الجمعة 2022/02/11

آخر تحديث: 13:10 (بيروت)

دار "سرد" وتجارب الغلاف: ثلاثة تأويلات علينا.. والرابع للقارئ

الجمعة 2022/02/11
دار "سرد" وتجارب الغلاف: ثلاثة تأويلات علينا.. والرابع للقارئ
أغلفة "سرد"
increase حجم الخط decrease
(*) شهادة للكاتب والناشر السوري فايز علام عن تجربته في "دار سرد"، من ضمن ملف عن ثقافة أغلفة الكتب وفنونها، معانيها وتأويلاتها:

أحرص دائماً على أن يرى زملائي في الدار، غلاف الكتاب، قبل أن يقرأوه، لأني أريد انطباعاتهم عنه كما سيراه القارئ الذي لا يعرف الرواية. ومن ثم نعيد النظر فيه والنقاش بعد عملهم التحريري في الكتاب. بعد ذلك نتخذ قراراً نهائياً بشأنه.

آخر كتاب أرسلناه للطباعة هو "إنجيل شجرة السم"، للكاتبة الأميركية باربرا كينغسولفر، وفيه تحكي قصة عائلة أميركية تذهب إلى الكونغو. وحين وصلني الغلاف بألوانه الساطعة المشرقة، رأيت فوراً ألوان ملابس الكونغوليين، كما تصفها الرواية. غير أن رأياً لزميلة ايستوقفني، إذ قالت: "أنظر إلى وضوح الألوان وشدتها في الأشجار والحيوانات، وانظر إلى اللون الباهت الممحو لأفراد العائلة". تعليقها هذا كان مدهشاً، فواحد من التأويلات التي يمكن قراءة الرواية وفقها، تمثله تماماً هذه الملاحظة.

وفي غلاف آخر لكتاب "حجرة نونا"، رأت صديقة أن الفتاة في الغلاف حبيسة.
لكن صديقة أخرى أكملت العبارة السابقة بالقول إنها حبيسة أفكارها، مضيفة أن ثمة الكثير من الأفكار التي تتجمّع ويعبّر عنها النقش الملوّن الذي يمتد في أعلى الغلاف ثم يتكثّف ويضيق حين يقترب من رأسها ويهبط عليه.

حتى اللحظة لم أنقل هذه الملاحظات لمصممة الغلافَين الفنانة نجاح طاهر، ولا أعرف إن كانت هذه التأويلات من ضمن التأويلات التي أرادتها، أم أنها خرجت من دون وعي منها نتيجة قراءتها الواعية للكتب وتفاعلها داخلها. لكني أعرف أني مُطمَئن لعملي معها، فأياً تكن النتيجة التي تقدمها لي، فهي نابعة من حرص وتأمل وقراءة متأنية للكتاب، والأهم أن غلافها يفتح للناظر مجالاً حراً للتحاور معه، كما يسمح له بطبقات متعددة من الفهم. 

هذا المثال الذي ذكرته، يكاد يتكرر مع كل غلاف تقريباً. وقد خضتُ مع زملائي نقاشات عن "النافذة" التي وضعها الفنان تمام عزّام في غلاف "أرض الكلام"، أو التراكيب اللونية في غلاف "حبر الغراب"، أو "الدرب المؤدي إلى السماء الوردية" –كما وصفه زميل لي- في غلاف "جهات الجنوب"... ونعتقد في الدار أن النقاشات هذه، واختلاف الزاوية التي نرى منها الغلاف، هي ما يجعلنا ندرك، مرة بعد مرة، أن الغلاف يحقق المطلوب منه. فنحن نؤمن بأن الكتاب يمكن فهمه بأكثر من طريقة، ونريد من الغلاف أن يكون هكذا أيضاً. نحن ضد الأغلفة التي تسطّح الكتاب، أو تلك التي تُبنى بناءً على عنوانه، أو بناء على فكرة رئيسية فيه تكون هي نفسها الفكرة التي سيذكرها الكاتب في إجابة سريعة على صحافي عجول يسأله: "عن ماذا يتكلّم كتابك الجديد؟"، وهذه الفكرة نفسها سنجدها في مقطع الغلاف الخلفي الذي كتبه الناشر. فنصبح أمام عناصر ثلاثة تكرر قول الشيء نفسه تقريباً بصِيَغ مختلفة... أما ما نطمح إليه، فهو أن نقدّم ثلاثة تأويلات مختلفة، عبر هذه العناصر، وهذا ما سيمنح القارئ إمكانية الاختلاف وحرية أن يذهب إلى تأويل رابع.

غير أن ثمة ملاحظة يجب أن أضيفها ختاماً، وهي أننا نسعى دوماً إلى ما سبق، لكننا قد لا ننجح في كل مرة بالضرورة، وذلك لسببين: أولهما، إيماننا التام بأن الإخفاق في بعض الأغلفة هو الدرب الذي يمر منه نجاحنا في الأغلفة الأخرى. وثانيهما، هو رأي المؤلف (أو ورثته في حال كان أجنبياً وميتاً) الذي يرى في بعض الأحيان أنه الأقدر على فهم كتابه، ويصرّ على تكرار رؤيته التي قالها مكتوبة، بشكل بصري، فيطلب تعديلات كثيرة من شأنها أن تحوّل الغلاف إلى ما لا نريد، وبالطبع لا ننجح دوماً في إقناعه بوجهة نظرنا.
 
هذا جزء من تجربتنا الخاصة في دار "سرد" في ما يخص الأغلفة، وهذه فلسفتنا في العمل. أما عن رأيي بصفتي قارئاً ومتفرّجاً، فثمة شغلٌ أحبه لبعض المصممين والفنانين. مثلاً، أغلفة حلمي التوني لروايات نجيب محفوظ. وهي رؤية تختلف عن رؤيتنا في "سرد"، لكني مع ذلك أحبها جداً، وكنت حريصاً على اقتناء كتب محفوظ كلها بهذه الطبعة تحديداً، لا غيرها. 

وثمة أيضاً ما أراه تشوّهاً بصرياً وجمالياً، بل وفكرياً، في كثير من الأغلفة التي أعجز عن رؤية أي فن فيها، بل إني لا أرى سوى أشكال وألوان جوفاء لا تنقل لي أي إحساس أو معنى خارج المعنى الظاهر والسطحي جداً. وأستغرب من معجبين بها، ومهللين لها، أيكون فعلاً بي عطبٌ ما؟ أم أن ذوق بعض الناس انحدر إلى هذا الحد؟ ولأني لا أركن للأجوبة الجاهزة، أحاول البحث عن مثيلات هذه الأغلفة في الغرب، فأعثر عليه، وسرعان ما أتذكّر رأياً في هذا النوع من الأغلفة تحديداً، هو رأي الكاتبة والناشرة الأسترالية سوزان هاوثورن، التي أعود إلى كتبها دوماً لما فيها من آراء حصيفة. لقد قدّمت إجابة عن مثل هذا وعزته إلى "الرأسمالية التي تضطلع بتشويه الأفكار".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها