لا نغالي إن كنا متشائمين ونشعر باليُتم وننتظر القدر الغيبي، في النظر إلى ما ستؤول إليه العدالة في قضية اغتيال أو إعدام الكاتب وصانع الأفلام، لقمان سليم في عمق الجنوب اللبناني، بعد اختطافه غداة خروجه من منزل أصدقائه. ففي الذكرى الأولى لاغتياله، وبغض النظر عن إحياء الذكرى في دارة عائلته في الغبيري، تدفقت تعليقات وتغريدات السياسيين والحزبيين والطامحين إلى مواقع أو أدوار سياسية، والكلمات توصّف الجريمة وتندد بالفاعل، أو تدعو الى "مواصلة المعركة"، أو تشير إلى "عدم النسيان"، أو تقول إن "القاتل ما زال طليقاً" أو ترفع الصوت بأن "كاتم الصوت لن يسكتنا"... كلٌّ يدلي بدلوه... لكن أين العدالة من كل ذلك؟ إلى أين نذهب؟
فنحن أمام مشهد يتكرّر منذ سنوات، بل منذ عقود... عشرات الاغتيالات السياسية، في هذا البلد الصغير الذي تتحكّم فيه الرياح السياسية والاقليمية، الصديقة والشقيقة والامبريالية واليسارية والدولية والارهابية والطائفية، فتحوّله من جهة مسرحاً للقتل السياسي والجرائم الغامضة الواضحة وضوح الشمس، وفي الوقت نفسه، تتحكم الرياح نفسها في قضائه ومصائر عدالته، وهذا ناتج عن تعقيدات تركيبته... اذ إن كل الجرائم الكبيرة تبقى طي الكتمان أو تذهب إلى التجهيل، أو تدخل السياسة والقبلية في لعبة العدالة فيتحول القاتل بطلاً أو قديسا في ذهن قبيلته، وأكثر من ذلك القاتل يعلن على الملأ مسؤوليته عن الجريمة، سواء من خلال مقالٍ أو تغريدة أو تصريح، ويُشتَم القتيل وأهله وناسه، ويتم تهديدهم بالمزيد والويل والثبور وعظائم الأمور...
لا ضرر في القول إن الكلام في ذكرى الاغتيالات، وإن كان ضرورياً وواجباً ومُلحّاً، لكنه تحوّل فولكلوراً غير مُجدٍ، ولا ينفع مع القتلة الحاقدين الذين ما زالوا يكررون أفعالهم على مرأى من المجتمع الدولي والمحلي، حتى وإن كانت السفيرة الأميركية وأخوتها وأخواتها يطلقون التصريحات... من قبل، باعَنا جفري فيلتمان الكثير من الكلام وهو يجول ويصول على وقع موجات الاغتيالات، وتوهمنا كثيراً بالعدالة الدولية، أو المحكمة الخاصة بلبنان في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإذا بها تلجأ الى ما يشبه تجهيل الفاعلين، وكل ما أنجزته بقي يستند إلى ما أنجزه الشهيد وسام وعيد...
في قضية لقمان سليم، السؤال ليس فقط: أين العدالة؟ بل أين التحقيق؟ هل لأن لقمان مواطن فرد يتم التعامل مع قضيته بشيء من اللامبالاة السياسية؟ عدا ذلك، لم يخطئ الذي قال إن الأجهزة الأمنية اللبنانية تتبارى في العمليات النوعية بخصوص قضايا مثل المخدرات والتجسس والخطف، لكنها لا تجرؤ ربما على التحقيق في قضية لقمان سليم، في جريمة واضحة وفي مكان واضح وفي أدلة واضحة... بالطبع تتبارى الأجهزة في مهماتها، لكن لنعلم أن الأجهزة نفسها دفعت ثمناً باهظاً وفادحاً لمجرد أنها ساهمت في بعض التحقيقات أو التوقيفات. لنتذكر محاولة اغتيال الضابط سمير شحادة، أو اغتيال وسام الحسن بعد توقيف ميشال سماحة (أين العدالة في قضية وسام الحسن)، أو اغتيال وسام عيد بعد كشف الأرقام الخلوية...
وبإزاء هذا وذاك، يبدو أننا في لبنان، نعيش في مواجهة سرطان أمني، وحش مسلح، يحتاج قوة عظمى لمواجهته، ولا تنفع تغريدات أو تصريحات برج عاجية أو مؤتمرات صحافية، زيارات مكوكية لشخصيات أوروبية (ماكرون وغيره) وأميركية هدفها البيع والمتاجرة والبحث عن مصالح دولها...
وفي العدالة، يبدو أن قوس العدالة في لبنان وُجِد لمحاكمة بعض الأفراد الهامشيين، ويتهرب القضاة من أي قضية شائكة، برعاية من السياسيين أو بدعم منهم أو بتعطيل يلجأون اليه (الأرجح ألا يختلف مصير الشجعان منهم عن مصير الأمنيين)، وأبلغ دليل على ذلك قضية تفجير مرفأ بيروت، إذ وجدوا كل الطرق التي تجعل القضية، رغم هولها، في موت سريري، على وقع الاعدام الرمزي للقاضي بيطار من خلال حرق صوره.
أخيراً، لا نغالي إن قلنا إن الاغتيال السياسي في لبنان، هو اغتيال لكل مواطن لبناني، اغتيال لنا جميعاً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها