الخميس 2022/02/17

آخر تحديث: 12:25 (بيروت)

"درج": المرأة العاشقة المخذولة لا تشعر بالحرب

الخميس 2022/02/17
increase حجم الخط decrease
إلى أين تذهب بنا الحرب؟ وإلى أي مدى قد تتجرأ على أخذ أغلى ما نملك؟ لا حب يكتمل في الحرب، ولا عائلة ولا بيت يصمد. تتناقض المشاعر. حتى الخوف يصبح عادة، والحزن يولد من رحمه فرحاً وهمياً. أما الأحلام فتبقى سيدة الساحة في الحرب، حيث لا مفر من الواقع سوى الخيال. ربما هذه هي بعض الرسائل الأولى التي طرحتها مسرحية "درج" لكاتبها ديمتري ملكي ومخرجها شادي الهبر، في مسرح "مونو".

هي مونودراما حديثة أدتها الممثلة المسرحية مايا السبعلي باحترافية على مدى ستين دقيقة، فحولت خشبة المسرح إلى حلقة من الحكايات، بأداء جريء وطفولي في آنٍ واحد.

المسرحية التي كتبها ملكي منذ 18 عاماً، أبصرت النور أخيراً وكأنها كتبت اليوم، لا جديد! الخوف ذاته والحرب هي الحرب، وإن تبدل بعض معالمها. "درج" قصة امرأة عاشت في الحرب، وعشقت في الحرب، وتُركت لأجل الحرب.

"درج" حيث تدور أحداث القصة، أو ربما الدرج هو في ذاته القصة، إذ تعود إليه السيدة بعد سنوات من الهجرة، وتبدو كأنها لم تغادره أصلاً. للدرج دلالات عديدة هنا، فهو الحالة التي تجسدها مايا السبعلي عن المجهول، الانتظار واللانهاية. والدرج في المسرحية أيضًا كان محطة شملتْ تطورات حياة الشخصية، من ذكريات وبكاء على أطلال الماضي. ليس البكاء على جمال ماضٍ انقضى، بل لما عانته الشخصية من ألم وتهجير قسري ووحدة وفقدان. "الدرج بيمرق من هون، وما حدا بيعرف لوين بيوصل"، تقول السيدة المنتظرة، وهي تصر على معرفة مصير الدرج أو ربما مشوار حياتها الذي لا ينتهي.

"كل عمري بحب الادراج. من أنا وصغيرة. درج البيت. درج المدرسة اللي منطلع عليه عالصف. الدرج اللي أطرافه مزروعة ورد وكنا نطلع فيه من الحي التحتاني على حي بيوت الناس اللي جايين يصيفوا هون. إلا هالدرج هيدا. صرلي أيام وشهور وسنين قاعدة عليه، وما كنت أتعود". الدرج حيث بقيت تنتظر 13 عاماً، وهنا المبالغة مشروعة، إذ قد يكون في إحدى غرف المصح العقلي حيث انتهى بها السعي خلف الوهم والحب. فالشخصية التي تروي لنا بعضاً مما مرت به، بدت متقلبة ومضطربة، متعلقة بالوهم، والوهم اضطراب نفسي.

فبعد الخذلان، صنعت السيدة الصغيرة من أحلامها "بيتاً من الكرتون"، انتقلت فيه إلى عالم وهمي، التقت رجالاً حدثتنا عنهم وكأنهم حقيقيون، مارست معهم الحب وضحكت وأحبت كما أرادت، ثم هُجرت مجدداً وأخذت معها بيتها ذاك. راحت تتنقل من مكان إلى آخر، باحثة عن الحب، وكلما حصلت عليه، كانت تفقد وجودها فتغوص في الخيال أكثر. وهنا كان يبرز اضطرابها النابع من حالة الوهم التي عاشتها، إذ لم تكن قادرة على التمييز بين الحقيقة والتخيلات.

تسيطر الحرب على الأحداث، يدعم المخرج وجودها بالعوامل البصرية والصوتية، تظهر أمامك عبر فيديو مسجل مشاهد حقيقية لقذائف ومتاريس. وهنا، الشخصية التيتبقى بلا اسم (وهذا ربما ما تعمّده ملكي ليسهل علينا إسقاط ما عاشته الشخصية من أحداث ومشاعر إنسانية علينا) تروي لنا ما عايشته خلال الحرب، من حصار وحب أول، والتجربة الجنسية الأولى، ثمّ ألم الإنفصال والخذلان بعدما تُركت من شبان ذهبوا ليقاتلوا في الحرب. الحرب التي جردتها في النهاية من مشاعرها، تركتها في حالة من النكران لما يمر أمامها من كوارث، فلا تتأثر: "بتعجب قديش هلق بشوف اشيا عالتلفزيون وما بحس بشي. صرت شوف الناس بالحرب وبالظلم، متل كأنهن ممثلين. ومتل كأنو الدم اللي عا تيابهن دوا أحمر خصوصي بيحطوه لهيك مشاهد".

المسرحية قابلة للتحليل والاسقاطات، تحمل قضايا بشرية متعددة. المسرحية لا تنتهي لدرجة أنه كان على أحدهم أن ينذر الحضور بنهايتها. "درج" يكمل معنا إلى خارج المسرح، فيقتحم حياتنا وصراعاتنا الداخلية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها