الجمعة 2022/02/11

آخر تحديث: 13:41 (بيروت)

"تعارفوا" ليحيى جابر: طوائف لبنان تُمثّل.. ولا تُمثّل!

الجمعة 2022/02/11
increase حجم الخط decrease
"من أنا؟".. سؤال حرصت كل من شخصيات مسرحية "تعارفوا" على الإجابة عليه بتجرّد، بلا أي ترقيع للواقع. أجابت كل من الشخصيات الـ18 على السؤال بأسلوب تعبيري. "تعارفوا"، مسرحية من كتابة وإخراج يحيى جابر، وهي مستوحاة من قصص وتجارب حقيقية خاصة بالممثلين الشباب. وهي من إنتاج جمعية "مارش"، ضمن النسخة الخامسة من برنامج "استعمال المسرح كأداة للمصالحة وبناء السلام".

في المضمون، طرح جابر 18 قصة لشباب من مناطق وخلفيات طائفية ومذهبية مختلفة في بيروت وضواحيها (الشياح، الأوزاعي، برج البراجنة، الضاحية، طريق الجديدة، فردان، الطيونة، الناعمة، البسطة التحتا، رأس النبع ودير قوبل)، يلتقون في برنامج تلفزيوني بفقرات ترفيهية مختلفة. يتقدّم الواحد تلو الآخر، ويعبّر عن نفسه ومعاناته، إما بقالب كوميدي أو بالغناء والرقص التعبيري والهيب هوب والبريك دانس. ستون دقيقة من الضحك والدموع، قدمها الممثلون الهواة باحترافية، طرحوا خلالها أبرز القضايا اللبنانية المثيرة للجدل، من الطائفية والمثلية الجنسية، إلى العنصرية والعنف والذكورية.

أسئلة مختلفة يطرحها مقدم البرنامج "باتريك"، على المشاركين: "من انا؟" و"ماذا تعرف عن الآخر؟". ثم، في الفقرة الأخيرة، يقسمهم إلى فرق بحسب الدين والمنطقة والجنسية وحتى الجندر، ويذهب أبعد من ذلك بقوله: "يلي بتحس حالها حسن صبي تقدم خطوة لقدام"، وربما التصنيف الأكثر وقاحة، الذي يسقطه المجتمع على النساء، يكمن في قضية جسّدتها إحدى الشخصيات "دانا مكي" ابنة الـ23 عاماً، التي قدمت صراعها مع هويتها السياسية والدينية من جهة، وما تتعرض له من ذكورية في وصفها بـ"الحسن صبي" من جهة أخرى.

الشخصيات كلها قُدّمت مشبعة بالمعايير الاجتماعية المُسقطة، خصوصاً على جيل الشباب، الذي يحاول التخلص من موروثات الحرب الأهلية. شخصية أخرى، أداها الشاب حسان حيدر ابن منطقة الأوزاعي، فنقل عبثيتها على الخشبة، في قصة لشاب صياد تربى في دار أيتام في منطقة شيعية، ثم كبر واكتشف أن أهله من الطائفة السنية، فعاش صراعاً بين الهويتين، ليفضل الانتماء للبحر في النهاية.

و"هادي"، الشاب الشيعي الذي يهوى الرقص و"يحب الصليب"، قدّم في ظهوره الأول رقصاً تعبيرياً. لم تغب الطبقية عن قصص هؤلاء، فكانت لقصة ابن الناطور حصة في العرض الذي قام بدوره الشاب خالد عبدالله، وروى معاناته في المبنى المؤلف من 11 طبقة، ويمنعه من الحلم، كما عبّر عن غضبه من التنمر الذي يتعرض له بسبب "تأتأته" أثناء الكلام. ووائل، ابن الشياح، حمل معه هويته السياسية وتغنى بها على المسرح، وراح يتباهى بحبّه لاقتناء السلاح "المرخّص"... كلها قصص حرص يحيى جابر أن يضمّنها كل "شاردة وواردة" مكدّسة في البيوت والشوارع اللبنانية.

من نحن؟ وماذا نعرف عن أنفسنا قبل أن نعرف عن الآخرين؟ أسئلة جعلتنا المسرحية نطرحها على أنفسنا أثناء العرض، في خضم فوضى الهوية التي نعيشها، لتجرّدنا في نهايته من زيف التسميات التي يسقطونها علينا، فنحمل ذنبها طيلة حياتنا. في نهاية المسرحية، حزب واحد يفوز وينتسب إليه جميع المشاركين في البرنامج، ونحن الجمهور: "الإنسانية". فكأن الطوائف ههنا، مُكثّفة في الشخصيات الـ18، تمثّل "ناسها"، لكنها لا تمثّلهم تماماً لأنهم أيضاً أفراد ومختلفون. والطوائف تُمثّل في مسرحية، لكنها لا تُمثّل دراما مؤلّفة، بل الكثير الكثير من الواقع!

قد تبدو المسرحية، بما تطرحه من قضايا وطنية، من الكليشيهات، إلا أنها لم تعجز عن تقديمها بأسلوب سلس، أحبه الجمهور الذي راح يتفاعل مع المسرحية وكأنه جزء منها. وهذا ما بدا أن يحيى جابر سعى إليه في نَصّه، حين قدم كل عناصر الساحة اللبنانية في "تعارفوا".

(*) عرضت في مسرح "دوار الشمس" في بيروت.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها