الإثنين 2022/12/05

آخر تحديث: 11:39 (بيروت)

مفيد فوزي.. اخترع المعارك إن لم توجد وتحزَّب لفيروز

الإثنين 2022/12/05
مفيد فوزي.. اخترع المعارك إن لم توجد وتحزَّب لفيروز
في ليلة زفافه.. بحضور سعاد حسني وناديا لطفي
increase حجم الخط decrease
إتفق أو إختلف مع هذا الرجل، لكنه بالتأكيد حالة فريدة وواقع ملموس في الإعلام المصري والعربي. قد لا يعجبك نهجه الشخصي، لكن موهبته المهنية ليست محل شك.. رحل مفيد فوزي عن تسعة وثمانين عاماً وأظنه قضي أكثر من ثلثي عمره في معارك من صنع يديه. رحل الرجل الذي كان بارعاً في إثارة الجدل حوله. كان مفيد فوزي، إذا لم يجد قضية يشتبك معها، اخترع لنفسه حالة يفرغ فيها طاقته الصحافية والإعلامية، بل ويدفع الآخرين للسير خلفه –معه أو ضده– في هذا الاشتباك.

في الستينيات مثلاً، دخل في خصومة مع نظام حكم الرئيس عبد الناصر كان من الممكن تحاشيها، خصوصاً أنه حتى تلك الفترة لم يكن يكتب في السياسة أو يجاهر بآرائه، لكنه فعل، ونجح في لفت الانتباه، وأدخل معه صديقه عبد الحليم حافظ على خط الأزمة بعدما منعته الحكومة المصرية من الكتابة وتدخل العندليب لفك الحظر عن كتاباته، فأصابت شظايا الصدام نسبياً تلك العلاقة الهشة التي كانت تظلل تعامل عبد الحليم مع صلاح نصر رئيس مخابرات الرئيس عبد الناصر. المهم أن مفيد فوزي خرج من هذا الصدام وقد ردد الناس اسمه وزاد الطلب عليه إعلامياً...

مفيد فوزي هو الذي قاد الأذُن العربية إلى حالة من التحزب الطربي بين من هو فيروزي ومن هو كلثومي لسبب بسيط أنه كان عاشقاً لفيروز ومنحازا لها رغم أن جارة القمر نفسها لم يُرضِها هذا التحزّب في أكثر من حوار منشور، وكانت هي وما زالت من أشد المعجبات بصوت كوكب الشرق. لكنه فعلها، وظلت الأوساط الإعلامية تخوض لوقت طويل في هذه القضية الوهمية. ثم لا ننسى زوبعته الكبرى التي أثارها في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حين استنطق الممثلة سعاد حسني وهي علي سرير المرض في باريس، منتزعاً منها اعترافاً صريحاً وواضحاً للمرة الأولي بأنها كانت فعلاً زوجة لعبد الحليم حافظ لمدة ست سنوات، حتى لو كان هذا الزواج عرفياً. ومنذ ذلك الحوار الذي نشره مفيد وهو رئيس لتحرير مجلة "صباح الخير" القاهرية، لم يتوقف الحديث عن هذه القضية، وبات محتكراً تقريباً للكلام فيها وباتت سبباً مهماً في إطالة عمره المهني، إذا جاز التعبير، رغم أن كلامه في هذا الأمر أصابه كثير من التناقض.

ويوم كتبتُ في هذا الملف الشائك مقالاً بعنوان "كل أبطال المشهد رحلوا إلا واحداً.. فهل نصدقه؟"، جاءني صوته عبر الهاتف معاتباً: أنت إذن تشكك في ما أقول، فقلت: أنت أستاذي، لكن كل شهود واقعة زواج عبد الحليم التي تذكرها قد رحلوا، وأسرة العندليب تنفي تلك الزيجة، فردّ: من ينفي هو حر في نفيه، أنا فقط مسؤول عما أقول، ومن عاش ليس كمن سمع، فعدت لأقول له: لكن موقفك في هذا الأمر فيه كثير من التناقض مما يضيف مزيداً من الالتباس. فقال: وأين التناقض؟ أجبته: ذكرتَ مراراً أن حليم وسعاد تزوجا ست سنوات، ثم عدت ونفيت في أحد البرامج التلفزيونية زواجهما مؤكداً أن عبد الحليم لم يكن كزوج قادراً علي تلبية مطالب امرأة، فسكت مفيد عن الكلام. وقلت له: أنت تذكر تارة أنك لم تكن تعرف بأمر زواجهما وأن سعاد هي التي أخبرتك، وتارة تقول إنك كنت حاضراً عقد القران، فلم يردّ الرجل. ولما أضفت أن حتى روايته عن ملابسات القران وشهوده الموقعين على الوثيقة، فيها اختلاف في كل مرة، أعادها علَي باختلاف جديد. وهنا احترمتُ مكانة الرجل وعمره وتوقفت عن النقاش. وحين وضعت، قبل خمس سنوات، كتابي "العندليب والسندريللا: الحقيقة الغائبة"، وفنّدت فيه كل ما يتعلق بهذا الملف الشائك، سمعتُ صوته مرة أخرى مهنئاً ومُثنياً من دون أن نخوض في أي تفاصيل.

وكم من معركة أخرى اخترعها مفيد فوزي، بذكائه المهني المعهود، ونجح في إثارة الجدل من حوله، ومع ذلك كله، لا أحد يستطيع أن ينكر أن للرجل نجاحات مهنية شديدة الأهمية، منها علي سبيل المثال:

أولاً: أنه كان صاحب أسلوب مميز في الكتابة وقدرة فائقة على نحت اللغة حتى أضحي صاحب مدرسة وله تلاميذه الذين يحذون حذوه.

ثانياً: كان تقريباً أول صحافي مصري يتجه إلى إعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية ربما منذ منتصف الستينيات، واتسمت برامجه بالجرأة مثل برنامج "أوافق أمتنع" لإذاعة الشرق الأوسط، و"خواطر على الهواء" و"ضيف في ليلة صيف"، كما أعد تلفزيونياً، الرعيل الأول من مذيعات التلفزيون المصري، مثل سلوى حجازي وليلى رستم وأماني ناشد وغيرهن.

ثالثاً: أعاد صياغة وظيفة مقدم البرامج من مجرد ناقل لأسئلة مكتوبة إلى محاور فعلي يقارع الضيف الحجة ويغوص معه في مناطق ربما ظن الضيف نفسه أنه لن يتحدث فيها، فخلق تياراً كاملاً في هذه المدرسة وسادت هذه النوعية من البرامج في كافة الفضائيات العربية، خصوصاً بعد نجاح برنامجه الشهير "حديث المدينة" الذي بدأ تقديمه العام 1998.

رابعاً: قدم للمكتبة العربية مجموعة من الكتب المتنوعة، بعضها يدخل في نطاق أدب الرحلات، والآخر كما لو كان شاهداً على عصر عاشه حتي لو كان من وجهة نظر شخصية، منها: "أطول قصيدة اعتراف مع نزار قباني"، "صديقي الموعود بالعذاب"، "هيكل الآخر"، وغيرها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها