الإثنين 2022/12/05

آخر تحديث: 11:52 (بيروت)

"المدعو إلى مساء السيدة" لعلي بدر...لا شيء اسمه غرب

الإثنين 2022/12/05
"المدعو إلى مساء السيدة" لعلي بدر...لا شيء اسمه غرب
increase حجم الخط decrease
صدرت عن دار ألكا رواية "المدعو إلى مساء السيدة"، للروائي علي بدر، وستكون في معرض بغداد للكتاب. وهو عبارة عن جملة واحدة طويلة لمسافر في دعوة مسائية إلى مائدة سيدة، تأخرت السيدة وتأخر المساء، لكنه لم يتوقف عن حديثه لها عن الأمكنة والأشخاص، والحياة، والقطارات، والتاريخ، هو مزيج من الاشياء الخيالية والواقعية التي يستخرجها من جورنال... جورنال المسافر بالتاكيد.

مقطع من الرواية:
كنت مدعواً إلى طاولة السيدة. المساء قد هبط مبكراً وأنا لم أطلب سوى وجبة خفيفة. المطعم لا يحتاج إلى زبائن، يكفي أن نكون اثنين على آخر طاولة. البلدة تتكوّم في هذا المكان بأكملها في الشتاء. الكلّ سيأتي بالتأكيد، كرّرت النادلةُ معي بالتأكيد. ستأتي لتغمرَ موائدنا بالترف، ستأتي مهما حدث، وهذا يمنحها تفوقاً هائلاً على الآخرين، تفوّق النسر على ضحاياه. الغرب يتفوّق دوماً. قالت مرة وهي تضحك. ربما قالتها مازحةً. لا شيء اسمه غرب، غرب مَنْ مثلاً. هذه المفاهيم أصبحت مملةً، عاريةً، مضجرةً، مثل أسمال غافيةٍ على صخرة قذرة. سيأتي دوماً مثقفون يلوون ألسنتهم ويقولون الغرب لم يعد موجوداً. سيتكلمون عن التمركز الغربي واللوغوس وهذه الأشياء التي لم تعد جذابةً. الغرب يا سيدتي هو مثل السيد كارل عمره يناهز السبعين عاماً ببذلة جديدة وقبّعة بالية. الغرب مثل السيد جون رجلٌ شاحبُ الوجه، أنفهُ ناعمٌ، صار ينتعل حذاءً أشبه بالجزمة، ومعطفاً رثاً ليس جديداً أبداً. الغرب مثل مارتن الوسيم، في الواقع كان وسيماً. تعلّقت به النساء طويلاً أيام فتوته، لكنهُ تعبَ، تعبَ جدّاً. تعب من الحب والإغواء، وأصبح حكيماً ذا عينين غابشتين.

الغرب مستعمر رفع سوطهُ وهوى به على ظهور الافارقة والعرب واللاتينيين والآسيويين لكنه تعب وسقط فوقهم هو وسوطه. عليهم أن يزيحوه. يريدون التنفس إنه لا يقوى على الوقوف على قدميه. لم يعد قادراً على ذلك. أما الشرق فهو مثل حمار هزيل، حمار طارطران تارسكو الذي ابدعته عبقرية ألفونس دوديه المذهلة، مسيرة من المغامرات الهزلية التي يقودها صائد القبعات تارتاران في طريقه لصيد الأسود في الجزائر، لكنه بطل ساذج يسمح لنفسه أن ينخدع أمام كل عابر فاقد للضمير. الشرق مثل جمل أعجف، جمل عجوز جاثم في الصحراء وهو يغط في نومه الذي لا يقهر. ضحكت، وضعت يدها تحت ذقنها وانصتت. أنصتُّ لها. لحظة صمت لا أكثر. كنا متخوفين. لو لا روسيا لما كان هنالك غرب. روسيا هي التي منحت الغرب معناه.

قال هاني روسيا انتهت، روسيا تحطمت. اقتصادها لا يساوي اقتصاد دولة ضعيفة مثل اسبانيا أو اليونان. هذا كل ما في الأمر. لكن الأمور لا تقاس هكذا صدقني قلت له. تضحكني المقاربات الصحفية الغربية. مثلا يقولون إن الاسكندنافي هو أسعد رجل في العالم لأن دخله في العام كذا، وإن طول شقته كذا، وإن بطاقته الصحية التي توفرها له الدولة كذا. لكن حين تذهب هناك تجدهم الأكثر كآبة في العالم وأن أكثر حوادث انتحار في العالم ستجدها هناك. روسيا هي التي حددت شكل السياسة العالمية في القرن التاسع عشر مع انها دولة اقطاعية، وهي التي حددت شكل السياسة في القرن العشرين عبر الحرب الباردة، وهي تلعب نفس الدور العالمي الآن في تحديد السياسة العالمية. الاقتصاد هنا لا علاقة له بمكانة الدولة. جنيفر... جنيفر... كأس آخر من المارتيني من فضلك، وكوكتيل وايت راشن لهاني. هل تفضل الفودكا. الفودكا الروسية؟ لا أبداً. الفودكا الروسية أصبحت مثل البيتزا الايطالية في كل مكان. لا أنا أفضل المارتيني. كأس من فضلك. انا بانتظار السيدة. قلت لك روسيا هي التي حددت السياسة العالمية في القرن التاسع عشر.

كانت هنالك امبراطوريتان البريطانية والفرنسية. امبراطوريتان تراقب روسيا وهي تتقدم في القوقاز. تساءلتا اين ستقف روسيا. لو انهارت الإمبراطورية العثمانية على يد روسيا سنكون نحن أيضاً تحت تهديدها. روسيا الارثوذكسية. من يحبّ روسيا فليرمني بحجر. الكلّ يخافها: روسيا اللغز، روسيا الاستبداد الأبيض. روسيا الجب الأسود. يكفي أن تقرأ دوستويفسكي وشخصياته المرعبة المريضة لتكره روسيا، قال فادي. لكن دعني أشرح لك... كانت تلك محاضرتي. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها