الأربعاء 2022/02/02

آخر تحديث: 13:25 (بيروت)

"أي ميديا" بتمثيل حلا عمران...فضح العنصرية ضد اللاجئين

الأربعاء 2022/02/02
"أي ميديا" بتمثيل حلا عمران...فضح العنصرية ضد اللاجئين
لا نبحث لـ"ميديا" عمّا ينصّلها من فعلتها، لكن ثمة ظلماً كبيراً عاشته هذه الشخصية
increase حجم الخط decrease
من منا لا يعرف أسطورة "ميديا" الشخصية الأسطورية، التي حولها الحبّ الى امرأة دموية قاتلة أطفال. جميعنا يحقد على ميديا ويجردها من الرحمة. أسئلة عديدة تتوارد إلى ذهن من قرأ أسطورة الإغريقي يوربيدس التراجيدية، التي كتبها في القرن الرابع قبل الميلاد، ومنذ ذلك الوقت كثر حاولوا معالجتها بصيغ مختلفة من سينيكا، الشاعر الروماني، ومربِّي ومعلِّم الإمبراطور "نيرون"، وكورناي، ومن ثمَّ حوَّلها المخرج الإيطالي باولو بازوليني إلى فيلم سينمائي، الى الشاعر المصري بيرم التونسي في مسرحيته الشعرية العامية "عقيلة" وغيرهم..

اليوم يعالجها المسرحي والمخرج الكويتي سليمان البسام، في قالب عصري على خشبة "مسرح المدينة" في بيروت، تقف الى جانبه الممثلة السورية حلا عمران في دور "ميديا". تبدأ المسرحية مع المحقق سليمان البسام الذي يسائل "ميديا" عن جريمة قتلها لطفليها. ثم تتسلسل الأحداث من لقائها بزوجها الخائن "جيسون"، ثم حاكم البلاد وخلواتها مع نفسها. استحضر البسام التراجيديا الإغريقية وربطها بمآسي الحاضر، ميديا مهاجرة عربية تعيش في مدينة كورينثيا حيث يتجمع العدد الأكبر من اللاجئين.

حلا عمران ابنة الثورة، حملت ثورتها الى "اي ميديا"، "ميديا" السيدة المؤثرة التي تستخدم حسابها في "تويتر"، ويحاورها الصحافيون لتفضح بطش وظلم الحكومات الغربية، التي تحاصر اللاجئين في "أقفاص حديدية"، وتقوم "بعمليات إرهابية وتتهم اللاجئين بها". لم يكن اللجوء رحمة، كما توهمنا التقارير والقصص التي تردنا تحديداً إلى ما بعد الوصول إلى أوروبا التي صورها الجميع أرض الرحمة وبوابة العبور الى حياة النعيم بعيداً من بطش الأنظمة العربية... جاء نص البسام ليفضح عنجهية وظلم الرجل الأبيض في التعامل مع اللاجئين. ثم تواجه ميديا رئيس البلاد كريون، الذي يأمر بترحيلها الى بلدها الذي نُفيت منه ولجأت إلى كورينثيا. تظهر الإسلاموفوبيا إذ تُجبَر على خلع حجابها أثناء تسجيلها للفيديو الذي طلب منها "كريون" نشره في "تويتر"، وهو يلقنها ما يريد أن يصوره من تزوير لحقيقة ما يمر به اللاجئون وشتم للثورة.

 

كريون وهو والد السيدة التي يخون "جيسون" ميديا معها، لعب دوره البسام الى جانب كافة الشخصيات الذكورية التي يقدمها في نصه. فتنقل البسام بخفة من شخصية إلى أخرى مع تغيير في نبرة الصوت أو اللغة أو طريقة ارتداء القميص فقط. لم يحتَج الكثير ليثبت براعة في أدائه. المسرحية برمتها لم تحتج الديكور، حتى اكتفى البسام بالكلمة والموسيقى، التي كانت تصنعها "فرقة التنين" على المسرح... قدم سليمان نصاً حراً، تخللته جمل إيقاعية رددتها حلا عمران بصوت دافئ، إضافة إلى بعض أغاني الراب التي قدمها التونسي نايجل باريت.

تترنح "ميديا" بتناقضاتها على خشبة المسرح، من امرأة عاشقة إلى ثائرة، ثمّ سيدة مخدوعة ترغب في الانتقام. تتوه "ميديا" وتجرنا خلفها، فلا نحقد ونقع في حب "القاتلة". لا نبرر فعلتها لكنها تأخذنا في رحلة الألم ذاك... الألم ذاته الذي تحدثت عنه ميديا يوربيدس: "ليست لدي أرض، ولا منزل، ولا ملاذ من ألمي". ونحن نشاهد القوالب التي وضعت فيها الشخصية، نرفض التهمة التي دِينت بها "ميديا"، التهمة ذاتها التي حملتها منذ آلاف السنين حين وصفت بقاتلة الأطفال في رواية يوربيدس. ميديا التي ناضلت لأجل حريتها وحاربت النظام الأبوي في بلدها، ثمّ ثارت لأجل اللاجئين في كورينثيا، ما كانت لتقتل طفليها انتقاماً لخيانة جيسون، وإن كان البسام قد أصر على تصوير الجريمة في المشاهد الأخيرة حيث ترجم دمويته بانتشار حبات البرتقال على الخشبة والتقاط ميديا لحبتين منها، ثم عصرها بيديها مفتوحة الذراعين وهي تدور حول نفسها على موسيقى "التنين". لا نبحث لـ"ميديا" عما ينصّلها من فعلتها، لكن ثمة ظلماً كبيراً عاشته تلك الشخصية، قد يكون امتد لاتهامها بقتل طفليها... "ميديا" قرن الحادي والعشرين قد تكون مظلومة، وهذا ما يسعى لإيصاله سليمان البسام أثناء طرحه لهذه الشخصية التي تجرك خلف تناقضاتها. 

(*) مسرحية "آي ميديا"هي الثانية في سياقها الثلاثي سبقتها مسرحية "أور" في العام 2018. فازت بثلاث جوائز في "أيام قرطاج المسرحية" في دورتها الـ22؛ كأفضل نص مسرحي للمؤلِّف سليمان البسام، وجائزة أفضل ممثلة لحلا عمران. كما فاز الفنان إيريك سواييه بجائزة أفضل سينوغرافيا. وحصلت المسرحية ذاتها في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي- الدورة 28 على جائزة أفضل ممثلة لحلا عمران.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها