلتُ مرة إن الحب أكبر من قصيدة أو رواية، الحب هو مصفاة الحياة.

- الرواية، وإن كانت تنطلق من نقطة الهجرة، لكنها لا تظهر كقضية أساسية أو أنك لا تتوقفين عندها كثيراً. ما أقصده أنك لا تتكئين على الحب للوصول لقضايا أخرى، هو القضية المحورية هنا، وتظهر القضايا الأخرى كهوامش ترسم خلفيات المواقف حسب الشخصيات. هل كان هذا لصالح الحفاظ على الخط الأساس للعمل؟ وهل تخططين لإظهار قضايا الهجرة واللجوء في عمل منفصل؟

أتفق معك جزئياً في هذه القراءة، كان همّي الأساس، التركيز على البعد الإنساني في عملية الانفصال بعد سنوات طويلة من الزواج، عن الجراح التي تتركها زيجة فاشلة وكيفية التعامل معها. لكن لو لم تكن قضية الهجرة أساسية أيضاً وفاصلة في هذه العلاقة، لربما كان اختياري ككاتبة لمقاربة هذا الموضوع لشخصيتين تنتميان إلى الثقافة نفسها وإلى الدين نفسه... إن الاختلاف الجغرافي والثقافي في هذه العلاقة كان حاسماً وهو أحد آثار الهجرة في الإنسان بشكل عام. بالإضافة إلى استحضار معاناة المهاجرين في بداية حياتهم من خلال الكاتب المغربي ومساره، وكذا معاناة اللاجئين السوريين في ألمانيا، من خلال شخصية اللاجئة السورية. قضايا الهجرة واللجوء ستظهر بوضوح في روايتين أخريين جاهزتين للنشر وبعيدتين من موضوع "تشريح الرغبة"، إذ أن الهجرة ستكون حاضرة بشكل أقوى.

الرواية تتجاوز الكثير من مشاكل الأعمال الأولى، لكن تأجيل كشف منطق تجميع الرسائل حتى الصفحات الأخيرة، ربما كان مغامرة كبيرة من جانبك. فحكي التفاصيل الدقيقة يبدو غير منطقي في بعض المواضع التي لا يعرفها القارئ، لكن يعرفها الزوجان بالضرورة، وقد يتسبب ذلك التساؤل الممتد حتى النهاية في عدم استكمال الرواية، خصوصاً إن كان القارئ متعجلاً، فعلامَ كنت تراهنين هنا؟ ولماذا اخترت تقنية الرسائل؟

لا أخفيك أن رواية "تشريح الرغبة" ليست عملي الأول في زمن الكتابة، وإنما هو عملي الروائي الأول في زمن النشر. سبق أن كتبت روايتين لم أنشرهما، مرة لعدم اقتناعي بجودة العمل، والمرة الثانية لرقابة ذاتية مارستها على نفسي خوفاً من الخلط بين الشخصية الرئيسية في العمل وشخصية الكاتبة، كونها إعلامية وشاعرة كذلك. أما بالنسبة إلى ملاحظتك عن سرد تفاصيل بين الزوجين في الرسائل، فقد كانت هذه النقطة حاضرة في ذهني، وكنت واعية لها، وكذلك محرر دار النشر، لذلك لن تجد حدثاً يُسرد بالتفاصيل نفسها، وإنما يسرد من وجهتي نظر مختلفتين وكأنه حدث مختلف. ليس غريباً، خصوصاً في العلاقات الزوجية والعاطفية، أن نستعيد مواقف في عملية العتاب والمكاشفة، وأن نذكّر شريكنا بأنه في يوم كذا، في مكان كذا، قام بكذا. بينما يدافع طرف آخر عن نفسه، إما مكذباً أو مصححاً أو معترفاً... من هنا جاءت تقنية الرسائل لأنها التقنية الوحيدة التي ستسمح لي ككاتبة بعرض وجهتي نظر مختلفتين عن حدث واحد، كما أن التقنية تعطي صدقية أكبر للعمل وتجعل القارئ يعتقد أنه أمام قصة حقيقية، وربما لهذا السبب قرأت الكثير من المراجعات التي ذهبت إلى اعتبار هذه الرواية تشبه السيرة الذاتية، وهي ملاحظة أسعدتني ككاتبة وكأنها أكدت لي نجاح رهاني في هذا العمل. بل إن بعض الرسائل التي تلقيتها من قراء، تكاد تجزم أن هذه القصة لا يمكن أن تكون متخيلة. ستجد في التعليقات في موقع "أبجد" للقراءة الكثير من التعليقات أو الأسئلة في هذا الاتجاه.

أنت محاطة بالمبدعين، مَن أول مَن يقرأ مسودات أعمالك، وكيف تتقبلين وجهات النظر

والدي هو القارئ الأول لكل ما أكتب وأعتز برأيه وأستمع إليه، غالباً ما يقنعني بملاحظاته خصوصاً اللغوية منها، لكننا نختلف أيضاً في بعض المواقع. أعتقد أني غالباً ما أتقبّل وجهات النظر المختلفة والنقد، لكني في النهاية أكتب ما أنا مقتنعة به.

اللغة السلسة البسيطة والشاعرية كانت محل تعليقات الكثير من القراء، لكن كانت هناك جرأة أيضاً في طرح بعض المواضيع، صحيح أنها من دون ابتذال أو ألفاظ صريحة، لكن هذه الجرأة تثير حساسية بعض القراء، هل فكرت في هذا الأمر؟ وهل تفكرين في القارئ؟ ومتى... قبل الكتابة أم بعدها؟

هنا ربما نعود إلى موضوع الرواية نفسها، الهوية وتأثير الهجرة في الإنسان وفي الكاتبة في هذا السياق. إذ إن ما يراه البعض جرأة، لا أراه أنا كذلك، ربما يعود ذلك إلى تأثير الأدب والدراما الألمانيين فيّ. صراحة، قمت على مضض بحذف الكثير من الجمل والتعابير والفقرات لتكون "ملائمة" للقارئ العربي، وهنا ابتسم لسؤالك، لأني قلت لنفسي ماذا لو خرجت الرواية إلى النور بتلك المقاطع السابقة؟ والتي كانت تهدف إلى إبراز الهوة الكبيرة بين الزوج المغربي وزوجته الألمانية حتى في السرير، وشعور الرجل العربي بنوع من الفوقية أو التفوق الذي تحظى به زوجته الألمانية، ما كان يسبب له ألماً خفياً ظهر مع مرور السنوات. في مراجعات كثيرة، أثارني أن القراء صنفوا الرواية كرواية للبالغين فقط، مع أني لا أجد فيها جرأة مقارنة حتى مع روايات عربية لعدد من الزملاء. أعتقد أن الجُمل التي تناولت العلاقة الجسدية، كُتبت كقصائد شعرية، مستعينة بصور مجازية غير مباشرة.

بعض الاستشهادات داخل الرواية، غربي، برامج وكتب وأفلام.. إلخ، هل فرضت ذلك طبيعة الشخصيات أم ذائقة الكاتبة؟

طبيعة الشخصيات وذائقة الكاتبة معاً. كان لا بد فعلاً من الانتباه إلى أن الشخصية ألمانية، رغم أنها خبيرة في الثقافة العربية، لذلك لا يمكن أن تكون الثقافة العربية مصدراً وحيداً لمعرفتها. سنجد أغاني غربية، وأخرى ألمانية مشهورة في السياق الألماني، رغم أن القارئ العربي الذي ليست له معرفة بالمجتمع الألماني لن يدرك ذلك. غير أن تلك البرامج والأفلام والكتب تتوافق مع ذائقة الكاتبة أو مع أفلام كنت قد شاهدتها أساساً خلال عملية التحضير للرواية التي حدثتك عنها.

- تزوج عادل وجوري وبقيت يوليا وحيدة في النهاية، تبدو وكأنها الخاسرة الوحيدة في هذه القصة.. هل هذا صحيح؟

على حسب رؤية القارئ للأمور. وصلتني رسائل من نساء اتهمتني بالانتصار للرجل وعدم معاقبته روائياً، وهناك تعليقات قرأتها أيضاً في موقع "أبجد"، تتحدث عن حالة الإحباط التي سببتها لهم هذه الرواية، وقد حرصتُ على الرد على هذه التعليقات. بل هناك زميلة كلمتني باكية، وعبّرت عن إحباطها من هذه النهاية، هي التي مرت من قبل بتجربة انفصال، قالت لي إن الزوج المغربي كان ينبغي أن يعاقب، كأن يصاب بمرض أو حادث... لا أن يتزوج وينجب وكأن الحياة تكافئه على "الخيانة". لكني لا أرى الأمر كذلك، إن انفصال يوليا عن رجل لا يحبها ربما هو مكسب لها. لقد بدأت حياة جديدة مع رجل آخر، وبدت سعيدة في رسالتها الأخيرة. لا أدعي أني أريد أن أعطي رسالة أمل للنساء المطلّقات، لكني كنت واعية لهذا الخيار، إن الانفصال، ولو بعد سنوات طويلة، ليس نهاية العالم، والحياة لا تقف على شخص واحد. أريد لكل من مر بتجربة انكسار، أن ينهض منها وأن يواصل الحياة، سواء أكان رجلاً أم امرأة، وهذا ما كتبته للقارئات اللواتي مررن بتجربة مشابهة وشعرن أن الرواية خذلتهن. ثم لماذا نعتبر زواج الكاتب من الشابة السورية مكافأة له؟ ربما لا يكون الأمر كذلك، ربما هي بداية زيجة فاشلة أخرى مثقلة بالماضي وعقد زيجة أخرى، وقد لمسنا ذلك في علاقتهما من خلال الرواية.

الرواية "نسوية بامتياز" حسب تقديم ناشرها. هل تكتبين بمنطق تبني القضية النسوية؟

ليس تماماً ولا أعرف إن كنتُ "نسوية " أم لا، هذا أمر كبير وأنا معجبة بالنسويات في العالم العربي على الخصوص، وأقدر عملهن وجهدهن في مجتمعات فيها الكثير من ملامح الذكورية. لكن، فعلاً تشغلني قضية المرأة في العالم وفي العالم العربي، أؤمن أنها تتعرض إلى ظلم ولا مساواة ومحاولة سيطرة عليها وعلى حريتها، ولعل القضايا التي نسمعها يومياً عن التحرش والضرب والقتل.. وغيرها من الانتهاكات بحق النساء، هي خير دليل على وضع المرأة الهش في العالم العربي. المرأة لا تزال حلقة ضعيفة في المجتمعات الذكورية.

 كنتِ موفقة جداً في الحديث بصوت الرجل في الأجزاء المخصصة لعادل/الزوج، هل استلزم ذلك تحضيرات معينة؟

كان ذلك تحدياً كبيراً بالنسبة إليّ، كل ما قمت به هو قراءة كتب تناولت التغيرات التي يمر بها الرجل في بداية الخمسينات من عمره، مشاعره ومخاوفه وأحلامه. كما سألت بعض الرجال الذين مروا بخبرة مشابهة. وكنت حريصة على معرفة آراء أصدقاء رجال في الشطر المتعلق بالرجل إن كنت وُفّقت في ذلك، وأكدوا لي الأمر.

بدأتِ بالشعر، وكان الحب والاغتراب محور عملك الشعري الأخير أيضاً، الآن رواية عن الموضوعات نفسها تقريباً، هل يمكن القول إن الشعر يعجز عن إيصال أفكارك؟ وبشكل عام، هل هناك أفكار يصلح لها نوع كتابي/فني محدّد، ولا يصلح لها آخر؟  

الشعر له مكانته وستظل، مثلما للرواية والقصة مكانتهما، فلكل جنس أدواته، وقد يختار الكاتب القالب الفني الذي يتسع لأفكاره ومشروعه الإبداعي. أحياناً قد لا تسعك القصيدة في التعبير عن موضوع ما، وقد تفسد بعض المواضيع، القصائد، وتجعلها خطابية، في حين قد تعطي الرواية مساحة لمواضيع معيّنة، وقد تُكتب الرواية بنفَس شعري أيضاً. كما أني أؤمن أن على الشاعر قراءة الروايات إلى جانب الشعر، ليكتب قصيدة جيدة، مثلما على الروائي قراءة القصائد ليكتب نصاً روائياً جميلاً. هناك صداقة ما بين الأجناس الأدبية تختلف باختلاف النصوص.

هل ستستمر هذه المراوحة بين الشعر والرواية؟ لصالح من سيحسم الأمر في النهاية؟

في الحقيقة عندما سبحت كثيراً في عالم السرد، اعتقدت لوهلة أني لن أعود إلى كتابة الشعر، على الأقل ليس بالشكل السابق، لكن ذلك لم يحدث، وأعتقد أن صداقة الأجناس هي ما سينتصر في النهاية، وسأستمر في الكتابة الشعرية والسردية معاً.

يبدو تأثير القراءة واضحاً في كتابتك. حضور يتعدى التأثير في الأفكار والأسلوب، علاوة على الحضور الكبير لأسماء الكتّاب وأعمالهم.. ماذا تقرأين وماذا يعجبك؟ ومتى تقررين تسريب ذلك لما تكتبينه؟

أعتقد أن تسرب ما نقرأه وما نشاهده وما نسمعه، حتمي في عملية الكتابة، من دون أن نقرر أو ندرك ذلك. أقرأ غالباً للأسماء التي أثق في قلمها، سواء في العالم العربي أو من الجغرافيات الأخرى. كما أقرأ للأصوات الجديدة من باب الاكتشاف. في الحقيقة، ومنذ إعادة اكتشاف القراءة في سن المراهقة، كنت أقرأ أساساً الأعمال المترجمة، كانت غنية من ناحية التقنيات السردية والعوالم التي أكتشفها من خلالها، وهنا أستحضر أعمال أميركا اللاتينية التي أعتبرها مؤثرة بشكل كبير في كتاباتي، بالإضافة إلى قراءة الشعر الذي أثر كذلك في كتابتي السردية.

بمناسبة الحديث عن الترجمات، هناك حضور كبير لها الآن، ربما يفوق الروايات المكتوبة بالعربية، وهناك حديث دائم عن تأثير ذلك في رواج الروايات العربية وحتى مستوى كتابتها.. كيف ترين المسألة؟ وكيف ترين تأثير الترجمة في كتاباتك الشخصية؟

يسعدني حضور الأعمال المترجمة، التي، رغم الحركة التي تشهدها الترجمة في العالم العربي، تظل ضعيفة مقارنة بحركة الترجمة في ثقافات أخرى، ولا أعتقد أن وجود أعمال مترجمة يؤثر بالضرورة سلباً في الروايات العربية من ناحية تسويقها أو من ناحية الكتابة. أما تأثير الأعمال المترجمة، فكان بالنسبة إليّ أساسياً وحاسماً، ولولا تلك الأعمال لا أعتقد أني كنت سأصبح كاتبة. لقد تشكلت لغتي وعوالم كتاباتي من خلال التعرف على تجارب إبداعية أخرى ومتعددة بالإضافة إلى الأعمال العربية الكلاسيكية وحتى المعاصرة.

الجمع بين العمل الإعلامي والأدب حالة تكرّرت كثيراً، لكن لا إجابة واحدة على سؤال التأثير، هناك من يرى أنها تثري الكتابة الأدبية، وهناك من يرى العكس... كيف كانت تجربتك الشخصية؟

كما قلتَ، التجارب مختلفة في هذا الشأن، بالنسبة إليّ العمل الإعلامي والتلفزيوني عمل إبداعي أيضاً. عملي كمذيعة يحتاج مني طاقة فنية، إن صح التعبير. لذلك لم أكتب الرواية أو أي عمل سردي أثناء عملي الصحافي. كتبت، حتى الآن، ثلاث روايات، منها "تشريح الرغبة"، وهذه الروايات اشتغلت عليها خلال فترة رعاية الطفل والتي تمنحها الدولة الألمانية للأمهات بعد الولادة، وتمتد حتى ثلاث سنوات. لذلك أنا مدينة لطفليّ بما كتبت إذ بفضلهما تمكنت من التفرغ للكتابة ولهما بطبيعة الحال. أحاول، رغم العودة إلى العمل، ألا أتوقف عن الكتابة وأن أخصص لها فترة الصباح، خصوصاً أن عملي مسائي.

ما الجديد لديك على مستوى الكتابة والترجمة؟

على مستوى الكتابة أعمل على رواية جديدة، وهناك أعمال جاهزة للنشر، أنا في حاجة فقط للوقت لتنقيحها ومراجعتها مراجعة نهائية. أما الترجمة، فأنا متوقفة عنها في الوقت الحالي، رغم وجود أحلام كثيرة تتعلق بترجمة أعمال ألمانية أحببتها.

(*) ريم نجمي، شاعرة وكاتبة وإعلامية مغربية، من مواليد الدار البيضاء 1987. خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، وحاصلة على ماجستير في الإعلام من جامعة بون. تقيم في برلين وتعمل في مؤسسة "دويتشه فيله" الألمانية، محررة ومنتجة برامج حوارية. إلى جانب عملها الصحافي، تشتغل بالترجمة الأدبية، وصدر لها عدد من الأعمال الألمانية المترجمة إلى العربية. "تشريح الرغبة" هي روايتها الأولى، وصدرت مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها